2012/07/04
سامر محمد إسماعيل - تشرين
يشكل النص بنية جوهرية للعمل الفني سواء على شاشة التلفزيون أو السينما؛ حيث تنبع أهمية المقترح النصي من جدته وحداثة طرحه وصياغته للصراع زمنياً ومكانياً؛ ولهذا تبزغ اليوم تجارب رائدة لمجموعة من الشباب السوريين من أجل تطوير محترفات تختص بكتابة السيناريو السينمائي والتلفزيوني؛ هذه المحترفات أخذت على عاتقها الخروج من نمطية النصوص القديمة نحو إشراقات إبداعية تحقق للجيل الجديد وجوداً حقيقياً على مساحة الفن والثقافة السوريين؛ فورش السيناريو تعمل على تنمية مواهب عدة لإنتاج مقولات أكثر راهنية تشتبك مع الواقع من زوايا ووجهات نظر تكون فيها الكتابة ذات مدلولات اجتماعية مبنية على ديمقراطية المشاركة والاقتراح.
الفرصة الغاية
وهي فرصة للتعبير عن الذات كما تقول الممثلة الشابة سوزان سلمان: «ورشات السيناريو هي فسحة كي يقول الشباب ما يخصهم وما يقلقهم اتجاه أحلامهم الكبيرة وطموحاتهم المستقبلية؛ وذلك من خلال طرح هواجس تتعلق بقضايا الشباب ورغبتهم في المشاركة الجدية بكل ما يتعلق بنواحي الحياة السورية المعاصرة، فمن خلال مشاركتي في ورشة «مداد» التي يشرف عليها المخرج زهير قنوع تمكنت أنا ومجموعة من رفاق دفعتي الدراسية في معهد الفنون المسرحية من طرح أفكار استطعنا عبرها الإحاطة ولو قليلاً بعالم الكتابة.. تضيف الممثلة الشابة: «مشاركتي في ورش كتابة السيناريو وفرت لي فرصة كي أقف أمام الكاميرا لأداء شخصيات شاركت في كتابتها؛ ما ساعدني كخريجة جديدة للفنون المسرحية من انتزاع فرصة للعمل في قطاع الدراما التلفزيونية بشكل لائق؛ وإلى جانب نجوم أثبتوا وجودهم على ساحة العمل الفني، وذلك في غياب دور حقيقي لمؤسسات الإنتاج لتقديم مثل هذه الفرص لوجوه جديدة ربما لا يغامر معظم المخرجين بتقديمهم في أعمالهم حتى في أدوار الصف الثاني».
الفرصة إذاً هي الغاية من مشاركة العديد من الشباب والشابات في هذا النوع من الورش الجماعية؛ ولهذا يرى المخرج زهير قنوع أن «ورش السيناريو اليوم تحقق نوعاً من تخاطب حر بين عقول مبدعة وشابة قادرة على إعطاء أدوار لخريجين جدد يمثلون ما يشاركون في تأليفه؛ فهم على هذا المستوى محترفون وخريجون أكاديميون يسهمون في صناعة فرصهم وحظوظهم للظهور ولصناعة فرص بأيديهم بعيداً عن أمزجة شركات الإنتاج في التسويق والتوزيع ويتساءل صاحب «وشاء الهوى»: «ما المانع اليوم من صناعة نصوص جيدة نابعة من مختلف أطياف ومشارب النسيج السوري؟ إن مثل هذا النشاط يحرّض على إبداع نص شبابي عالي المستوى في طاقته وجدة طرحه لمشكلات مجتمعه؛ ما فعلته أنني استطعت أن أقيم ورش لكتابة سيناريوهات تحت عنوان «مداد» أسهم فيها أشخاص درسوا التمثيل والنقد المسرحيين، ويشتغلون وفق مقاييس فنية أكاديمية بحتة لا تسعى إلى التجريب بقدر ما تسعى إلى إطلاق مواهب جديدة في عالم الكتابة والتمثيل؛ ولذلك وصلنا إلى نتائج مرضية تجلت في إنجاز أربعة أعمال هي مسلسل (ثلاثيات العشق الدمشقي) الذي أخذنا وعداً مبدئياً من مؤسسة الإنتاج التلفزيوني بتحقيقه ومسلسل (سيت كاز) التي ستقوم شركة سورية الدولية بإنتاجه إضافةً لمسلسلي (كيميا) و(أوراق) اللذين مازالا قيد الإنجاز».
