2013/05/29

(الثرثرة الأخيرة للماغوط )
(الثرثرة الأخيرة للماغوط )


آنا عزيز الخضر – الثورة

لطالما كان أدب الماغوط وشعره ومسرحه مسكونا بهموم الوطن والناس البسطاء ، فكانت روائعه النموذج الأدبي الذي يهجو الزلات مأخوذا بعشق الوطن وأناسه ،وكان مدهشا في فضحه ،لكل ما يخدش عروشهم المتوجة في نظره ، لأنهم الأساس لكل ما أبدع ،‏ بأسلوب تهكمي لاذع ،قادر على إحراج أعتى الظالمين ، وانتزاع عوالم من السخرية تجاه ما اقترفت أيديهم،وذلك من خلال عوالمه الخاصة التي يحبكها بلغة عبقرية فريدة من نوعها ،مفعمة بالمقاربات الفاضحة ،والمقارنات الجريئة ودراما شاملة ،قد تحتملها عبارة صغيرة يطلقها ، كما كانت نصوصه المسرحية أعمالا ،منسوجة بتفاصيل تلم بكل شائبة صغرت أم كبرت ،عاشها الناس ، من هنا كان الماغوط ملهما أيضا في أزمة الوطن الأخيرة للعديد من المبدعين المسرحيين للاستناد على عوالمه، و روحه المتمردة ، التي تلاحق كل شاردة و واردة، لتقدمها في صورة درامية ،تقذفها في الوجوه دون مجاملة أو مواربة ، فكان الكثير من الأعمال في الفترة ، التي ارتكزت على مساحات نقده لكل سلبية مع تمسكه بنفس الوقت و خوفه على الوطن، فاضحا المتاجرين فيه، و المتشدقين باسمه، و ها هو عرض (الثرثرة الأخيرة للماغوط )من تأليف الكاتبة (غلاديس مطر) و إخراج (فائق عرقسوسي )وبطولة (سهيل حداد).‏

استند العرض على عالم الماغوط المتمرد والمشاكس دوما لصالح الوطن ،و قد شغل العرض النقاد و الإعلام على مساحة الوطن، لما استطاعه من تصوير ه للازمة و للكثير من تفاصيلها مخاطبا الوجدان و المشاعر الوطنية ، فاستطاع أن يصنع حضورا في ضمائر الناس بحكم المقاربة، التي قدمها حول الأزمة السورية ،و التحذير من آفاقها طارحا الأسئلة العديدة ،التي توجه الأفكار و المشاعر نحو الانتماء و الارتباط بالوطن ، و التجاوز لكل ما من شأنه أن يترك بتبعاته على كرامته وعزته في أي اتجاه كان ،و قد أكد ذلك الفنان (فائق عرقسوسي ) مخرج العمل فتحدث حول العرض و رؤيته وهدفه وأسلوبه قائلا:العرض يدور حول رؤية، تنبثق و تتسلل من خلال روح الماغوط لما يحدث في سوريةوالوطن العربي،فحضرت رؤيته وبما ملكته من خصوصية واضحة تجاه كل شيء، معنونة بالسخرية و الجرأة و السوداوية ،ثم الانتماء إلى حضن الوطن الدافئ فهو تصورات و حوارات ،كما لو أنها محاكمة افتراضية للماغوط لو بعث حيا، فماذا يقول حيال كل ما يجري..؟ و قد بدأ العرض بالتركيز على الأزمة، من خلال محاكمة بدأت منذ الاستقلال ،فنرى قضايا و مشاكل و شخصيات و أناس و عوالم كثيرة، ترجمت كل ما مر في حياة سورية و الوطن العربي بطريقة تهجو و تتهكم و تندب ،و أحيانا تبكي ليقدم العرض قراءة واسعة و شاملة لظروف و بيئة ،كانت أرضية خصبة تؤهب للكثير من الأزمات ،و قد قدم قراءته بأسلوب لاذع معريا لمسؤوليات كثيرة لتتضح بعدها من خلال رؤيته ،ومن خلال تنبؤات كثيرة قد طرحها سابقا ،لماذا وصلنا إلى هنا ..؟و الجميل في هذه التجربة إنها لاقت إقبالا منقطع النظير، لاسيما من قبل الشباب، الذي أتى ليتابع و يسال ويفكر، و قد اعتمد العرض على عمل طرح التساؤلات الكثيرة، كما قدم بعض الإجابات ،لكن كل ما تم تقديمه ،كان تحت عنوان عريض هو يبقى الوطن القبلة الأولى و الأخيرة ،وهو الناظم الأول و لا شيء سواه بالنسبة لمواقفنا و آرائنا و حياتنا.‏

أما أسلوب العرض اعتمد على المونودراما كأسلوب فني، يعتمد على شخصية درامية رئيسية ،تتحدث من خلال روح الماغوط وطريقته الخاصة، فالأسلوب بحد ذاته يتيح بطابعه الخاص، للتجول في عالم واسع من الخيارات الفنية والدرامية ، التي تتناسب و طبيعة العرض ،فكانت المونودراما آلية مناسبة،وكانت الشخصية مناسبة من خلال شروطها وذاتها و انفعالاتها و شعورها، قادرة على التصوير أكثر من الحضور لجدليات غير واضحة المعالم ،و حتى لا يحضر أي تطرف في آرائها، ليكون البوح هو سيد الموقف ،لما تلاقيه هذه الشخصية من أحداث وأفعال وصدمات ،خصوصا أن الشخصية شخصية الماغوط لها وقعها الخاص ،للوصول بشكل أعمق باستخدام الذكريات و الأفكار و الأحلام و الشخصيات العديدة ،ليمكن للعرض أن يصور الأحوال الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية، ثم المرور على شروخ و فجوات، يحاول العرض التحذير منها عبر مجرياته ،‏

فالعرض بحد ذاته يركز أكثر ما يركز على مسالة الربيع العربي ،وما ألم بسورية الوطن الغالي ، مثلما أكدت الكاتبة في احد حواراتها فقالت: إنه من أجل الوطن ، والعرض حول الوطن و قيامته و التصوير لأنقاض الجنون الفالت من عقاله إنه الانبعاث مرة أخرى من جديد ،من دون أيدلوجية الاقتتال و الطائفية ،انه واقع افتراضي يتحدث الماغوط ،و يتساءل عبر محاكمة عقلانية بلسان لاذع عما يحدث على الأرض .‏

يبقى المبدع السوري مأخوذا بهموم وطنه مندفعا بكل مسؤولية ،ليقدم كلمته التي تقدس سورية وتدعو للحفاظ عليها ،والعمل على صونها في كل المجالات ،داعيا عبر أعماله وموجها لكل ذلك ،مثلما أكد بطل العمل ،الذي قام بالشخصية الرئيسية الفنان سهيل حداد ،فقال :العمل من الوطن والى الوطن ،وهو همسة حب له ودعوة لعشقه بشكل حقيقي .‏