2012/07/04
خاص بوسطة - يارا صالح/ ديانا الهزيم
علاقة الفنانين بالصحافة.. عنوان عريض لقضية موجودة منذ بدأ الفن، ومنذ بدأت الصحافة، بغض النظر عمّن بدأ أولاً..
البعض يصفونها بعلاقة القط بالفأر، ولكننا من خلال هذا التحقيق، أردنا أن ندخل أكثر في التفاصيل، ونسأل الطرفين عن أهم ما يميز علاقتهم ببعض، ونعرف منهم أكثر وبصراحة الإيجابيات والسلبيات التي لا يسمح لهم التسابق إلى الأعمال أو الأخبار، أن يتوقفوا لقولها.. أردنا أن نعرف من هو القط، ومن هو الفأر، في لعبة "فنان صحفي"..
البداية مع الفنانين.. لأنهم دائماً موضوع القلم وليسوا حامليه..
العلاقة بالصحافة.. مؤشرات متفاوتة
الصحفيون أنواع، هكذا وصفتهم الفنانة ضحى الدبس، التي وصفت علاقتها بالصحفيين بالمزاجية، فبعض النقد يُشعرها بالحماسة لتشاركهم حديثهم، تعترض أو توافق، والبعض الآخر يجعلها تبتعد عن الإعلام ككل..
أما الأقسام التي وضعت الدبس الصحفيين فيها فجاءت على الشكل التالي: «الأول يتمتع بالنزاهة، وهؤلاء يضعون يدهم على مكامن الخطأ لتسليط الضوء عليه بهدف إصلاحه، والآخرون لا يمتلكون النزاهة، وهؤلاء يستخدمون الصحافة لأغراضهم الشخصية، وهناك نوع ثالث هم صحفيون مهنيون، لكن نقدهم لاذع».
الفنان عباس النوري انفرد بتحليل لهذه العلاقة، وقال: «لا يمكن أن نعطي أحكاماً مسبقة، فالأمور نسبية، لكنني شخصياً أشعر، والإحساس مختلف عن التقييم، بأنها علاقة عضوية، فأنا أبحث عن النقد السليم في قراءة أعمالي، وأبحث عن النقد البناء»، لكن النوري تابع حديثه لينتقد زيادة الإعلام التي أفرزتها الزيادة الكبيرة في حجم الإنتاج الفني وعدد المنجزات.
الأمر نفسه اتفقت معه الفنانة رنا أبيض، التي رأت أن «بعض الصحفيين يحاولون لفت الانتباه إليهم، فيؤذون الفنان بدون قصد، والهدف فقط "فرقعة" إعلامية، وهناك البعض الآخر ممن لا يمتلكون أدواتهم الكتابية بشكل جيد، فيقومون بالإبهار والبهرجة، التي يظهرون فيها الفنان نبياً». رنا اعتبرت أنه «من الصعب على الفنان أن يقيم من هو الصحفي الجيد ومن هو السيئ، وبالإجمال يجب على الصحفي أن لا يسبب ضرراً للفنان».
نموذج آخر لعلاقة الفنان بالصحفي قدمه الفنان سامر المصري الذي قال بصراحة: «علاقتي بالصحافة تختلف حسب الصحفي، فهناك صحفيون الحوار معهم ممتع وسهل وجميل، وهناك البعض ممن هم من زمرة "البكوات"».
وفيما تقاطعات آراء مجموعة كبيرة من الفنانين، شباباً ومخضرمين، بأن العلاقة جيدة جداً، ومنهم حسام تحسين بك، سحر فوزي، فادي الشامي، ولينا دياب، رأى النجم باسم ياخور أن علاقته بالصحفيين «متوازنة وحرفية ومهنية، تتقبل الحوار والنقاش، ومرنة، بمعنى أن يكون للفنان الحق بتقبل النقد والملاحظات، والتحفظ أو رفض الهجوم غير الموضوعي، وفي المقابل أن يكون للصحفيين الحق أن يؤكدوا بخطوط حمراء وبكثير من التشديد على عيوب الحركة الفنية كي تتقدم، بمواكبة ورقابة نقدية، جنباً إلى جنب».
حادثة معينة..
أصل الحكاية في الآراء المتفاوتة، وخصوصاً الحادة منها، باتجاه الصحافة يعود إلى سبب ما، هذا ما أكدته ضحى الدبس، التي تحدثت عن موقف منذ البدايات، لكن آثاره قائمة إلى اليوم: «في البدايات تم تحريف كلام قلته عن أحد المخرجين من قبل أحد الصحفيين الذي يعاني مشاكل مع هذا المخرج تحديداً، وهو ما سبب لي مشاكل، وربما أن هذه الحادثة هي التي جعلتني أحذر الصحافة إلى اليوم».
