2013/05/29
روزالين الجندي – البعث
ما إن يذكر موضوع الثنائيات في الدراما السورية حتى يتبادر إلى الذهن الثنائية الدرامية الإذاعية «صابر وصبرية» في المسلسل الإذاعي الذي حمل الاسم ذاته، والذي قدمه الفنان القدير تيسير السعدي مع زوجته صبا المحمودي، وبث منه حوالي 3000 حلقة في شهرة عمّت أرجاء البلد، حيث كان لهذا العمل حيّز كبير من الجماهيرية، يقول تيسير السعدي: (كنت أمشي في الشارع بعد الإفطار في رمضان فأسمع أصواتنا تخرج من كل نافذة وكل بيت وكل سيارة، كان الجميع يحبنا..).
وفيما بعد عند دخول التلفزيون ونشاط الأعمال الدرامية السورية أيام الأبيض والأسود ظهر الثنائي دريد لحام ونهاد قلعي (غوار الطوشة ، حسني البورزان) في ثنائية اعتمدت على المشروع الفكري المشترك في «كركترين» شكلا نواة لأعمال درامية ناجحة مثل صح النوم، حمام الهنا، مقالب غوار وغيرها، كما استثمر نجاح هذا الثنائي في أفلام عديدة ذات إنتاج عربي مشترك مثل: امرأة تسكن وحدها ، مقلب من المكسيك، غوار جيمس بوند ..الخ ، وبشكل موازٍ، للثنائي غوار الطوشي وحسني البورزان كان هناك عدد من الفنانين كناجي جبر ، ياسين بقوش ، نجاح حفيظ ، ورفيق سبيعي الذين جذبتهم البيئة الدرامية التي عمل فيها كل من دريد لحام ونهاد قلعي فكانوا جزءاً أساسياً منها وشكلوا ما يشبه الثنائيات الدرامية..
لم يكتف تعاون الثنائي دريد ونهاد على الدراما والسينما، بل امتد إلى المسرح مع اختلاف في القضايا والمواضيع المطروحة، فبعد أن كانت الأعمال التلفزيونية المقدمة تعتمد على حكايات درامية بسيطة مبنية على المقالب التي يحيكها غوار لحسني، أصبحت أعمال مسرحية ذات طرح فكري وسياسي عميق بقالب كوميدي، شكل الثنائي دريد ونهاد ركناً من أركانه إلى جانب نخبة من نجوم مسرح الشوك ،طبعاً مع الكاتب المبدع محمد الماغوط الذي احتضنت نصوصه المسرحية شخصيتي غوار الطوشة وحسني البورزان واستثمرت نجاحهما أفضل استثمار ..
توقف مؤقت
توقفت تجربة الثنائيات في الدراما السورية بعد انفصال الثنائي دريد ونهاد عن بعضهما نتيجة مرض نهاد قلعي حتى الثمانينيات ،عندما ظهرت تجربة أيمن رضا وباسم ياخور اللذين قدما عدداً من الأعمال الكوميدية التي اعتمدت على شراكتهما كثنائي درامي: كعيلة ست نجوم وسبع نجوم، بالإضافة لبقعة ضوء مشروعهما الكوميدي الناقد الذي فارقه باسم ياخور في أجزائه الأخيرة ليشكل ثنائياً ملفتاً مع الفنان نضال سيجري في (ضيعة ضايعة ) بجزأيه الأول والثاني من خلال «كاركترين» هما (أسعد وجودي)،والذي كان مصيره التوقف كما حصل مع ثنائية دريد ونهاد ولكن هذه المرة بسبب الوضع الصحي للفنان نضال سيجري ،والذي يبدو أن القدر قد لعب لعبته مرة أخرى في أحد أهم ثنائيات الدراما الكوميدية، إذا جاز لنا التعبير في العشر سنوات الأخيرة .
