2013/05/29
سامر محمد إسماعيل – تشرين
البرامج الصحية على الفضائية السورية تتضمن وكالعادة لقاء مع طبيب اختصاصي، أو طبيبة اختصاصية تغذية، إضافةً لمشاهد ولقطات تتم منتجتها مع حديث هذين الطبيبين، من دون ظهور مقدم أو مذيع للبرنامج الطبي،
حيث يشاع أن قرار تحديد وزن المذيعة في التلفزيون العربي السوري الذي أصدره الدكتور فايز الصايغ المدير العام السابق للهيئة أصبح ساري المفعول أخيراً في أروقة الهيئة العامة للتلفزيون- «القرار في تاريخ 1 نيسان-2004 حدد وزن المذيعة بـ60 كيلو غراماً وطولها 160 سم»- وذلك حرصاً على حسن الظهور أمام المشاهد العربي والمحلي، لكن المشكلة ليست في الوزن، بل في طبيعة البرامج الصحية على الشاشة الوطنية، هذه البرامج التي بدأت مع الأستاذ إلياس حبيب ببرنامجه الشهير «الصحة والحياة» تضاءلت كثيراً، لتصبح مجرد زاوية صحية في برامج الصباح والمساء، أو عبر لقاءات مطوّلة مع طبيب أو طبيبة، يسردون فيها سيرة الأمراض وتفاقمها، أعراضها، وطريقة الوقاية منها، وسبل العلاج والاستشفاء. كل ذلك من دون أن يكون مُعدّ البرنامج أو مقدّمُهُ اختصاصياً في هذه النوعية الخاصة من العروض التلفزيونية، والتي على الأغلب يكون لها جمهورها من المرضى أو«مرضى الوهم» لكنها في النهاية برامج لا بد من جدولتها على قائمة الساعات التلفزيونية التي يترقبها المشاهد، مثلها مثل كل العروض التي تُقدم له على مائدة المشاهدة اليومية، خير من تركه نهباً لبرامج الشعوذة وسحرة طب الأعشاب والكارما ومهرجي المايكروبيوتيك.
من هنا، تراجعت نوعية ومستوى برامج الصحة العامة على «شاشة وطن» لتتحول إلى ما يشبه في جديد الأطباء وتقليعاتهم العلمية؛ إعلانات مبطّنة لأسماء أطباء، مثلما كانت كذلك في برامج سابقة، فسحة إعلانية مبطّنة عن مجمّعات طبية ومشافٍ خاصة، ومؤتمرات طبية لا تغني المريض، ولا تحصن واهماً من وهمه، بل تعمل على تكريس موضة التحاليل الدورية والكشف المبكر عن السرطان، وإشاعة القلق، وتلميع الدكاترة، وخبراء التغذية، ومشعوذي الطاقة وأشباههم من لاعبي الخفة الجدد، بل يمكن القول إن نوعية البرامج الصحية تجاوزت ذلك، ولاسيما في بعض برامج الصحة، والتي تحوّلت إلى ما يشبه دراما تشويقية تستثمر مرض الآخرين وضعفهم الجسماني عبر تصوير عمليات جراحية وعرضها مباشرةً على المشاهد، لنكون أمام قلب مفتوح على مدار ساعة من الزمن، تُعمل فيه المقصات والمشارط الطبية مباضعها من دون رحمة، وبزمن يقارب زمن العملية الجراحية، حيث يشرح الطبيب هذه الصورة الدموية لجمهور المشاهدين، منسجماً أيما انسجام مع شرايين القلب المتقطعة، وأوردته الناتئة من الشاشة، من دون الأخذ في الحسبان تلك القلوب الضعيفة التي من الممكن أن تؤثر فيها هذه البصرية المرعبة، من شق الصدور وتكسير الأقفاص الصدرية وتبديل القلوب، وزرعها أمام الكاميرات، فالمشاهدون هنا جميعهم في غرفة عمليات مفتوحة، إرهاب بصري طبي لا يقيم وزناً لمشاعر هؤلاء، بل يحشدهم جميعاً في غرف العناية المركّزة، فيعيشون ساعات طويلة على نقالات سيارات الإسعاف، وينقعون قلوبهم بالكلورفورم، فيفكرون مباشرةً بضرورة إجراء تحاليل عامة وصور طبقية محورية، ويشعرون بدوخة عارمة، ومزاج متقلب، وربما يموتون قبل أن يصلوا غرفة الإسعاف السريع..!