2012/07/04
إبراهيم توتونجي - البيان
لم أشاهد فيلم عادل إمام «زهايمر» حين عرض قبل أسابيع في الصالات التجارية. كتبت سابقا أنني أحترم هذا النجم، وأقدر بقاءه على الساحة طوال خمسة عقود وأكثر، كذلك الكثير من الأدوار التي أداها. لكنني لا أعتقد أن مرحلته العمرية الحالية تتلاءم مع عدد من الأدوار التي أداها خلال العقد المنصرم. ربما يكون في «زهايمر» ردا على هذا التوجس، وعليّ أن أنتظر رؤيته على الشاشة أو عبر «دي في دي» لكي يكون الحكم صائبا. لكنني، وبغض النظر عن تفاصيل الدور، ما أزال أثمّن كل تجربة سينمائية عربية تهتم بأن يكون بطلها أو بطلتها من كبار السن، لنقل ممن تجاوز الستين من عمره. كل تجربة لا يتحول فيها الممثل المسن الى مجرد «سنّيد» أو «ديكور» للبطل الشاب الفتي. ولطالما شغلني سؤال ما فتئت أردده: هل هناك سينما شابة وأخرى عجوز؟ بمعنى، هل هناك سينما تكترث لصناعة الحكايات عن حياة المسنين، وأخرى تركز على البشرات الزاهية لجيل الشباب؟ وفي عبارة أخرى: هل هناك سينما «عنصرية» تتجاهل انشغالات المسنين، وتظهرهم في أدوار ثانوية، يدعمون سير الأبطال، الذين هم غالبا يراوحون عند مقتبل الثلاثينات من العمر.. في مقابل سينما تحتفي بقصص كبار السن، وتغوص في عوالمهم الداخلية، لتطلع بابتكارات سينمائية درامية او كوميدية، ليست اقل نجاحا، عما يسميه البعض بسينما «الشباب»..
مشاهدة الأفلام الأوروبية، ما تنتجها سينما ألمانيا وايطاليا واسبانيا وفرنسا وغيرها.. في مهرجانات سينما أوروبا، تجعلك تفكر بتلك الأسئلة، وتراوح المقارنة بين سينما العالم العربي، بخصوص هذا الموضوع، وسينما أوروبا، عندك، على حدود الدهشة والأسى، وأيضا جلد الذات، باعتبار مجريات ثقافتنا، لطالما أعلت من صورة الشاب وأخفت صورة العجوز. نحن، لا نجرؤ على البوح، حين يتعلق الأمر بالآباء أو الأجداد. هم أيضا، أنفسهم، لا يجرأون. في الأربعين من عمرها، تثبت الأم، عندنا، دورها كفادية للأسرة، والمضحية التي تستعد لإلغاء حياتها في سبيل الأبناء. في الخمسين، تبدأ رحلتها كحاضنة، من جديد، لأبناء الأبناء. في الستين، تتحول إلى الجدة، راوية الحكايات المبهجة، ان بقيت في بيت العائلة، وراوية الذكريات الحزينة، في حال تم ترحيلها إلى «مأوى العجزة». انتظار الموت، بعد الاقتناع بـ«تأدية الرسالة» على أكمل وجه، يصبح الغاية والوسيلة. انتظار مبكر جدا. هذا ربما اختزال، لكنه يعبر بدرجة كبيرة عن واقعنا.
وكما في الحياة، كذلك في السينما، تكبر ممثلاتنا، فيتجهن إلى رواية الحكايات في الدراما، أو يحتجبن في البيوت، أو يقررن التمرد على هذا «الحجر»، فيظهرن في السينما، في أفلام تتحدث عن قضايا المسن، بجرأة، فإذا بهن يتلقين سهام النقد والتجريح من كل مكان. يطالب المجتمع بإقصاء صورة المسن عن السينما.
ولطالما قدمت أوروبا مثالا مغايرا. وبحكم التركيبة السكانية، في قارة 18% من سكانها يزيد عمره على الـ65 سنة، فإن أدوار البطولة، في حكايات الأفلام، لا تزال تعطى لكبار السن. يريد جمهور متقدم بالعمر (بوسعك ان تلاحظ في برلين على سبيل المثال جمهورا عريضا في صالات السينما من هذه الفئة العمرية) أن يشاهد حياته على الشاشة أيضا، وليس فقط حياة الابناء.