طبعاً الثنائيات الدرامية لم تقتصر على الفنانين الرجال، بل توسعت لتضم بين قائمتها النساء أيضاً ضمن توليفة (رجل _امرأة) ،وإذا اعتبرنا أن صابر وصبرية كانت الشمعة المضيئة لهذا النوع من التعاون الفني المنطلق أساساً من الثنائية في الحياة ، فإن الثنائية التي شكلها الفنان أيمن زيدان مع زوجته السابقة نورمان أسعد تعتبر انعكاسات لأشعة تلك الشمعة، في شخصيتي جميل وهناء بطلي العملين الكوميديين (جميل وهناء، وألو جميل ألو هناء).
وإذا اعتبرنا أن استثمار الثنائية الدرامية في أكثر من عمل درامي ،مع الاحتفاظ «بالكاركترين» الدراميين للثنائية، ليس المحدد الأساسي للثنائية الدرامية، إذ وعبر تاريخ الدراما السورية وبين الفينة والأخرى كان يظهر إلى الساحة ثنائيات اعتمدت إما على الشراكة الفكرية كشراكة (كاتب - ممثل )، الماغوط ودريد لحام أنموذجاً ،اللذين قدما لنا روائع الأعمال المسرحية (ضيعة تشرين ، غربة ، شقائق النعمان ، فيلمي الحدود، التقرير) وغيرها من الأعمال الهامة ،أو شراكة (مخرج -كاتب) مثل :حاتم علي ووليد سيف ،التي قدمت لنا روائع مثل التغريبة الفلسطينية، ثلاثية الأندلس ..الخ ،أو المخرج الليث حجو مع الكاتب ممدوح حمادة في درّتي الكوميديا السورية في السنوات الأخيرة : (ضيعة ضايعة ،والخربة )..أو شراكة ظهرت وتميزت مع ظهور الأعمال الشامية ونجاحها الجماهيري الواسع ،والتي تجمع ممثلين في علاقة هي ذاتها تربطهما في أكثر من عمل كثنائية ( أم - ابن) التي تشكلت بين الفنانة القديرة منى واصف والفنان النجم بسام كوسا كما في (ليالي الصالحية، باب الحارة كعملين بيئيين، ووراء الشمس ،والحوت كعملين معاصرين ..الخ، أو تلك التي تشكلت بين نجمين وقوامها علاقة الحب مثل ثنائية كاريس بشار وعباس النوري في ( ليس سراباً، والأميمي) أو ثنائية قصي خولي وسلافة معمار في (أرواح عارية ، أبواب الغيم ) ..لكن المشكلة في هذه الثنائيات أنها لا تستمر إلاّ لعملين أو ثلاثة ، ومن ثم تحت رغبة المنتجين ،أو المخرجين ،أو الممثلين في تقديم المختلف والمغاير فإن مثل هذه الثنائيات ما تلبث أن تعلن استسلامها وتنسحب بكل هدوء من الأعمال الدرامية الواقعة تحت ضغط المنافسة القاسية ليس مع مثيلاتها من الدراما المحلية ،ولكن مع ضرتها اللدود الدراما المصرية
من هنا نرى أن عالم الثنائيات رغم كونه مُغرٍ للذاكرة الدرامية ،إلاّ أن ذاكرة الدراما السورية عبر تاريخها الطويل لم تحفل سوى بالعديد من الثنائيات الهامة التي استطاعت أن تكون عصية على النسيان ، والأسباب كثيرة : قد يكون من أهمها عدم رغبة كتّاب السيناريو في تطويع أعمالهم الدرامية لخدمة ثنائية أثبتت نجاحها في عمل سابق ، أو عائدة للممثلين أنفسهم وبحثهم الدائم عما يبعدهم عن التأطير، أو للخلافات التي قد تتسلل إلى كل شراكة أثبتت نجاحها.. الخ لتبقى ثنائيتي غوار الطوشة وحسني البورزان ، وأسعد وجودي هما الأكثر تألقاً عبر تاريخنا الدرامي المليء بالتجارب !!.