العصف الذهني
الورشة تقوم على تمارين خاصة تشكل حالة من التفاعل الجماعي تبدأ من حوار يولّد كمّاً من الأفكار عبر جلسات تعرف باسم «جلسات العصف الذهني» وتالياً يحقق الفريق شرطين أساسيين يحتاجهما العمل الدرامي هما أفكار كثيرة وسرعة في الإنجاز إلا أن العمل يبدو ضمن الفريق مرهوناً بوعي الجماعة؛ وإخلاصها للعمل وحده؛ وابتعادهم عن الأنانية والذاتية؛ فالإنجاز ضمن شرطه الإبداعي التشاركي يحتاج إلى ذوبان كامل في أنا جماعية مبدعة، فأي ورشة تريد الاستمرار يجب انصهار جميعُ أعضائِها تحت اسم الورشة وحتى صاحبها.
هناك اليوم أكثر من ورشة قامت في الفترة الأخيرة لكتابة السيناريو بعضها منهجي كورشة «النافذة» التي وصل أفرادها من كتّاب شباب وأكاديميين وهواة إلى ابتكار أفكارٍ أنتجت نصوصاً عديدة ولوحاتٍ تلفزيونية، إضافةً إلى مجموعة أفلام ٍ أخذ بعضها طريقه للإنتاج؛ وبعضها ينتظر نصيبه في سوق الإنتاج الشرسة التي في بعض الأحيان تهضم حقوق كتابها المادي منه أو المعنوي؛ إذ يتم شطب أسماء شاركت في الكتابة قبل توقيع العقود أو يتم إسقاط أسماء من لائحة المشاركين لمصلحة آخرين.
البعض من الشباب الموهوبين يعمل على تصحيح نصوص لكتاب مجهولين متخمة بالأخطاء سواء على صعيد قواعد كتابة السيناريو؛ أو حتى على صعيد اللهجة المكتوبة فيها؛ إذ يصار إلى تعديلها وتجهيزها للتحقيق سينمائياً أو تلفزيونياً؛ لخوض عملية الإخراج؛ ففي عالم الإنتاج هناك من يبيع الأفكار وربما يكون هذا حق لأصحابها كونهم لا يملكون الوقت لإنجازها؛ وهناك من يقوم بعرض فكرة مشروع لنص معين أو عدة حلقات على جهة إنتاجية تقوم بتبنِّيه والموافقة عليه؛ ومن أجل إنجازه بسرعة يقوم كاتبه الأصلي بالاستعانة ببعض الهواة أو الطلاب أو ربما ابن جيرانه لإنجازها له.
بيع الأفكار
من المؤسف أنَّ أكثرَ الأعمال يتم كتابتها بهذه الطريقة يجعلها تخرج هزيلة وفارغة من المضمون بعيدة عمَّا يحتاجه جمهورها فيما يكون الأجر في تلك الأعمال لا يتجاوز ثمن إنتاجه لمحطات النفط العربي؛ فشيوع تجربة الورش الجماعية لكتابة السيناريو لا يلغي وجود جهات إنتاجية كبيرة تستغل الطاقات الشابة لسرقة الأفكار واستنزاف قدرة الفنانين الجدد مقابل فتات؛ حيث يضطر الكثيرون للعمل لدى شركات تصدر رغبتها بكتابة جماعية هي ليست أكثر من مشاريع مبهمة هدفها الربح ولا تحترم حق الكاتب؛ فيما تظن أنها قادرة على تسخير الناس في الكتابة عندها تحت تسمية «ورشة» الورشة كانت مختبراً وجزءاً من مشروع أدبي وثقافي أكبر؛ فنشاط الورشة لا يقتصر على كتابة السيناريو فقط؛ بل العمل على بلورة مواهب الشباب في أكثر من مجال؛ والعمل الجماعي يحتاج من الفرد أنْ يوقظَ ويستفز في داخله كل الأشياء التي يطالبه المجتمع بطمسها ونبذها؛ تلك التي تخص الجانب الروحي والإنساني وقدرته وحقه في الحلم.
إذاً الآخر هو شريك له نصف ثمن العمل في حال تم بيعه وسيبقى حقه محفوظاً له ضمن هذه النسبة حتى لو ترك الورشة وتمّ بيع العمل فيما بعد فالورشة؛ كونها مشروعاً لا بد أنْ تمرَ ببعض المحبطات وجذر الأزمة يكمن في عدم وجود ثقافة العمل فكثيراً ما يتم العمل لسنوات من أجل تشكيل هذه الثقافة قبل إنتاج أي شيء عند العاملين في ورش السيناريو؛ فالمشكلة الأساسية هي في دخول بعض الطلاب وفي رأس أحدهم تصوّر أن بإمكانه بعد مرحلة قصيرة كتابة سيناريو سيبيعه بمليون ليرة؛ هذا التصور جعل البعض يتخيل نفسه أنَّه ذلك الساحر الذي سيُغيِّر وجه الدراما.