أما سامر المصري فيروي تجربة مختلفة: «شخصياً، عانيت من الصحافة المدسوسة التي تكمن وراءها أيادٍ خفية، وقد تسببت لي بالمشاكل بسبب عدم نزاهة الصحفيين فيها. ودعيني هنا أنتقد الصحفي الذي لا يَذكُـرُ اسمَه صراحة، لأن في ذلك إخلالاً بالمصداقية. أنا انتقدني أشخاصٌ لا أعرفهم، ولم أقابلهم يوماً، وكان النقد شخصياً "إلى العظم"».
نتقبل النقد.. بشروط
الجميع يتقبلون النقد.. ولكن، بهذا يمكن أن نختصر أبرز ما أكده الفنانون عن مدى تقبلهم للنقد، فالشرط الوحيد أن يكون النقد نقداً، وفقاً لباسم ياخور، وليس ثرثرة فارغة، ففي الحالة الأولى قد ينزعج منه، لكنه بالتأكيد سيتقبله.
أما عباس النوري فأكد أنه يتقبل النقد الإيجابي فقط: «النقد هو وجهة نظر في النهاية، وأنا لا أنتظر ناقداً كي يعطيني وجهة نظره لمجرد الحديث فقط، بل أريد منه أن يفيدني ويقرأني بشكل صحيح».
ضحى الدبس اشترطت الأسلوب الجيد في النقد، رافضة التقريع أو الإساءة، فيما ذهبت سحر فوزي في شروطها نحو الموضوعية، مضيفة إليها أن يكون النقد بناءً، ولا يكون افتراءً، كما حدد سامر المصري شروطه: «لا أقبل المدح الكثير، ولا أقبل السب والذم والقدح».
لينا دياب أكدت أنها تستمع للجميع، لكنها انتقائية فيما تأخذ، وفيما تدع من النقد، بينما ربطت رنا أبيض تقبلها للنقد بمدى متابعة الصحفي لأعمالها، «لأن البعض ينتقد الكثير من الأعمال التي لم يرَها حتى، فكيف يكون نقده ناجحاً وحقيقياً؟!».
التكامل والتفاهم.. والأحلام الوردية
شبه إجماع على أن العلاقة بين الفنان والصحفي تبادلية، أو تكاملية، بمعنى آخر، وهي مفروضة علينا، شئنا أم أبينا، وفقاً لرنا أبيض، أما لينا دياب فاختصرت الفكرة بالقول: «لو لم يكن هناك فنان يعمل، فلا يوجد صحفي يعمل، وبالمقابل لو لم يكن هناك صحافة لما انتشر الفنان وعُرِف، فالاثنان يدعمان بعضهما البعض»، كما تساءَل عباس النوري: «من قال إن الفنان ليس بحاجة للإعلام؟».
هذا الأمر خالفه سامر المصري، الذي أعاد الآراء إلى الواقع، ورأى أن «الفن هو الذي يخدم الصحفي، لأنه لا يوجد صحفي يستطيع أن يؤثر على نجومية فنان».
أين المشكلة إذاً؟
ضحى الدبس طرحت فكرة الثقة، في مقابل فكرة استغلال الفنان للصحافة حتى يبرز نجمه، وتوجهت إلى الصحفيين بلوم كبير: «يجب أن يفكر الصحفيون بجدية عن أسباب اعتكاف الفنانين وامتناعهم عن الحديث إليهم، القصة برأيي أن الفنان يجري لقاءً مع مجلة ما، يختارها وفقاً لهدفها وسياستها، لكنه يُفاجأ لاحقاً بأنه قد تم اجتزاء حواره وتوزيعه على أكثر من وسيلة إعلامية، دون أخذ الإذن منه، وهذا الاجتزاء بحد ذاته يؤثر سلباً على كلام الفنان، ناهيك عن التصرف بأقواله دون علمه».
أسباب هذا الأمر برأي رنا أبيض تكمن في تبعية الصحفي الاقتصادية لأكثر من جهة أو مؤسسة إعلامية، وهو ما يؤثر سلباً عليه، وعلى مهنيته..
مكتب صحفي قد يقدم حلاً
وعلى الرغم من الأحلام الوردية التي لونت أحاديث بعض الفنانين عن العلاقة المتبادلة والتكاملية، إلا أن بعضهم اقترح حلولاً لتحسين العلاقة المتأرجحة (كأسهم البورصة)، مع الصحفيين.
