2012/07/04
بسام سفر - تشرين
يصف العديد من المخرجين العالميين والسوريين الإخراج التلفزيوني الدرامي هو تطويع التقنيات الإخراجية السينمائية المتعارفة، وإكسابها خصوصية مرتبطة بالتقنية التي أفرزت تجارب متعددة حسب مدارس الإخراج التي تتلمذ عليها الجيل الأول من المخرجين التلفزيونيين السوريين منذ الستينيات من القرن الماضي.
ويعد الإخراج التلفزيوني ترويضاً لكفاءة المخرج السينمائية وشخصيته لمصلحة خصوصية العمل التلفزيوني على المستويات كلها، والمخرج التلفزيوني الدرامي هو أهم حلقة في دورة الإنتاج الدرامي، فهو الفنان المتمكن من تقنيات الإخراج الشامل وهو المثقف الكامل بصفة تُمكّنه من إدراك مضامين السيناريو وإعطائها أبعادها وإثرائها من زاده، وهو المتحكم في أدوات عمله التقنية والفنية والمسيطر فنياً على كل كبيرة وصغيرة من خصوصيات العمل الفني والإبداعي الذي ينجزه.
لقد حافظ الإخراج السينمائي على نمطيته وقواعده الثابتة، لكن الإخراج التلفزيوني الدرامي تنوع حسب الأعمال وطبيعتها فمنها ما اعتمد التقنيات السينمائية نفسها عندما يتم التصوير بكاميرا واحدة لاسيما حيث طغى الإحساس بأن العمل أقرب للسينما منه إلى التلفزيون، وحتى عندما اعتمدت كاميرات التصوير الفيديو المتنقلة حتى يستطيع المخرج التحكم بتقنية وتحريك الكاميرات كما يشاء كلما كانت الحاجة لذلك.
وبالتوازي مع هذا الاتجاه في الإخراج والعمل الدرامي طغت طريقة التصوير بعدة كاميرات في الأعمال التلفزيونية في الوقت ذاته، إذ ظهر التصوير داخل الاستديو، وبثلاث كاميرات، وهذا ماوفر زمناً ثميناً وظف لمصلحة الإنتاج الكثير في زمن قصير نسبياً هذا ما جعل المنتجون يستغلون الحالة لإنتاج أكثر عدد من الساعات وبيعها بأسعار زهيدة إلى أن بسط هذا النمط الإنتاجي سيطرته في سوق الأعمال التلفزيونية.
ومن المخرجين الذين عملوا على إبراز اللغة السينمائية في أعماله التلفزيونية المخرج هيثم حقي حيث لم يكن أحداً من العاملين في القطاعين العام والخاص يفكر بإنتاج مسلسل يصور بكاميرا واحدة. أي بطريقة السينما. والمخرج حقي كان قد درس هذه الإمكانية أثناء عمله في دول الخليج العربي، بعدما استخدمها في مسلسل «عز الدين القسام، وحرب السنوات الأربع» وغيرها، وبإمكانات مادية لاتتجاوز الإمكانات المتعارف عليها. وبعد ذلك انتشرت عملية استخدام كاميرا واحدة في الأعمال الدرامية السورية. والتي استخدمت من قبل العديد من المخرجين السوريين والعرب الذين عملوا في سورية منهم المخرج: محمد عزيزية. ونجدة إسماعيل أنزور، وباسل الخطيب، وحاتم علي..
أما الأسلوب القديم الذي أنجزت فيه العديد من الأعمال الدرامية السورية، ومنها أعمال مهمة جداً «حارة القصر، ومذكرات حرامي، وانتقام الزّباء، وجابر وجبير، واسعد الوراق». إذ كان التصوير داخل الاستديو وبثلاث كاميرات، ومن أهم المخرجين السوريين الذين عملوا بهذا الأسلوب غسان جبري، والمرحوم غنام غنام، علاء الدين كوكش، والمخرج الراحل هاني الروماني»
إن عملية التنافس بين الأسلوبين الفنيين في العمل الدرامي السوري فرض واقعاً جدلياً ومعارك فنية، حيث دافع الفنان الراحل هاني الروماني عن أسلوب استخدام الثلاث كاميرات في الاستديو في برنامج «فنان وذكريات» الذي بث يوم الأحد بتاريخ في 23 حزيران من العام 1991، ورد المخرج هيثم حقي على الراحل هاني الروماني في مقال نشره في جريدة تشرين بتاريخ 1-7-1991(2). وبعد سنوات طويلة من هذا الصراع والنقاش الفني يعود بعض المخرجين من أجيال أخرى لاستخدام كاميرتين أو ثلاثة كما فعل المخرج شوقي الماجري في أكثر من عمل منها «الاجتياح»، وكذلك يدعو المخرج المثنى صبح إلى العودة لاستخدام أكثر من كاميرا إذ يعتبرها تفتح إمكانات فنية عالية في التصوير ما يؤهل العملية مونتاج أفضل ضمن خيارات أوسع. لكن ذلك يحتاج إلى تكلفة إنتاجية أعلى. إن عملية القراءة الدرامية الإخراجية في توضيح كلا الأسلوبين في موسم درامي جديد. فالقراءة الموضوعية تقول: إن كلا الأسلوبين يقدم دراما جيدة
(1) عماد ومحمد نداف، الدراما التلفزيوينة، دار الطليعة الجديدة، الطبعة الأولى 1994، (ص85).
(2) هيثم حقي، بين السينما والتلفزيون، دار الجندي، الطبعة الأولى 1998، (ص35).
لكن ذلك يعتمد أساساً على نص درامي جيد، فالراحل هاني الروماني قدم في عمله «حمام القيشاني» رؤية بصرية لاسيما لقراءة تاريخ سورية السياسي الحديث كما فعل المخرج هيثم حقي في عمله «خان الحرير» الذي قرأ جزءاً من تاريخ سورية أثناء الوحدة السورية المصرية، وكذلك في عمله «الأيام المتمردة» قبيل وبعد الاستقلال.
فالعملية الإخراجية في سورية تعتمد على خبرة الأجيال وتراكمها لدى الأجيال اللاحقة من المخرجين السوريين. وهذا ما سنحاول قراءته في أجيال المخرجين السوريين.