غنى التعدد
من المعروف أن تجربة الكتابة الجماعية بدأت لدى الغرب في السنوات الأخيرة؛ حيث كان المقصود منها إثراء العمل الفني بوجهات نظر متعددة تنتمي بدورها لأمزجة العديد من الكتاب الذين يشتغلون فيها. الدكتورة نهلة عيسى الباحثة في سيكولوجية الصورة تقول: “إن التجربة الجماعية لورش السيناريو انتقلت من الإطار الوطني إلى إطار حوار حضارات، أنتجت ورشاً لكتاب من الشرق والغرب يجتمعون بقصد العمل على فكرة دمج عدة رؤى لثقافات متعددة»، وتعتقد «عيسى» أن هذا النوع من الكتابة غالباً يكون في إطار التدريب والتجريب لكنه سرعان ما يسود منطق الكتابة رؤية شخص معين على سائر عناصر النص، إلا أن طبيعة الإبداع ليست جماعية، فالكتابة كفعل ثقافي ليست علماً تطبيقياً، فلا يمكن القول عن الفن والتأليف الدرامي اللذين هما في الأصل عمل فردي محض أنهما تشاركيان، فالتشاركية في الكتابة الجماعية تنحو منحى التكتيك، ولذلك حسب «عيسى» يبقى الغرض من هذه الورش تفكيك الثقافات ودمجها ببعضها ضمن إطار عولمي، بغية إيجاد ثقافة ذات طابع عالمي، وهذا غير ممكن ضمن هذا الإطار، لأن هذا البشر سيبقى للأبد أسيراً لما تربى عليه، فالجغرافيا حاكمة، وهي ليست مجرد مكان وحسب، بل عادات وتقاليد وطقوس وأعراف، وفي النهاية كل ذلك يؤثر على المنتج النهائي لما نريد قوله في الثقافة والفن عموماً.
تضيف «عيسى» المحاضرة في كلية الإعلام بدمشق: «ورش السيناريو لا تقدم إلا ما يسمى سمك، لبن، تمر هندي، إلا أن العولمة حتى في الثقافة أثبتت فشلها، فنحن كبشر مختلفين ولا يمكن الخضوع لثقافة المركز الذي غالباً ما تسود فيه ثقافة الغرب المهيمن، وهذا يجعلني أؤمن أكثر فأكثر أن العمل الفني هو دائماً وأبداً عمل فردي بطبيعته».
فردي بطبيعته
الورشة مشروع مستمر ومتجدد يستمد ديمومته من تصور ما سيكون عليه في المستقبل؛ فمن خلال إيقاظ ثقافة العمل نجعل الفن أداة تتصدى لآلة الدمار والجنون السافر الذي أنتجه العقل البشري فنحن في منطقتنا بأمسّ الحاجة لمثل مشاريع كهذه. حالة الانتماء للورشة ممتعة لأن المشاركين يدركون أن أي اكتشافٍ يولّده السؤال والحوار مع الجماعة؛ ومع هذا العمل في الورشة هل يقف عثرة أمام المشروع الفردي؟
لكن هل تستطيع ورش السيناريو أن تحقق كسر احتكار النجوم وأولادهم في أداء أدوار الصف الأول؟، وهل توفر مثل هذه التجارب مساحة لكتابة جديدة قادرة على مواجهة متطلبات السوق البصرية المتزايدة.. يقول المستشار الدرامي زيد الظريف..«نحن نطرح هذه التجارب لكتابة مشتركة وسط سوق فني مليء بالمفاجآت غالباً ما تكون الرهانات فيه خاسرة ومعقدة؛ لكننا نحتاج على ما يبدو لفرصة كي نختبر هذه التجارب وعلى رأسها ورشة «مداد» التي فتحت أبوابها لخريجي معهد دمشق للفنون المسرحية بغية تحقيق فرص لهم بالوجود ولتقديم موضوعات تاريخية وبيئية واجتماعية معاصرة لها طابع شبابي يميزها؛ ويدفعها قدماً لنيل استحقاق وجودها على الخارطة الإبداعية السورية». يعتبر الظريف أن أهم التجارب التي قاموا بها حتى الآن كانت في ورشة «مداد» هي «ثلاثيات العشق الدمشقي» التي تناولت مدينة دمشق عبر وجهات نظر مغايرة؛ ومن موقع جيل ينظر لأهمية وقيمة عاصمة بلاده في صنع طموحاته أو عرقلتها؛ إنها وجهات نظر مجموعة من الشباب المثقف والواعي والحريص على أمكنته الوطنية وعلى فاعليتها الثقافية والاجتماعية بعيداً عن التشاؤم واللامبالاة ومشاعر اللاجدوى التي تحاول الميديا العربية والغربية بثها في روح الأجيال الصاعدة ولذلك «عقدنا العزم على أن نراهن على حداثة الموضوعات المكتوبة ومدى التصاقها بالمجتمع وطزاجتها وغناها درامياً».