المكتب الصحفي، أحد أشهر وأفضل أوجه التعامل بين الفنان والصحافة، فمكتب كهذا يستطيع أن يقوم بما لا يملك الفنان وقتاً للقيام به، ولكن لهذا المكتب مستلزماته أيضاً، كما تقول رنا أبض: «الفنانون الذين يقدرون معنى الصحافة ينشئون مكتباً صحفياً، وأنا شخصياً أتمنى أن يكون لي مكتب صحفي خاص، لكنني إلى الآن لم أجد الصحفي المناسب».
الحل الآخر لتجسين العلاقة جاء على لسان الفنان عباس النوري الذي رأى أن وجود صحفيين بعيدين عن المهنية، وبكثرة هذه الأيام، لا ينفي وجود صحفيين جيدين ومهنيين، والذين يحتاجهم الوسط الفني فعلاً: «بجدّية واضحة، هناك الكثير من وسائل الإعلام الجيدة والتي لديها القدرة على التفكير الحر والحرص على تجديد نفسها، وتكوين علاقة مع المتلقي وهذا إعلام حقق نجاحاً باهراً، وهذه هي العلاقة الأساسية للنجاح، فالفنان يحتاج لوسيلة إعلامية موثوقة».
وللكلمة المباشرة تأثيرها
..
مهما تعددت أوجه الحل، يبقى للكلمة المباشرة أثرها الأكبر في نفس المتلقي، لذلك كان لنا وقفة مع كل فنان ليتوجه بطلب إلى الصحفيين، وهنا تنوعت الإجابات..
الحيادية والحرفية، هما ما أوجزتهما رنا أببض بقولها: «أن يروا بياضنا وسوادنا، إيجابياتنا وسلبياتنا معاً»، بينما كان لعباس النوري طلب خاص: «تخلوا عن خطابكم الخيالي الحالم، وحاولوا أن تفكروا بشيء حقيقي. اكتبوا بإحساس حقيقي للناس كي يثقوا بكم، فمن يراني ويسمعني ويكتب بشكل صحيح أسمعه بشكل صحيح».
عودة إلى التراث اشتركت بها سحر فوزي مع حسام تحسين بك، فالفلكلور السوري يحتضر، ونجومنا الذين نعتز بهم مغيبون عن الساحة، فيما طالب سامر المصري بميثاق صحفي تصادق عليه وسائل الإعلام، يشكل عرفاً ومبادئ يسير عليها الصحفيون، كي نجد حلاً للمشاكل التي تقع دائماً بين الفنانين والصحفيين.
أما ضحى الدبس فأجملت مطالبها في ثلاثة: «النزاهة، بمعنى أن لا يبني صداقات في الوسط الذي يعمل معه، لأنها قد تؤثر على مصداقية الصحفي، الذي يجب أن يكون مثل القاضي. كما أطلب من الصحفيين الاهتمام بثقافتهم لأنها سلاح لهم، ووسيلة لتحسين علاقتهم بالفنانين في آن معاً».
وكان لباسم ياخور مطلب مختصر بجملة بسيطة: أن يكون الصحفي حراً..
لنقلب الصورة، ونقف في الزاوية المعاكسة.. للصحفيين رأيهم أيضاً..
العلاقة تحكمها المادة المكتوبة
يعترف الصحفيون بأن علاقتهم بالفنانين، وإن كانت إيجابية في أكثر مفاصلها، إلا أنها محكومة بالمادة المكتوبة، وفقاً لما تراه الزميلة تهاني عبود، ويؤيدها فيه الناقد والصحفي ماهر منصور، الذي يرى أن العلاقة تقف على «صفيح ساخن»، فتارة هي هنا، وتارة في المقلب الآخر: «عملياً يجب أن تكون العلاقة تكاملية، كل واحد يحتاج للآخر، ولكن يحكم هذه العلاقة المادة المكتوبة، فقد ينقلب الود إلى بغض، وفي أي لحظة قد يُنسى البغض، ويتحول إلى حب».
منصور يرى أن كل فنان يتخذ مضمون المادة المكتوبة شرطاً لعلاقته بالصحفي، سيكون خاسراً في النهاية، وهؤلاء هم من اعتبرهم الناقد والصحفي سامر محمد إسماعيل «من يعتبرون أنفسهم فنانين»، ومن صفاتهم، بحسب سامر، أنهم «لا يحترمون عمل الصحفي».
إسماعيل رأى أن أساس المشكلة يكمن في عدم اعتراف الفنانين بدور الصحافة السورية، مع أنها تتمتع بدرجة عالية على مستوى الوطن العربي، وبرأيه «نحن نحتاج إلى علاقة احترام متبادل».
