2012/07/04
ديما ديب – الوطن السورية
بعد سطوة المسلسلات الاجتماعية على الدراما الرمضانية وحالة المُشاهدة غير المسبوقة التي تفّرد بها خلال أعوام سابقة، فحاز مسلسل «سوق الورق» نسبة المشاهدة الأكبر لتناوله فكرة جديدة لم يسبق للدراما السورية أن تناولتها بهذه الطريقة، وهو من إخراج أحمد إبراهيم أحمد وتأليف أراء جرماني، وتم فيه تناول حالة الفساد والرشوة في جامعة دمشق، فالمسلسل يقدم مضموناً يحترم عقل المتلقي وموضوعه يعالج مسألة مهمة، أما الممثل الأكثر جماهيرية، لهذا الموسم الدرامي فهو الفنان سلوم حداد الذي احتل المرتبة الأولى دون منازع أما في المرتبة الثانية فكانت الفنانة نسرين طافش بدورها في مسلسل «جلسات نسائية» حيث جسدت شخصية الأرملة الشابة التي تعتني بابنتها الصغيرة، إضافة إلى ممارسة عملها وهوايتها بالتصميم، مع الأخذ بالحسبان أن كلاً من الفنان سلوم حداد والفنانة نسرين طافش قد حققا مشاركات مهمة في أعمال أخرى وعبر شخصيات مختلفة متنوعة. وقد احتلت قناة الدراما السورية المرتبة الأولى، تلتها قناة الدنيا وبعدها الفضائية السورية بعرض أعمال الدرامية للموسم الرمضاني 2011.
الأعمال الدرامية والورقة الرابحة
كذلك عبر طلاب جامعة دمشق في استطلاع لصحيفة «الوطن» عن المسلسلات السورية التي عرضت في شهر رمضان المبارك، فيبدو أنه بات من المسلم به أن الدراما التلفزيونية أصبحت واحدة من سمات الشهر الفضيل والورقة الرابحة في يد المحطات، ينتظرها الجمهور ليرى ما الجديد المُقدم فيها كما ينتظرها صنّاع العمل ليجنوا ثمار ما أنتجوه وليقفوا على ناصية المعرفة حول أين أصبحوا وكيف يتقبل الجمهور ما يقدمونه، وقد استطاعت الدراما السورية في رمضان الأخير أن تجتاز امتحان التنوع في الموضوعات المطروحة فواحدة من أبرز ميزاتها هذا العام أنها قدمت ألوان الطيف ولم تتقوقع ضمن منحى معين أو موضة مهيمنة دون أخرى ما فتح المجال واسعاً أمام الجمهور لينتقي ما يُشاهد، فبينما قُدمِت الكوميديا بشكل خجول جداً في الموسم الماضي كانت حاضرة بقوة في الموسم الحالي، كما كانت هناك محاولات للبحث عن الجديد وللغوص أكثر في المجتمع لالتقاط تفاصيله فتم التطرق لموضوع الفساد والرشوة، وإضافة لذلك عرضت أعمال ضمن فئات مختلفة ومتنوعة (البيئة الشامية، البدوي، الرومانسي، أعمال اجتماعية معاصرة، التاريخ القديم والحديث، الكوميديا، أعمال مأخوذة من أصل أدبي، سير ذاتية)، تداعيات الحرب اللبنانية والاجتياح الإسرائيلي لبيروت (إرهاب، فساد، علاقات مشبوهة..) مما يشهد أن الدراما السورية تحاول عاماً بعد آخر قراءة تجربتها بتمعن لتكون أكثر ألقاً وقرباً من المشاهد.
مبالغات في إبراز الفساد
تقول ليزا 23 عاماً طالبة إعلام: إن مسلسل «سوق الورق» يحوي الكثير من موضوعات فساد الجامعة فهناك الكثير من الطلاب الذين لا يتعبون بدراستهم ولا يحضرون موادهم ونجدهم ينجحون ويحصلون على علامات مرتفعة، على حين نجد الطلاب الذين لا يضيعون محاضرة ويدرسون فهم ينجحون ولكن لا يحصلون على ما يستحقونه من علامات وفي كثير من الأحيان نجدهم يرسبون، وتضيف: إن المسلسل يحتوي على المبالغة، ويخرق الحياة الشخصية لدكاترة الجامعة، والشيء الإيجابي أنه لامس جامعة دمشق بشكل خاص لتضع الرقابة عينها على ما يحدث من فساد داخل حرم الجامعي، إلا أن الكاتبة تطرقت للحياة الشخصية لدكاترة الجامعة فأحسست أنها تحمل في داخلها نزعة شخصية من الحقد والكراهية لأساتذة الجامعة.
