2013/05/29
ماهر منصور – السفير
تشهد أروقة التلفزيون السوري حراكاً يثير العجب. لا شيء يوحي بوقف بثّ القناة الأولى، بل أنّ تلفزيوناً جديداً في طور الولادة. تلفزيون يبحث لنفسه عن مكان في الفضاء العربي، ولكن بإرث عمره نصف قرن، كوّنه منذ انطلاقته في 23 تموز العام 1960 في ظل الوحدة السورية المصرية، تحت اسم تلفزيون «الإقليم الشمالي»، بإدارة صباح قباني.
ضربت وزارة الإعلام السوريّة بذلك التاريخ عرض الحائط. وفي سبيل التجديد الذي تسعى إليه، قرّرت أن تشطب عن سجلاتها، القناتين التلفزيونيتين الأقدم في تاريخ البث السوري، أي «القناة الأولى» (مطلع الستينيات)، و«القناة الثانية» (مطلع الثمانينينات). وستحل مكانهما، قناتان جديدتان، تبحثان عن هوية خاصة، هما «العروبة» و«التلاقي». وتشي الأسماء المختارة لهما، والمعلن من برامجهما، بأنّهما تأتيان كردّ فعل على الحدث السوري، والموقف العربي منه.. وليس ضمن استراتيجية إعلاميّة تنشد التطوير والتجديد.
وقالت مصادر مطّلعة لـ«السفير» إنّ قناة «العروبة» ستحلّ محلّ «الأولى»، وسيديرها مدير التلفزيون السوري معن الصالح. وتقدّم قناة «العروبة» نفسها، كقناة «اجتماعية ثقافية تربوية، موجهة للأسرة، ذات توجه عربي بعيد عن السياسة»، على حدّ تعبير منظريها. ولم تستبعد المصادر أن يتم بث مسلسل درامي أو اثنين في اليوم، من باب التنويع. وتستعدّ القناة لبثّها التجريبي، بعدما حجزت لنفسها تردداتٍ على القمر الصناعي الفضائي.. لكنّ انطلاقة ذلك البث لن ترى النور في المدى المنظور على الأقلّ.
أما قناة «التلاقي» فسيديرها ماهر خولي، مدير القناة الأولى المتوقفة. وسبق لخولي أن أنجز، بالشراكة مع خالد مجر ــ الاسم الثاني المتداول في القناة حالياً ــ برامج ناجحة كثيرة لمصلحة التلفزيون السوري. وسيكون مضمون القناة في الغالب، على شكل شعارها «نلتقي لنرتقي». وهذا ما أكده رئيس مجلس الوزراء السوري وائل الحلقي عند الإعلان الرسمي عن افتتاح القناة مطلع الشهر الماضي، قائلاً: «ستخاطب القناة مختلف شرائح المجتمع السوري العمرية والاجتماعية والفكرية والثقافية والسياسية، بغرض تحقيق طموحاته في ترسيخ مفهوم ثقافة الإعلام الوطني المتكامل والحرّ بكل مكوناته وأبعاده».
وتؤكد المصادر أن قناة «التلاقي» ستقدم نفسها بكادر من المذيعين الشباب، وتُجري حالياً اختبارات لانتقائهم وتدريبهم استعداداً لانطلاقتها المرتقبة في 12/12/2012. وكانت «التلاقي» قد بدأت بثها التجريبي منذ نحو شهرين، لتبثّ على مدار الساعة أغاني على خلفية صور لمناظر طبيعية، إضافة إلى بث عدد من الأفلام الوثائقية عن تاريخ سوريا. وعن مصير الكادر العامل في القناة الأولى، فسيتمّ توزيعه بحسب المصادر على القنوات التلفزيونية الأخرى، من دون أن يعني ذلك أنّ كلّ العاملين في «الأرضيّة»، سيكون لهم نصيب من العمل في القنوات الوليدة.
ومن دون الغوص في أحكام مسبقة على أداء القناتين الوليدتين ــ خصوصاً أن من سيتلون إدارتهما يتمتعون بخبرة واسعة في العمل التلفزيوني ــ تجدر الإشارة إلى أنّ بناء إعلام جديّ وعصري، لا يبرر إقامته على أنقاض التلفزيون السوري وتاريخه العريق. كثيرون شجّعوا تحديث التلفزيون السوري لسنوات، وإنشاء قناة شابّة، تتفادى حالة الترهل في الأداء والتضخم في أعداد الموظفين.. لكن الأشدّ تشاؤماً بينهم، لم يكن ليتوقّع أن يتمّ تنفيذ ذلك على حساب الإطاحة بالقناة الأولى، ووأد تاريخ تلفزيوني ضخم ارتبط بذاكرة المشاهدين.
ربما وصل القيّمون على التلفزيون السوري اليوم إلى قناعة مفادها أنّ إصلاح الإعلام، يقتضي البناء من الصفر. لكنّ ذلك لا يبرر اغتيال إحدى أقدم التلفزيونات العربيّة إلى جانب التلفزيون المصري. معظم حكومات العالم، تسخّر طاقتها للحفاظ على إرثها الإعلامي، أما في سوريا، فنغتاله بحجة إصلاحه.