2012/07/04
أوس داوود يعقوب – تشرين
قدم الكاتب والأديب السوري الكبير حنّا مينه إسهامات متميزة فيما عرف بـ«أدبيات البحر»، أو ما يعدُّه النقاد «أدب البحر»، وذلك من خلال ثماني روايات كتبها مينه عن البحر،
لعل أهمها «الشراع والعاصفة» (1966م) التي أطلق النقاد عليها اسم «قصيدة البحر» أو «ملحمة البحر»، والتي قال عنها المفكر المصري سلامة موسى: «رواية «الشراع والعاصفة» نقطة انعطاف تاريخية في الأدب الروائي العربي، إلى جانب ثلاثية نجيب محفوظ («قصر الشوق»، و«السكرية»، و«بين القصرين»)، ومع نجيب محفوظ وحنّا مينه نستطيع أن نقول: إن روايتنا العربية لا عائق من اعتبارها عالمية».
ويرى الناقد الأكاديمي الدكتور عاطف البطرس أن حنّا مينه «برع في تجسيد العالم الداخلي لبطله، الذي لا يتطور من خلال مواجهته مع الخارج الطبيعة والمجتمع، وإنما من خلال مواجهته لذاته وصراعه معها، من أجل الانتقال إلى مرحلة نوعية جديدة أعلى مستوى سواء على المستوى المعرفي، أو على مستوى تحقيق الشخصية لهدفها الأعلى في الرواية».
ولقد استفاد صاحب «الشراع والعاصفة» من عمله لسنوات في البحر، في كتابة هذه الرواية، التي نال عليها (جائزة المجلس الأعلى للثقافة والآداب والعلوم) في دمشق عام 1968م. و(جائزة المجلس الثقافي لجنوب ايطاليا) كأفضل رواية ترجمت إلى الإيطالية عام 1993م. كما ترجمت الرواية إلى اللغة الروسية أيضاً.
ويعدُّ هذا العمل السادس لصاحب «الياطر» في رصيد السينما السورية، التي حفلت- منذ ستينات القرن الماضي- بعدة تجارب سينمائية انبت على روايات أو قصص كتبها مينه.
البداية كانت في فيلم «اليازرلي» (1974م)، عن قصة طويلة بعنوان «على الأكياس»، للمخرج العراقي قيس الزبيدي، ومدته (95 دقيقة). ثم حقّق المخرج نبيل المالح فيلم «بقايا صور» (1979م)، عن رواية حملت الاسم نفسه، ومدته (130 دقيقة). ثم حقّق المخرج الراحل محمد شاهين فيلم «الشمس في يوم غائم» (1985م)، عن رواية تحمل أيضاً الاسم نفسه، ومدته (110 دقائق). كذلك حقّق شاهين فيلماً ثانياً هو «آه يا بحر» (1994م)، المأخوذ عن رواية «الدقل»، ومدته (120 دقيقة).
ويقودنا الحديث ههنا عن إبداعات حنّا مينه في السينما السورية، إلى الحديث عن كتاب للكاتب والناقد السينمائي اللبناني إبراهيم العريس، عنوانه «من الرواية إلى الشاشة.. تاريخ للأدب تحت سطوة الفن السابع ورعايته»، الصادر عام 2011م عن وزارة الثقافة السورية (المؤسسة العامة للسينما- سلسلة الفن السابع: [191])، والذي يعدُّ نوعاً ما أرشفة لمجمل تاريخ الفن السابع الذي استلهم أعماله من الأدب، ودراسة نقدية وأكاديمية لهذا الاستلهام. إنها علاقة إشكالية تلك التي تربط الفن السابع بالأدب، وهذا الكتاب هو سرد تاريخي لهذه العلاقة وتحديد أهم المنعطفات التي مرت بها.