يساهم الظريف اليوم في كتابة مسلسل “كيميا” بالتعاون مع الممثلة الشابة نور أحمد إذ يتم التركيز في هذا العمل على مفهوم المؤسسة الزوجية ومدى قدرة هذه المؤسسة على مواجهة العالم إضافةً لجرأة طرح تتعدى تقليدية العلاقة بين الأزواج نحو الدخول عميقاً إلى هواجس نفسية وأسئلة وجودية تتساءل عن قوة الرباط المقدس في مجابهة صعوبات اقتصادية واجتماعية تواجه الزوجين وتضعهما في كل مرة على نحو أقرب إلى الجنون منه إلى التوازن العاطفي والإنساني لاسيما داخل المجتمعات العربية المعاصرة.
سيناريو كيميا
الممثلة الشابة نور أحمد تعمل جنباً إلى جنب مع زميلها «الظريف» في توضيب عمارة أحداث سيناريو «كيميا» وشخصياته فتقول..«أنا دخلت هذه الورشة لأتعلم الكتابة؛ لأطلع على معمل صناعة الشخصية وطرق بناءها ومعالجتها؛ محاولةً معايشة التفاصيل كلها؛ للوصول إلى سيناريو متين ومتشابك وغني من حيث تناوله لحميمية العلاقات الزوجية وخصوصيتها في مجتمعنا؛ ولهذا أعمل ليلاً ونهاراً على متابعة عملي المشترك لثنائيات عدة أزاوج عبرها بين تصور الممثلة وتصور الكاتبة؛ مقتربةً أكثر فأكثر من هواجس الشخصية ولواعجها الداخلية، وسلوكها اليومي في نهاراتها ولياليها، في طموحاتها وانكساراتها». أسئلة كثيرة تطرحها فكرة الكتابة الجماعية للسيناريو، لكنها تأخذ أبعاداً مختلفة لدى البعض الآخر من الشباب؛ الكاتب قيس مصطفى لديه تصورات أخرى يقول: «في الحقيقة لا أجد فعل الكتابة سوى فعلاً ذاتياً وشخصياً محضاً؛ فمن خلال مشاركتي في ورشة كتابة جماعية اكتشفت أن هذا النوع من الكتابة لا يوفر حيزاً كافياً من التشاركية؛ بل على العكس إنه يعزز التسلطية من قبل الكاتب المحترف الذي غالباً ما ينحّي بعض المقترحات لمصلحة مقترحه الشخصي؛ موزعاً أفكاره على المجموعة من أجل التنفيذ؛ ولهذا انسحبت من ورشة كتابة سيناريو مسلسل «طريق النحل» حيث اعتبرت أنني غير قادر على الكتابة ضمن هذا المقترح، وهذا راجع لقناعات شخصية لدي تولدت من هذه التجربة».
ويضيف رئيس القسم الثقافي في جريدة بلدنا..«الكتابة في الورشة تأخذ طابعاً ميكانيكياً في أغلب الأحيان لها علاقة بالاحتراف لصياغة وتقطيع مشاهد؛ لا العمل على صياغة شخصيات قوية ومتماسكة؛ فكتابة الشخصية داخل الورشة تتم من قبل مجموعة كتّاب؛ ما يجعل شخصيات العمل الدرامي متنافرة ومفككة على خلاف الحال فيما لو تمت كتابتها من قبل شخص واحد يعمل حتى النهاية على تطويرها وجعلها من لحم ودم، حقيقية وملتصقة بواقعها لا كرتونية ومفبركة ووظائفية». التواطؤ مع مقترحات الورشة لا يتيح بناء سليماً للشخصيات بل يخضع ذلك لمزاج السوق والوقت المتاح لإنجاز السيناريو، وعلاقة الكاتب المشرف بشركات الإنتاج التي تفضل السرعة في العمل على حساب الجودة يترك آثاراً سلبية على صياغة الأحداث والشخصيات؛ ويجعلها أقل جاذبية للمشاهد والمخرج والممثلين على حدٍ سواء. السيناريست عبد المجيد حيدر يرى أن هذا النوع من الكتابة لم ينجح إلا في تجارب قليلة؛ كان أهمها الورشة التي اشتغل عليها كل من الكاتبين نجيب نصير وحسن سامي اليوسف في عدة أعمال كان منها مسلسل «الانتظار» ومسلسل «زمن العار» اللذين حققا شعبية كبيرة عند جمهور المشاهدين؛ ونالا العديد من الجوائز المحلية والعربية؛ أما معظم التجارب الأخرى فقد كانت عبارة عن ورش يديرها كاتب محترف كمشرف على مجموعة من كتّاب جدد؛ ولهذا غاب التفاعل المطلوب بسبب فروقات معرفية وثقافية لا تسمح بتعاون حقيقي؛ بل ترجح فيها الكفة دائماً لمصلحة مقترحات الكاتب المشرف الذي غالباً ما يشعر أنه يكتب وحده لا مع مجموعة».
