2012/07/04
أحمد علي هلال - البعث
ثمة أسئلة شغلت المتلقي -على الدوام- لجهة هواجس وفرضيات تتصل بزوايا النظر المتعددة التي فرضها احتكاك ذائقته، لاسيما مع أعمال بعينها خبرها بنسخها الأولى، ولعل كثافة تلك الأسئلة كانت في السؤال الذي يتمحور حول ما تذهب إليه الأعمال الدرامية فيما يشبه تأليفاً جديداً، أو صياغة مختلفة لحكايات ارتبطت -على الأرجح- بسياقات تاريخية، لم تكن التقنيات الفنية آنذاك لتشغل بال أحد، بقدر طبيعة الحكايات الاجتماعية وفضاءاتها الرومانسية أو الشعبية وسواها، على مستوى ثرائها وانفتاح دلالاتها وحيوية شخصياتها، وبمعنى آخر وذهاباً إلى السؤال/ الهاجس: هل تنطوي الأعمال الاستعادية على قيمة مضافة تثري الشكل والمضمون، كما الرؤية؟!.
يمكن في هذا السياق الاتكاء على ذاكرة أعمال مثل "أسعد الوراق"، العمل المأخوذ عن رائعة الروائي الراحل صدقي إسماعيل "الله والفقير"، وبرع في شخصيته الرئيسية الفنان المبدع الراحل هاني الروماني، إلى جانب ما أضافته الفنانة الكبيرة منى واصف على الشخصية النسوية "منيرة" من إحساس عميق، ينقل اللعبة من الدراما إلى الحياة، إذ توهجت روح النص في جسد العمل برمته، ليحمل إيقاع أبطاله وتجليات حيواتهم، ولم يكن بلونيه الأبيض والأسود سوى بؤرة درامية لألوان إضافية، شكلها توتر النص وكفاءة الأداء الجمعي دون تجاوز ما يمكن أن يقال عن رؤية إخراجية، أبدعت في تلك اللحظة التاريخية.
حكاية أسعد الوراق، وانعطافات حياته، وصيروراتها المتصلة بمعنى الحياة والمعاناة، واستنهاض لحظة تنوير ترسم إيقاعاً مختلفاً لشخصية نمطية، أصبحت ثائرة بمعنى ما، وليست مأثرة العمل في ثنائيات الخير والشر فقط، بل فيما انطوى عليه من تفعيل للشخصية -البطل- وسط لحظة استثنائية، أصبحت ضرورة لبسط المقولة التي التصقت بوجدان المتلقي، وأتاحت له أيضاً الوقوف على دلالة العمل المنتظر، لكن "أسعد الوراق، في نسخته الجديدة 2010، وتوقيع المبدعين هوزان عكو كاتباً للسيناريو والحوار، ورشا شربتجي مخرجة، وبطولة كوكبة من نجومنا الدراميين، أعاد الحكاية بتيماتها الأساسية، تأسيساً ورؤية جديدة ومعاصرة انسجاماً مع شروط جمالية وفنية، التأسيس على ثراء الحكاية والاجتراح لرؤية تضفي على "الشخصيات" حيوية ودينامية متجددة، يمليها شرط آخر هو شرط المعاصرة الذي يبني أفقه المعرفي على مستويين: الحكاية والتأويل، وبطبيعة الحال، الاستثمار ما أمكن لممكنات تأثيث الفضاء الدرامي بجدلية الواقع والمتخيل، وكفاءة الأداء الفردي- الجمعي، الذي يبث متعة تلقّيه واستقباله، وهنا لا يذهب بنا العمل الجديد إلى التخفف من "ثقل" العمل الأول، لأن ما بين التأسيس واستدعاء رؤية جديدة، يغتني النص بمعطيات جديدة تصنع له سياقاً أكثر معاصرة، بمعنى أن المتلقي ليس معنياً بالوقوف على التماثل أو الاختلاف ما بين شخصيات كلا العملين والذهاب في مقارنات صارمة مثلاً نتيجة لذلك، فما يمكن قوله هنا، إن "هاني الروماني" هو أسعد الوراق بنسبة ما وكذلك "تيم حسن"، ولكن باتساع المساحة ليحضرا ضمن لحظتيهما تمثيلاً وتجسيداً للشخصية الإشكالية، وإنتاجاً لمعناها فيما يضيفانه عليها من أبعاد سيكولوجية وتراجيدية، تمثل للمتلقي في أزمنة مختلفة قوة المثال لروح شخصية "أسعد الوراق"، وفي ذلك تكمن تجليات قيمة مضافة تثري فعل التلقي على مستويات جمالية-رؤيوية، دون تجاوز الحوافز التقنية، وهكذا نقف على ما تعنيه استراتيجية -التلقي- في حداثة مغامرتها الفنية، لاسيما على مستوى الشكل الإخراجي، وهذا ما يستدعي الانتباه لجملة المتغيرات الدرامية التي تطال الشخصيات، كما البيئة الدرامية المولّدة لثقافة درامية محسوبة، تعي موقع المتلقي وحساسية استجابته.
ولعل العمل الاستعادي الآخر "دليلة والزيبق" الذي عرفه المتلقي لأول مرة عام 1976، عن نص الكاتب الراحل عبد العزيز هلال، المستلهم من التراث العربي، ويعاد إحياؤه بقلم الكاتب هوزان عكو، سيجدد أسئلة المغامرة ذاتها "شكلاً ومضموناً"، وبتأكيد مخرجه الفنان سمير الحسين "أن العمل إذا لم يكن الهدف من إعادة تقديمه، تناوله بطريقة مختلفة من ناحية الشكل والمضمون، فلا داعي لتجديده".
ذلك ما يضع القيمة المضافة من السعي لإحياء أعمال عرفناها أمام أسئلة جديدة، لا تختزل بتنمية الوعي الدرامي فحسب، بل ذهاباً لإنتاج ثقافة درامية تحريراً للنص المرصود لجهة المعنى، وإنتاجاً لمتعة لا تقوّض شرط ثقافتها في الوعي الفردي والجمعي بآن معاً، بعيداً عما يفرضه الترف، وبما تستدعيه الضرورة بتحولات الصورة الدرامية الكلية.