2012/07/04
خاص بوسطة- سامر محمد إسماعيل مرة أخرى نقع في المغالطة القديمة التي أبعدت الجمهور عن صالات العرض، مأزق لم نكن نتخيل أننا سنصل إليه في صالات المسرح السوري، فعروض مديرية المسارح التي تلهث اليوم للحاق بآخر أيام الموسم المؤجل؛ تكاد تكون عبارة عن أداء واجب ليس أكثر. هذا ما بدا واضحاً في عرض "الملك يموت" لصاحبه "كميل أبو صعب"، حيث اختار هذه المرة "يوجين يونيسكو" رائد مسرح اللامعقول، ويا ليت كان هذا الاختيار بقدر هذا الاسم الكبير، فـيونيسكو الذي كان يعتبر اللغة عبارة عن كراسي في عرض الطريق لا يمكن تقديمه على هذا النحو المخجل: فخامة في الأزياء ومبالغة في التهريج وصلت فعلاً حدود اللامعقول! لا أقصد هنا اللامعقول كما قدم له كل من بيتر هانتكه، وصموئيل بيكيت، ويونيسكو، بل اللامعقول الذي نشاهده اليوم على مسرح الحمراء بدمشق، إذ تحولت الخشبة إلى مساحة من التظارف والتساخف الجنسي الذي قارب ليالي الكباريه أكثر منه عرضاً مسرحياً. العرض ضم مجموعة من الشخصيات ذات الواقع النفسي المهزوز ابتداءً من شخصية الملك "بيرونجيه" المحاصر بأوهام جبروته السابق من جهة، وما آلت إليه سلطته من جهة أخرى، وشخصية الملكة "مرغريت" تلك المرأة المستبدة والتي تمثل القدر أو القانون الجديد الذي سيحل محل الأنظمة القديمة للملك المحتضر، وشخصية الملكة "ماري" وهي بمثابة وجه آخر لمرغريت مع فارق أنها أرادت أن تهب الملك سعادة أرضية؛ بينما كانت مرغريت مجبرة على أن تقوده حتى إتمام ذاته في الموت، وأيضاً هناك شخصية الطبيب المتسلط، وشخصية الخادمة العجوز الضعيفة إضافة لحارس الملك وكل تلك الشخصيات تعاني من فصام أخلاقي يجعلها تهلل للملك إذا صحا وتنعيه مباشرة إذا مات. يعبر المخرج أبو صعب في كلمته على بروشور العرض عن فهمه لفلسفة العبث واللامعقول عند يونيسكو، يقول: «كل شيء مضحك في الحياة..أكثر الأشياء جدية هي تلك الأشياء المضحكة.. المأساة نفسها مضحكة.. وما نعمل وما نتصرف.. ما نقول.. هو واقع اللامعقول الذي يجب الاعتراف به»، هذا الكلام المنحول من تنظيرات نقدية مترجمة لا يمكن أن يمت لجماعة الأفعال غير المبررة مشهدياً وجمالياً على الخشبة، فالنص الذي كتبه يونيسكو عام 1962، مناهضاً من خلالها جميع أشكال البرجوازية، لم يخضع لأية معالجة دراماتورجية (الإنشاء الدرامي) بل ظل في صيغته المترجمة بشكل سيء ودون الالتفات إلى جوهر المسرح الذي نادى به الكاتب الروماني المعروف باعتبار اللغة غير قادرة على التعبير عن الأشياء، بل هناك دائماً الفعل ومساحات الصمت المتروكة بين الممثلين للوصول إلى لا جدوى الأشياء وعبثية الحياة، إلا أن ذلك لم يكن موجوداً في عرض "أبو صعب" الذي قدم صيغة متفاصحة وخشبية وبعيدة كل البعد عن فلسفة مسرح اللامعقول. على صعيد الديكور كانت خشبة الحمراء تنوء بعفش مسرحي وظيفي يبتعد عن جمالياته المطلوبة، في حين أن حضور الإضاءة كان إضافياً وخارج كل تصورات الروح الساخرة للنص، إنها نوع من الإنارة التي تمتاز بها أماكن السهر الليلية، تدعمها أزياء من عصر الباروك إلى جانب موسيقى فوضوية بدت كعنصر تزييني ليس له أية وظيفة تذكر في دعم الفعل المسرحي أو مصاحبة الصراع إلى مستقره على الخشبة. ويستمر العرض حتى السابع عشر من الشهر الجاري على خشبة الحمراء وهو من تمثيل: وليد الدبس بدور الملك، ميس كمر بدور الملكة ماري، عايدة يوسف بدور الملكة مارغريت، خلدون قاروط بدور الطبيب، أسامة جنيد بدور الحارس، ناديا بدران بدور الخامة، وأعد الموسيقى قصي قدسية وصمم الإضاءة نصر الله سفر والديكور لموسى هزيم.