2012/07/04
محمد منصور - القدس العربي
ثمة ظاهرة لافتة في الفضاء التلفزيوني العربي اليوم... يقف المرء أمامها بشيء من التأمل متعاطفاً وأحياناً متعجباً... ألا وهي ظاهرة القنوات المطرودة من بلدانها!
فهناك قنوات يحصل أصحابها على تراخيص من بلدان عربية مجاورة أو بلدان تسمح قوانينها بالعمل الإعلامي الحر... ويعودون إلى بلدانهم بهدف العمل والتفاعل مع مناخ إعلامي جديد، ساعين إلى البحث عن هوية خاصة لقنواتهم، من خلال الانتماء إلى الواقع المحلي ومحاولة تصويره... لكنهم لسبب أو لآخر، وبسبب أخطاء مهنية أو حساسيات سياسية أو تربصات رقابية، يصلون بعد فترة قصيرة إلى مرحلة الصدام النهائي مع الوضع الإعلامي القائم... الأمر الذي يؤدي إلى إغلاق مكاتبهم، ومنعهم من العمل!
وأبقى في ظاهرة القنوات الممنوعة من العمل في بلدانها... إنما من خلال نموذج تطبيقي لأحد البرامج الجديدة التي أطلقتها قناة (المشرق) مؤخراً وهو برنامج (البلد بارك) للإعلامي السوري أيمن عبد النور، صاحب موقع (كلنا شركاء) الإلكتروني، في الحلقة الأولى من برنامج (البلد بارك) يطل أيمن عبد النور مقدماً ومعداً بحيوية وطلاقة رجل شعبي ينجح في أن يكسر رهبة الكاميرا بخلط العامي بالفصيح، وتقديم إيقاع حيوي في الأداء... إنما من دون أن يقنعنا بشخصية مقدم البرامج التلفزيوني المحترف، الذي يتحكم بنبرة صوته، ويفصحن الكلمة العامية ما أمكن، بدل أن ينطق الكلمة الفصيحة بنبرة عامية كما يفعل رجل الشارع العادي في الاستطلاعات التلفزيونية.
وهو على صعيد التعامل مع صيغة الإعداد التلفزيوني، يقدم لنا صيغة عشوائية أقرب ما تكون إلى الارتجال، رغم أن طاولته تمتلئ بالأوراق، ومسار البرنامج يوحي بوجود نص مكتوب... لكنه مكتوب بلا دراية تلفزيونية... بلا تنسيق جيد للأفكار في سياق تحليلي يعرف أين يبدأ وكيف ينتهي.. وماذا يريد أن يقول في النهاية.
اختار أيمن عبد النور موضوع فكرة (نقل العاصمة من دمشق إلى حمص) عنواناً للحلقة الأولى من برنامجه، الذي أراد فيه كونه صحافيا مهاجرا أن يعود للالتصاق بقضايا الوطن، كما هي حال القناة أيضاً.. وأجرى بحثاً موفقاً على صعيد ما كتب عن هذه الفكرة في الصحافة، أو ما واجهته من تعليقات إلكترونية من قراء مجهولين... إلا أن ما يصح في الانترنت لا يصح على الشاشة... فرغم أن البرنامج ليس على الهواء إلا أن مقدم البرنامج أدخل لنا اتصالات لأناس مجهولين، لا نعرف سوى اسمائهم الأولى، من دون أن نعرف ما هي وظيفتهم أو موقعهم من الإعراب... ومن أين يتصلون.... وهذه تفصيلات قد تبدو هامشية، لكنها في واقع الحال من صميم التقاليد التلفزيونية في مناقشة قضية محددة في برنامج حدد لنا موضوع الحلقة.
أما المشكلة الأبرز... فإن كل الخبراء أو الشخصيات المعروفة الأخرى التي استضافها البرنامج تمت استضافتها هاتفياً... في دلالة على صيغة برنامج فقير، غير قادر على استضافة ضيف واحد على الأقل في الأستوديو لبث الحيوية في صورة الحوار الدائر... وحتى عندما أشار في الفقرة الأخيرة من البرنامج إلى ما أسماه (المغترب السوري المتميز المهندس المعماري بشار نجاري) من سويسرا... وقال إنه سيستقبله... كان الاستقبال هاتفياً فقط!
وبعيداً عن كل هذه التفصيلات والمآخذ التقنية التي تنال لا شك من قيمة البرنامج، فقد تابعت حلقة الزميل عبد النور كاملة... وصدقوني أنني حضرتها أيضاً في الإعادة عصر اليوم التالي لبثها... وأنا شخصياً مهتم كوني دمشقيا بهذا الموضوع، سواء أكان مجرد شائعة أم فكرة قيد الاقتراح... لكنني لم أفهم تماماً ماذا يريد أن يقول البرنامج في شأنها... فهو ليس مع ولا ضد... وهو يتحدث عن المزايا والمشاكل، من دون أن يتعمق في مناقشتها... ويتعامل مع الموضوع ببرود تقني يحير المشاهد إن لم أقل: يستفزه... ولا يضيف له سوى (أخذ العلم) عن وجود موضوع أو مشروع أو شائعة من هذا النوع، لها مزايا وعيوب!
طبعاً... أتمنى لبرنامج (البلد بارك) ألا يسير في حلقاته القادمة على نفس النهج... فلا نطال فيه (زيوان البلد) ولا (قمح الجَلب) كما يقول المثل الشعبي!