وفيه يقدم لنا العريس لائحة بأسماء أبرز الأدباء الذين تم نقل أعمالهم الأدبية إلى شاشة السينما، قائلاً: «يندر أن توجد اليوم رواية أو قصة لم تحوّل إلى عمل سينمائي، باستثناء أعمال قليلة العدد.....»، ولعل هذا الكلام له ما يبرره لأنه ليس ثمة إحصاء دقيق لعدد الأفلام التي جرى اقتباسها عن الأعمال الروائية على الصعيدين العربي والعالمي، ولكن يبدو أن أعلى نسبة مبيعات للكتب الأدبية هي تلك التي جرت «أفلمتها» يوماً ما للسينما.
ويرى العريس: «إن ويليام شكسبير هو الأكثر اقتباساً، مع مجازفتنا هنا بأن نكون قد خرجنا من إطار النصوص الروائية والقصصية إلى النصوص المسرحية... ومن بعد شكسبير قد يأتي الكتاب المقدس، ثم فيكتور هوغو وإميل زولا وإرنست همنغواي.. ألكسندر دوماس ودوستويفسكي، إضافة إلى عشرات غيرهم.... بالنسبة إلى أعمال كهذه وكتّاب كهؤلاء، تنطبق عليهم صفة العولمة منذ وقت مبكر. أما بالنسبة إلى عولمة الرواية العربية عن طريق السينما، فإن النماذج نادرة، إذا استثنينا نجيب محفوظ، في اقتباسين مكسيكيين لروايتيه «بداية ونهاية» و«زقاق المدق»».
وفي أحد فصول الكتاب يتطرق العريس إلى السينما العربية، وتحديداً السينما المصرية ذات الحضور اللافت، والتي يعد الروائي نجيب محفوظ من أهم من اعتمدت السينما المصرية على أعماله، سواء من خلال الاقتباس من رواياته، أو من خلال عمله هو ككاتب سيناريو.
يقول العريس في هذا المجال: «هو أمر لم يعد في حاجة إلى مزيد من التأكيد: ونعني بهذا دور نجيب محفوظ في السينما المصرية، ذلك أن من الأمور التي باتت من المسلمات، أن علاقة الأديب المصري الكبير الراحل بالفن السابع، هي أكثر قوة وتعقيداً من علاقة أي أديب في العالم بهذا الفن».
كما يعطينا سرداً تاريخياً لأهم الأعمال التي أغنت الشاشة المصرية والتي استلهمت مواضيعها من أعمال الأدباء «فمن «الأرض» ليوسف شاهين والمأخوذ عن رواية عبد الرحمن الشرقاوي، إلى «الحرام» لهنري بركات والمأخوذ عن رواية يوسف إدريس إلى «بداية ونهاية» و«القاهرة 30» المأخوذتين عن روايتين لنجيب محفوظ ومن إخراج صلاح أبو سيف..». كذلك تطرق إلى أهم الأفلام وأحدثها في هذا المجال وهو فيلم «عمارة يعقوبيان» المأخوذ عن رواية الكاتب علاء الأسواني والذي قام بإخراجه مروان حامد، حيث عدّ هذا الفيلم الأبرز في مصر خلال السنوات الأخيرة.
ويحدثنا الكاتب عن الدور المهم الذي لعبه نجيب محفوظ في السينما المصرية، حيث قام بتحويل العديد من الروايات الأدبية إلى سيناريوهات لأفلام «حققت نجاحات شعبية مدهشة ومن بينها «النظارة السوداء» و«لا أنام» و«أنا حرة» وفيلم «الطريق المسدود»... وقدمت خدمات فكرية للثورة المصرية كاشفة عن ارتباط تلك الثورة بأفكار الطبقة الوسطى».
«خمسون رواية لخمسين فيلماً»، هو عنوان أكبر قسم في الكتاب وهو بحسب تعبير الكاتب «استعراض لخمسين فيلماً يمكن عّدها في السينما العربية والعالمية نماذج تمثل خير تمثيل ذلك التزاوج بين الأدب القصصي والروائي في تاريخ الفن السابع..». كما يقدم المؤلف فصلاً عن نجيب محفوظ بعنوان «أياديه البيض غمرت السينما المصرية/ روايات وسيناريوهات وحضوراً».