2012/07/04
محمد رضا – دار الخليج
لم يأت ستيفن سبيلبرغ بجديد حينما وضع، سنة ،1977 عدداً مع الأولاد في صدارة فيلم “لقاءات قريبة من النوع الثالث” . فالسينما وضعت أولاداً وأطفالاً في أفلام الخيال العلمي منذ عقود قبل ذلك الفيلم . واحد من الأمثلة “جاء من العالم الآخر” It Came From the Outer Space .
المختلف كان أن وضع الأولاد، ولو في أفلام قليلة آنذاك، في مقدّمة المدفع لم يكن بديلاً على الإطلاق لأدوار الراشدين، ولم يكن “موضة” تسير عليها الأفلام على نحو متكرر في السينما الخيالية بأسرها كما كان الحال اليوم . بل كانت تتبع ضرورة قصصية . ذلك الفيلم المذكور، مثلاً، والذي أخرجه جاك أرنولد، يتعامل وصبي يكتشف أن مخلوقات فضائية أحكمت قبضتها على معظم أهل البلدة من الراشدين بحيث تغيّرت مواصفاتهم ومسالكهم الاجتماعية والعاطفية . هذا لا يمكن الحديث فيه جيّداً وعلى هذا النحو من دون أن يكون الممثل الرئيس في الفيلم ولداً وهذه الضرورة هي المنتفاة اليوم ونحن نتلقّف أفلاماً متوالية من بطولة أولاد او - في أفضل الحالات - شبّاناً دون العشرين . لقد أوجد نجاح سبيلبرغ في العام 1977 خامة لتكرارها، وهو عاد الى إسناد أدوار أولى في أفلامه للأطفال في نحو عشرة أفلام، إما على نحو مستقل بحيث يقود الصبي البطولة على نحو شبه مطلق، وإما يشترك بها جنباً الى جنب راشدين . من بينها أفلام ذات ضرورة في هذا الاتجاه بلا ريب كونها تسرد حكايات تتطلّب ذلك (كما الحال في “إمبراطورية الشمس” أو “ذكاء صناعي”) لكن معظم الأفلام الأخرى كانت إثارية تستخدم المنوال لتوسيع رقعة جمهورها (كما في “آي تي”، “هوك”، “الفك المفترس”، “إنديانا جونز- 2 إلخ” .) .
هذا من دون حسبان الأفلام التي أنتجها على هذا النحو، و”سوبر 8” هو أحدثها، وأسند إخراجه إلى ج . ج . أبرامز الذي نفذ فكرة تقوم على خمسة فتيان وفتاة (إيلي فانينغ) منخرطون في تصوير فيلم بكاميرا سوبر 8 (من ابتداع منتصف الستينات من القرن العشرين واستمر العمل بها على نحو واسع بين الهواة حتى وصول كاميرات الفيديو) . والد الصبي الذي يقود البطولة وأسمه جو (جوول كورتني) هو شريف البلدة الصغيرة (كايل شاندلر) . في هذه الأحداث التي تدور في السبيعينيات فقد زوجته (والدة جو) في حادثة حينما صدمها جاره السكير (رون إلدارد) ومن يومها لا يطيق ذلك الجار ولا يطيق ذلك الجار نفسه أيضاً . لكن جو سيحب أليس ابنة ذلك الجار وستشعر حياله بالحب، ولو في إطار المشاعر المناسبة لتلك الفترة . فجأة هناك قطار سريع يمر بالمجموعة وهي تصوّر فيلم هواة على محطّة القطار وجو يرى شاحنة تسير على خط السكّة في مواجهة القطار ما يؤدي إلى اصطدامهما . النتيجة مروعة: انفجارات هائلة، دمار متطاير وخراب شامل ووقع الحدث مدو لفداحته . ليس هناك من عربة واحدة في هذا القطار سلمت من الحطام . . . رغم ذلك (وهنا كان أوّل الغيث من الأخطاء الواردة)، فإن سائق الشاحنة الصغيرة بقي على قيد الحياة مع جروح قليلة . نعم طحن الشاحنة قطار سريع من القوّة بحيث يمحو مبنى كبيراً لو اصطدم به، لكنها بقيت سليمة باستثناء مقدّمتها، والرجل كذلك باستثناء بعض الحروق . لكن إذا ما فوّت المشاهد هذه المشكلة، ستجد الفيلم في نصف ساعته الأولى يبدو كما لو أن حكايته لابد من رويها بالاستناد إلى تلك المجموعة من الأولاد . الأمور تفلت تماماً من هذا التبرير حينما ترتفع وتيرة الأحداث، وتكبر مساحة العرض ويشتد الدمار (القطار المدمّر كان يحمل مخلوقاً فضائياً متوحّشاً ينفلت في موجة تدمير وقتل)، فإذا بالتركيبة التي هيأت لهؤلاء الأولاد قيادة الفيلم تبدو فارغة من الدوافع القصصية أو الدرامية، والفيلم يريد التعامل مع الكبار والصغار فينتقل عبر مشاهده على نحو فوضوي . كل ذلك رغبة في ربح الأولاد، ذلك الجمهور غير المؤكّد الذي لا يطلب من الفيلم أي بذل فني . صحيح أن “سوبر 8” أفضل من سواه من ناحية تنفيذية لنحو نصفه الأول، إلا أنه مشترك في تلك الرغبة في استثمار المشاهدين من دون الخامسة عشرة وتحقيق فيلم لهم .
هذه الرغبة تدفع الفيلم الى الانتحار بعد 50 دقيقة من عرضه، كما تدفع أفلاماً حديثة أخرى بعضها معروض مثل “كونغ فو باندا 2” و”بطريق السيد بوبر” الموجّه فعلاً لذوي العقول الطريّة، و”مصباح أخضر” . ما تشترك فيه هذه الأفلام التي تؤلّف المراكز الثلاثة الأولى بين الأفلام الأكثر نجاحاً حالياً، هو أنها موجّهة لشريحة الأولاد أو للكبار الذين مازالوا يتصرّفون كأولاد . وكما يؤدي هذا بفيلم “سوبر 8” إلى الهاوية، يؤدي هذا المنهج بالسينما الخيالية في معظم ما يصدر عنها اليوم، إلى هاوية مماثلة .