أما الغالبون فهو مسلسل حقيقي ويطرح قضايا وأفكاراً جديدة، لم تطرحها الدراما من قبل فيتحدث عن المقاومة اللبنانية، وأن قضية المقاومة كمفهوم وخاصة بالأحداث التي تمر بها بلادنا الغالية وهو يطرح القيم والعادات والأخلاق ويشعرنا بشي مختلف عن المسلسلات الأخرى التي طرحت موضوع الرشوة والفساد بشكل مبتذل.
أما خولة حفظي 24 عاماً طالبة دراسات عليا فتجد أن مسلسل «سوق الورق» يحتوي على مبالغة كبيرة وجعلتنا الكاتبة لا نعلم إذا كانت هذه الأحداث واقعية أم اختراعاً، وأن دور الممثل باسل خياط هو كنموذج لطالب الذي يعيد مواده بشكل متكرر ولا ينجح لسبب ما هو لا يعلمه، وقامت الكاتبة باختراع شخصية مدير الجامعة لتسقط عليه كل الصفات السيئة، كما أكدت أن هناك الكثير من الأسر أصبحت تخاف إرسال بناتهن إلى الجامعة لإكمال دراستهن خوفاً عليهن من دكاترة الجامعة ومن رسوبهن وأعتبر ذلك نقطة رجعية ومتخلفة بعيدة عن التطور والثقافة وتسهم بنشر التخلف، فالأفضل لو أن الكاتبة تطرقت للمشاكل التي يعاني منها الطلاب وحاولت إيجاد حلول لهم.
وأجد مسلسل «الغفران» خفيفاً وراقياً ويطرح موضوعاً واقعياً، يمكننا القول إن الدراما هذا العام تحوي على أعمال تطرح موضوعات جديدة وغير مكررة، كما حدث بسنوات الماضية وهناك رؤى جديدة للأعمال.
ملامسة الواقع والجرأة
وعن رأي محمد مهندس 36 عاماً في الدراما السورية لهذا العام قال: أحببت مسلسلات هذا العام لأنها تطرح مشكلات عديدة ولكن أنتقدها بطريقة طرحها للمشكلات وأعجبني مسلسل سوق الورق لفكرته الجديدة ولطرحه موضوع الفساد والمشكلات التي يعاني منها الطلاب.
ومن جهته قال خالد 27 عاماً طالب معلوماتية: إن الجرأة في طرح الموضوع هي السمة الأساسية والمميزة لمسلسلات هذا العام، وأجد أن مسلسل سوق الورق لامس الواقع بجرأة كبيرة وهو طرح جديد لموضوع الفساد في الجامعة الذي أصبح شيئاً طبيعياً ومألوفاً بحياتنا العادية كطلاب كمثال «شراء مادة ».
أحببت مسلسل ولادة من الخاصرة لأنه يحتوي على الجرأة الكبيرة وطرح قصصاً تلامس الواقع بشكل كبير ولكن أجد أنه ليس الوقت المناسب لطرح مثل هذه المواضيع.
وبينت رهف قصار بني المرجة طالبة دراسات عليا أن مسلسل الغفران لا يحتوي على فكرة أساسية وحتى الآن لم تظهر الفكرة الأساسية للمسلسل ويعرض روتين الحياة اليومية لزوجين ارتبطا حديثاً أما الفكرة المحورية والأساسية فهي غير واضحة وكل ما يعرضه من موضوعات كلاسيكية ومكررة اعتاد المشاهد السوري أن يراها وبصراحة المسلسل يستحق أن يكون جزءاً من مسلسل وليس مسلسلاً كاملاً.
الحاجة إلى عمق المعالجة
على حين أرى أن مسلسل «جلسات نسائية» يقدم المرأة العربية على أساس أن همها الوحيد هو قصص الحب والغرام التي تشغل بال المراهقات، فما الجديد بقصة الزوجة العاقر، أو الفتاة العانس التي تستميت بحثاً عن عريس غفلة أو الزوجة المطلقة التي ندم طليقها وعاد يعاكسها ليرتبطا من جديد فباعتقادي أن للنساء العربيات مشكلات أعمق وأكبر بكثير من الموضوعات التي يطرحها مسلسل «جلسات نسائية».
أما مسلسل «سوق الورق» فشوه صورة جامعة دمشق وبصراحة الواقع لا يمت بصلة إلى هذه الصورة التلفزيونية المشوهة، فلم تتذكر الكاتبة أنه عندما تنتقد دكتور جامعة فهي تسيء للطالب ذاته لأن الطالب عندما يواجه الحياة في العمل يسأل عن الجامعة التي تخرج منها سيسود الاعتقاد أن الطالب قد اتبع الأساليب الملتوية التي ذكرتها الكاتبة في مسلسلها بغية النجاح والحصول على الإجازة ومن ثم شوهت الكاتبة صورة خريج الجامعة.
