2012/07/04
عهـد صبيـحة
بعد عشرة أيام من بداية شهر رمضان هذا العام، بدأت تتضح ملامح عروض مسلسلات الدراما السورية هذا العام، ولئن كان هناك مسلسلات اتفق الكل، على ما يبدو، على تعاسة فحواها وسوء إخراجها، وأخرى اتفقوا على حسن نتيجتها، فإن عدة مسلسلات أفسحت مجالاً للرأي والرأي الآخر. من بين هذه الأعمال المختلف عليها ثلاثة "تخت شرقي" و"ضيعة ضايعة" و"ما ملكت أيمانكم". استطاعت هذه الأعمال، حتى الآن، أن تخرج عن المألوف في النص والمشهد، وتهرب من مطبّ الرقابة وإن افتعلت صداماً على مستوى الرقابة الاجتماعية.
في "تخت شرقي" تغوص المخرجة رشا شربتجي مع كاتبة النص يم مشهدي في التفاصيل المحرمة للعلاقات الإنسانية في مجتمعنا من خلال الدخول إلى العوالم الداخلية لأربعة أصدقاء شباب وتقاطعات هذه العوالم مع عوالم الشخصيات المحيطة ليَنتُج نسيج متشابك يبدو للوهلة الأولى غير متجانس، مفكك، ومجرد ثرثرات غير مبررة، عن البرد والرغبة، وقصص صغيرة عن الحب والحاجة والغيرة والكبت والوسواس، لكنها في نهاية الأمر تعكس، أو تريد أن تعكس، بشكل مباشر وصريح، صورة المجتمع السوري المعاصر.
تتبدى الجرأة، قبل القصة والإخراج، في عنوان المسلسل، والتخت الشرقي كما هو معروف اجتماع آلات موسيقية، هي القانون والعود والناي والدف ولاحقاً الكمان، لتشكل سوية اتحاداً استفادت منه الموسيقى العربية. لكن العنوان ذاته يوحي، في نفس الوقت، بدلالات جنسية واضحة فالتخت رمزياً هو مكان الجنس، واقترانه بالشرقي يعكس أن الحكاية كلها حكاية الجنس في مجتمعنا الشرقي.
على مستوى النص، ضاع المُشاهِد بين حرارة المفردات والإشارات إلى دفء الفراش وبين الصقيع القارس الذي غلّف حوارات الشخصيات المنكمشة برداً طوال العمل (بدون مبرر درامي واضح). وتظهر الجرأة في القصص الهاربة من مقص الرقيب كعلاقة الأنثى بجسدها، وعذريتها قبل الزواج، وحريتها في هوى من تحب وسط مجتمع ذكوري، ونظرة الأبناء إلى آبائهم. تُكلل هذه القصص حوارات امتلأت بكلمات ومفردات بدت جديدة وغريبة -لم يعتدها المشاهد في الدراما العربية السابقة الحذرة في انتقاء ألفاظها- كالإشارة إلى أسماء أعضاء الجسد والشتائم والاغتصاب والمفردات الجنسية. لا نغفل أيضاً الإشارة إلى الشخصيات النسائية في العمل اللاتي جئن كلهن تقريباً بشكل مخالف للمألوف عنهن في درامانا؛ راغبات، حالمات، شبقات، متحررات أحياناً من إرث تخلف حملنه مئات السنين وإن تغلفت هذه الحرية بخوف لاحظناه في أعينهن.
من ناحية أخرى، أتاحت رشا شربتجي هامش حرية كبير في التعبير البصري المترافق والمتناسب مع القصة والحوار الجريئين فشاهدنا أحد الأبطال يمسح الأرض عاري الصدر، وآخر يغير ملابسه أمام الكاميرا، وإحدى البطلات تحلم باغتصابها، وأخرى تنظر شبقة إلى زميلها، وأخرى تتلمس قدم جارها محاولة إغراءه، وبطل يقبّل محبوبته... وغيرها من الأمثلة التي يطول تعدادها لكثرتها في المسلسل.
استطاع "تخت شرقي" طرح أفكار وشخصيات وحوارات تعتبر على المستوى الاجتماعي تابوهات لا يمكن الاقتراب منها، ولطالما اشتكى المثقفون من سلطة الرقيب الرسمي لكن رشا ومشهدي في "تخت شرقي" سيواجهان رقيباً أقوى على مستوى القاعدة الشعبية واختلافاً حول مصداقية أو واقعية أو حرية العمل الدرامي في طرح هذه الأفكار، هذه المواجهة وضحت في الشارع منذ الحلقات الأولى بين مستهجن لهذا الشكل الجديد من الطرح وآخر مؤيد له ومعتبراً إياه فتحاً جديداً على مستوى النص والصورة.