بين الدورة والورشة
مفهوم الورشة يخضع لشروط عدة أولها أنها يجب أن تكون بين عدد من الكتاب المحترفين –حسب السيناريست حيدر- وإلا تحولت ورشة كتابة السيناريو إلى دورة لتعليم فن السيناريو تنتج عملاً للتنفيذ بعد جهد جهيد ومعاناة لوجود خلل في آلية عمل هذه الورش تتمثل في طغيان الكاتب المحترف على أقرانه من الكتّاب الجدد؛ إلا أنه من الأهمية بمكان أن يتم إقامة وتفعيل ورش كتابة السيناريو فمن غير المعقول أن يكتب السيناريست 1200 صفحة لمسلسل تلفزيوني؛ فهذه بمنزلة عقوبة في حين يمكننا أن نصل إلى رواية تلفزيونية جيدة في تضافر جهد عدة كتاب محترفين بعيداً عن نصوص مكتوبة بغير شروطها الفنية الاحترافية؛ تعزز الصمت ومفرغة من حيويتها الدرامية وفي زمن مجدٍ اقتصادياً وإنتاجياً وكلام يعلق عليه الناقد موسى أسود: «إن ورش كتابة السيناريو يمكن لها أن تنتج نصاً جيداً بالمصادفة؛ لكن هذا لا يمكن تعميمه ولا اتخاذه كقانون؛ ففي أغلب الأحيان يتحول السيناريو إلى نوع من كتابة الاستسهال الأدبي لا يصل إلى الإبداعية؛ بل يكرس أشكالاً نمطية من التناول الفني؛ فالنص هو من أهم مكونات العمل الدرامي مهما طغت الصورة أو الصيغة البصرية على العمل السينمائي أو التلفزيوني في وقتنا الحاضر، فمهما استعرض المخرج لن يفيده ذلك بشيء في وجود نص أو سيناريو رديء؛ وحتى ولو حصلت بعض النجاحات هنا أو هناك لتجارب جماعية؛ إلا أن أسباب هذا النجاح غالباً ما يأتي من جدة الموضوعات وتكرار الثيمة وفق تغليب عناصر الدهشة وسيطرة الصورة». رغم المشكلات التي تعاني منها هذه الورش إلا أن الحديث يكثر عن انتشارها السريع؛ واندثار بعضها بين ليلة وضحاها؛ إلا أنه يجب التفريق بين مفهوم الورشة ومفاهيم تقنية أخرى فلقد كان للكاتب الكولومبي جابرييل غارسيا ماركيز؛ تجربة الورشة في السينما أنتجت كتباً تعدّ الآن مناهج معتمدة في كتابه الدراما، فورشة السيناريو منتشرة في أوروبا وهوليوود وحتى في عالمنا العربي.
ملامح جديدة
رغم بعض السلبيات في عمل الورش الجماعية الشبابية؛ إلا أنها تعمل اليوم على إضفاء ملامح جديدة من الحياة السورية بعيداً عن الفهم السياحي؛ مقتفيةً لقضايا راهنة وملحة ساهمت الدراما السورية في تفعيل جهود جماعية صاعدة لكتابة تحاول المماحكة والنبش في المسكوت عنه وتصعيد جدل الدراما داخل السيناريو المكتوب من وجهات نظر متعددة؛ اعتمدت جلسات أقرب إلى جلسات العصف الذهني؛ وإنتاج الأفكار التي يصار فيما بعد إلى صياغتها وتشبيكها في صلب أحداث النص الأساسية؛ وإغناءها بتفاصيل حياتية تبتعد عن كليشيهات جاهزة؛ وتوفر تسوية معقولة بين ذهنية الرقيب ورغبات شركات الإنتاج من جهة؛ وبين حاجة السوق العربية وحساسياتها القديمة منها والجديدة من جهةٍ أخرى.