2019/10/29
عيون بوسطة - بيترا جومر
تحت تأثير العوالم الافتراضية التي طوّقت حياتنا وحكمتها بالسرعة والهزل، أصبح معظم الفنانين أقل جدية وأكثر تساهلاً في الإفصاح عن آرائهم وإطلاقِ أحكامٍ غيرِ مدروسة، في بعض الأحيان لا يملكون حُجة واضحة ليدافعوا عنها أو يبررونها، وهنا يغفلون عما يجب عليهم مراعاتُه ومحاولةُ الحفاظ عليه وهو ثقة الجمهور بهم، والتي لا تعطيهم الأحقية بالتحدث في شتى الموضوعات وأي قضية ما لم يكونوا ملمّين وعلى دراية ومعرفة دقيقة فيما يتحدثون عنه.
حيث أطلقت سوزان نجم الدين خلال الفترة السابقة تصريحات عديدة وضعتها في موقع المدان وقلبت فئة واسعة من الرأي العام ضدها، كان آخرها تصريح هجومي نشره موقع "الجرس" اعتبرت فيه أن السبب في تشويه صورة المجتمع السوري هم "الفقراء والجاهلون والأميون" الذين يمثلون الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين في لبنان حسب رأيها. ولم يمر مثل هذا التصريح من دون أن يترك خلفه أثراً سلبياً لن تسطيع نجم الدين التخلص منه بسهولة، وفي محاولاتها لتجاوز الورطة التي أوقعت نفسها بها لم تتوقف عن إطلاق مزيد من التصريحات توضح من خلالها بديهيات وتستفيض بشكل يدعو للسخرية للتفريق بين معنى الفقر والغنى، ومحاولة اللعب على الوتر الوطني معتبرة أن الهجوم الذي تتعرض له هو هجمة ضد موقف وطني ضمني لم يشعر به أحد سواها، وهذا ما كرس بشكل أكبر الرفض الجماهيري لها ووضعها أمام تساؤلات أكثر تعقيداً.
نجم الدين ليست الوحيدة، فنانون كثر وقعوا في الفخ نفسه من خلال تصريحات لهم عبر لقاءات صحفية أو على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي؛ يخرج الفنان ويتحدث في موضوعٍ شديدِ الحساسية ومختلَفٍ عليه دون أن ينتقي من الكلمات ما يناسب الموضوع بل يظهر كمن لم يفكر مسبقاً في القضية التي يتخذ قراراً في معالجتها أو إبداء رأيه فيها أمام الجمهور مباشرةً، ويظل لوقت طويل غير قادر على الخروج من ورطة قد تنال منه لأنه لم يعرف أن يختار الوقوف على كلماته ويقيّمها أو لم يختر الوقت المناسب والمنبر الملائم ليعبر عن نفسه بما يليق به وبجمهوره.
الفنان إنسان بالطبع وله الحق في امتلاك موقفٍ لا يلائم أو لا يتفق مع آراء ومواقف جمهوره العريض، والمطلوب من الفنان لا يتعدى شخصيته وحريته بل يضمن له المحافظة على أكبر قدر ممكن من احترام ومحبة الناس له. حتى وإن لم يتفقوا معه في بعض أرائه لكنهم بالتأكيد سيحترمونها إذا عرف كيف يعبر عنها ومتى.
ولا تزال مسألة فصل الشخصي ومواقف الفنان وآرائه عما يقدّمه من نتاج فني مسألةً جدلية لم يتم الاتفاق بشأنها، ومن الصعوبة أن يتم الإجماعُ عليها، فالكثير من الأعمال الفنية يتم تحليلها وفهمها استناداً إلى معرفة خلفية الفنان الاجتماعية ومعتقداته التي يعلن عنها، في حين وقف آخرون ضد هذا النوع من التحليل ليعلنوا أنه قد يحدث تفاوتٌ كبير بين المعتقدات النظرية والإيديولوجية للفنان، وبين الرؤية الفكرية التي تتحكم في عمله أو في بعض أعماله، أي أن الإبداع يحرر المبدعَ أحياناً حتى من أفكاره الراسخة.
لذلك فمن الأفضل أن يتذكر الفنان أن الكلمة لا تزال تملك القوة الأكبر، وأن عليه تحمّل مسؤولية مواقفه تجاه أي قضية تهم فئة عريضة من الرأي العام أو حتى ضيقة منه، لينأى بنفسه عن الخفة والهزل ويبقى في مكان مسؤول وجدي يكسبه احترامَ وثقةَ جمهوره بحسه السليم وفكره قبل أي شيء آخر.