لبنى 21 عاماً طالبة أدب فرنسي تقول: ببداية رمضان تفاءلنا بمشاهدة مسلسلات عديدة اجتماعية كولادة من الخاصرة والعشق الحرام ولكن نرى أن هناك تشابهاً كبيراً وتكراراً من حيث تناولها المواضيع نفسها كالحمل دون زواج والخيانة الزوجية والاستغلال العاطفي والمادي إلا أن مسلسل «سوق الورق» طرح فكرة جديدة وهي كيفية تعامل دكاترة الجامعة مع الطلاب وطرح موضوعات الفساد والرشوة.
عبرت زينة قويدر 24 عاماً طالبة أدب فرنسي عن أن مسلسل «جلسات نسائية» يتحدث عن واقع المرأة العربية السورية بمختلف حالاتها (أرملة- مطلقة- متزوجة- عاقر- عانس) أما مسلسل ولادة من الخاصرة فيعتبر مسلسلاً جريئاً لطرحه موضوعات وقضايا جريئة إلى درجة الوقاحة وأرى أنه ليس من الضروري عرض هذه القضايا على شاشة التلفاز لأنها قضايا تشكل مشكلات أسر قليلة في المجتمع. أما من الناحية الدراما الكوميدية لهذا العام فمسلسل «الخربة» و«بقعة ضوء» يمكن اعتبارها مسلسلات خفيفة ومهضومة ومادة خفيفة للضحك. وأما مسلسل «صبايا» فسطحي ويعطي انطباعاً سيئاً عن الفتيات السورية، وليس له قصة ليكون له جزء ثالث. وأعتقد أن الدراما السورية هذا العام متجددة ومتطورة وتناولت مواضيع أكثر جرأة من السنوات السابقة.
يقول جهاد سليمان طالب دراسات عليا: إن الدراما هذا العام غلب عليها الطابع الاجتماعي وشركة سورية الدولية للإنتاج الدرامي هي المنتج الأكثر ولأجمل المسلسلات وخاصة التي استحوذت على فترات المشاهدة الرئيسية.
الدراما تحوي تنوعاً في الأفكار وجرأة في طرحها لم تكن متوقعة مثل مسلسل فوق السقف يتحدث عن الأوضاع الحالية التي تمر بها بلادنا فهو يعكس بصورة حقيقية لواقع المجتمع السوري في هذه الفترة بين المعارضة والتأييد فهو يحوي على جرأة كبيرة لم تسبق للدراما أن تناولت هذه المواضيع، وكذلك مسلسل سوق الورق الذي يعكس بصورة حقيقية للفساد الذي يحدث في الجامعة ولو بصورة صادمة مثل شراء المواد والتنازلات التي تقع على عاتق الطالبات ليحصلن على نجاحهن إضافة لعكسه للعلاقات على الوسائل الإلكترونية كالإنترنيت فهي واقع حقيقي في مجتمعنا، فأنا كنت متوقعاً أنه لا أحد سيتابع الدراما هذا العام لانشغاله بالأخبار السياسية ولكن استطاعت الدراما المحافظة على جمهورها وأثبتت مدى صلابتها ومتانتها.
مقابل كل أستاذ فاسد بالجامعة عشرة أصحاب ضمير
أكد عربي مصري دكتور بكلية الإعلام أنه يحق للدرامي وكاتب الدراما الدخول بأي مناطق بغض النظر عن حساسيتها مادامت تتكلم عن إبداع ولكن في الوقت نفسه من بديهيات الدراما التنوع في عرض الواقع لأن الواقع ملون وبالتالي مقتل أي عمل إبداعي درامي أن تكون شخصياته باتجاه واحد (شريرة- طيبة) ومن هنا ففرض واقع الجامعة في الدراما يجب أن يعرض أشكال الواقع بكل ألوانه فكل أستاذ فاسد بالجامعة يقابله عشرة أصحاب ضمير والفساد بكل مكان وليس في الجامعة فقط بمعنى لا يحق للكاتب الدرامي تقمص شخصيات شكلاً وأسماءً ونسب الفساد لها دون أن تكون مدانة لكن يحق له اختيار أطياف شريطة أن تمثل الواقع، وفي منتصف الثمانينيات عندما عرض أول مسلسل درامي عربي يناقش التعليم اسمه «ضمير أبله حكمت» كان يتحدث عن الأستاذة الطيبة المساعدة التي تواجه بمحيط فاسد لكنه لقى صدى لأنه عرض الشرير في مواجهة الطيب.