2012/07/04
جوان جان – الثورة
في ضوء الزيادة المطردة في أعداد الفضائيات العربية، وفي ظروف تراجع وسائل الإعلام العربية المسموعة والمقروءة بسبب السيطرة المطلقة للإعلام المرئي وضِع هذا الإعلام أمام مسؤوليات جسيمة قد تفوق أحياناً قدرته على تحمّلها، فهو مطالَب بأن يقول كل شيء وأن يحيط بكل شيء،
وليس من السهل عليه في ظل هذا الضغط الدائم والمراقبة المستمرة لأدائه أن يرضي جميع شرائح المشاهدين بثقافاتهم المتباينة، فكيف الأمر إذا كان هذا الإعلام متخصصاً في نقل الوقائع السياسية ورصدها والإحاطة بكافة ظروفها .
وعلى الدوام كان الإعلام الرسمي العربي في عين عاصفة الانتقاد لطبيعة أدائه وأساليب تغطيته للأحداث والوقائع، وخاصة أيام القنوات التلفزيونية الأرضية حيث لم يكن المشاهد العربي مطّلعاً على الأساليب المختلفة في التغطية الإخبارية، وأما فحوى هذا الانتقاد فكان يتمحور حول الأساليب (الخشبية) للإعلام الرسمي في التغطية الميدانية للأحداث، ولسنوات طويلة اتُهِم الإعلام الرسمي العربي بتقصيره في رصد الأحداث الجارية في بلده مما كان يضطر سكان البلاد العربية إلى الاعتماد على الإذاعات الأجنبية الناطقة بالعربية لمتابعة ما يحدث في الوطن العربي كإذاعة بي بي سي وصوت أميركا ومونت كارلو وإذاعة موسكو وغيرها من الإذاعات، ويمكن القول أن الثقة كانت شبه مفقودة بين المواطن ووسائل إعلام بلده، وبالتحديد وسائل الإعلام المرئية .
ولكن ومع هذا الانفتاح الإعلامي وعدم وجود حواجز تمنع وصول الخبر أخذت الفضائيات الرسمية تدرك أن الأساليب القديمة المتبعة لم تعد مجدية وإن المتلقي العربي لم يعد أسير القنوات المحلية كي تكون الوسيلة الوحيدة لتلقي الخبر، فأخذت هذه الفضائيات بتجديد ثوبها والظهور بمظهر مختلف حتى تكون قادرة على كسب ثقة جمهورها .
ولكن الأمر الذي يصيب الإنسان بالدهشة والحيرة بنفس الوقت هو مقدار الهجوم اللاذع الذي تتعرض له هذه الفضائيات عندما تحاول أن تواكب لغة العصر وأن تكون سريعة الحركة ورشيقة الأسلوب، والمدهش أكثر أن نفس نمط التفكير الذي كان ينتقد التلفزيونات العربية الرسمية المحلية على أساليبها (الخشبية) و(البالية) و(المتحجّرة) في نقل الخبر أخذ ينتقد اليوم الفضائيات العربية الرسمية على سرعة تغطيتها للحدث وتفرّدها ببثّه، وكأن المسألة مسألة تعجيز لا أكثر .
قبل أسبوعين وبمجرد وقوع التفجير الإرهابي في حي الميدان بدمشق بادر التلفزيون السوري إلى بثّ صور عن آثار الانفجار ونتائجه بعد فترة وجيزة من وقوعه، وما ساعد على ذلك قرب المسافة التي تفصل حي الميدان عن ساحة الأمويين حيث لا يتطلب الأمر أكثر من خمس دقائق في السيارة في يوم الجمعة حيث تخلو الشوارع من المواطنين، لكن أصحاب الآراء التي لا يشقّ لها غبار والتي يجب أن تؤخذ ككلام منزّل لا يقبل الجدل والنقاش أخذوا يشككون على الفضائيات الإخبارية العربية المستنفرة هذه الأيام بأداء التلفزيون السوري وينتقدون مسارعته إلى تغطية الحدث وهم أنفسهم الذين كانوا وعلى مدى سنوات ينتقدون أسلوب أدائه أيام القنوات الأرضية، بل ووصل بهم جنونهم وهلوساتهم إلى اتهام التلفزيون السوري بأنه كان على معرفة مسبقة بالانفجار مستندين في ذلك إلى ادعائهم أن المسافة بين التلفزيون وموقع التفجير الإرهابي تستغرق نصف ساعة فكيف يمكن لكاميرا التلفزيون أن تصل خلال دقائق، مستغلين في ذلك جهل القنوات الإخبارية العربية ومذيعيها بجغرافية المكانين اللذين تفصل بينهما مسافة نصف ساعة بالفعل ولكن مشياً على الأقدام .
أمر غريب ومحيّر.. إن أنتَ تقاعست عن تصوير الحدث وبثّه اتهموك بالتحجر والتخشبّ، فإن سارعتَ إلى تصويره وبثّه وكان لك قصب السبق في ذلك اتهموك بالتواطؤ والتآمر، وإن حاولت أن تقف موقفاً وسطاً فلا أنت سارعتَ إلى الإحاطة بالحدث ولا تأخرت في ذلك اتهموك بالتردد إلى أن يوصلوك إلى نتيجة مفادها أن أفضل طريقة للتعامل مع هؤلاء هي طريقة تعامل أربعة جنود أميركيين مع شهداء أفغان في شريط بثّته الفضائيات قبل أيام لأن فكر هؤلاء ومنطقهم وتاريخهم الأسود وقلوبهم الأكثر سواداً لا تستحق أكثر من ذلك