النقد للعمل وليس للفنان
الصحفيون انتقدوا عدم تفريق بعض الفنانين بين التوجه بالنقد لهم، أو التوجه بالنقد لأعمالهم، فالكثيرون منهم يتخذون موقفاً من الصحفي لمجرد أنه انتقد عملاً ما من أعمال الفنان، وهو ما حدث مع سامر إسماعيل: «أحد الفنانين تهجم على الصحفيين لأننا انتقدنا أحد أعماله، الذي اعتبرناه إهانة للشخصية السورية، ولا يجب أن نسكت عليه، لكن هذا الفنان رد علينا بالتهجم على الصحافة السورية ككل، واعتبرنا دخلاء على الصحافة، ومأجورين، وهذا معيب بحق كل الصحفيين».
ماهر منصور عزا هذه الإشكاليات إلى نظرة الفنان للنقد، «فإذا اعتبر النقد بمثابة بوصلة تدله أين هو من الطريق الصحيح، فإنه لا شك هكذا سيتقبل النقد ومضمونه، إيجابياً كان أم سلبياً، أما إذا فهم المادة المكتوبة على أنها وسيلة للمرح أو الترويج، فهنا من الطبيعي أنه لن يقبل إلا المادة التي تحييه وتروج له، وذا الميزان الذي يقاس فيه وعي الفنان للنقد».
لكن إسماعيل عاد ليلخص الحل «نحن ليس لدينا نجوم صحافة، وهذا نابع من عدم اعتراف القائمين بالعمل الفني بالصحافة بحد ذاتها. نحن نحتاج إلى نقاد حقيقيين، هم موجودون، لكنهم ينتظرون الاعتراف بهم».
الفنان هو الرابح الأكبر
بهذه الجملة عبر ماهر منصور عن رأيه بالفائدة المتبادلة بين الصحفي والفنان: «العلاقة تكاملية، لأن مادتنا المكتوبة مأخوذة عن الأعمال التي قدمها هذا الفنان، وتصريحاته، ولكن إذا قررنا أن نحدد من الذي يخدم من نجد أن الصحفي هو الذي يخدم الفنان، خصوصاً تلك الأقلام التي تكتب في صحف عربية، وليس فقط في سورية، لأننا بكتاباتنا نروج لعمله، وذلك قبل العرض طبعاً، فنحن نخدم الفنان والعمل بشكل عام بالترويج له».
أما سامر إسماعيل فرأى أن الفنانين يجب أن يتقبلوا النقد لأنه بمثابة رجع الصدى لهم، مشيراً إلى أنه بهذه الطريقة فقط تخطو العلاقة بين الصحفي والفنان إلى التكاملية، التي عبرت عنها الزميلة تهاني عبود بالقول: «نحن نسلط عليهم الأضواء، ونروج لهم ولأخبارهم، وننشرها، وفي المقابل لولا وجودهم لما كان لنا عمل. الفن والإعلام متلاصقان».
الاحترام.. والاعتراف
تلخصت مطالب الصحفيين من الإعلاميين بالاحترام، في ظل جو يبدو أنه مجحف بحق هؤلاء من ناحية تقدير مستواهم، وفي وسط اختلط فيه الصالح بالطالح، وبات الفنانون لا يميزن صحفياً حرفياً ومهنياً، من آخر لا يحمل من الصحافة سوى اسمها.
سامر إسماعيل طلب من الصحفيين «احترام مهنة الصحافة ونجوم النقد الصحفيين، كما نحترم نحن نجوم الفن، فيجب أن يأخذ الفنانون بعين الاعتبار المفكرين الصحفيين»، وأضافت تهاني عبود: «أن يعترفوا بأهمية الصحافة، والأشخاص العاملين فيها، كونهم أشخاص متعلمين ومثقفين».
أما ماهر منصور فأجملَ قوله بأمنية تندرج تحت إطار "السهل الممتنع": «نحن عبارة عن وسطين، وسط فني، ووسط صحفي فني، وأتمنى أن نصبح وسطاً واحداً، وهذا الأمر لن يتحقق ما لم يؤمن كل واحد منا بدور الآخر وأهميته».
«جيدة، إيجابية، طيبة جداً، صداقة، مزاجية، متوازنة وحرفية، عضوية، نسبية، ظريفة»، تختلف المسميات، وكلها صفات لعلاقة واحدة، ينظر إليها كل من منظار مختلف، لكنها لم تكن يوماً بالمنظار الذي يأمل من يقفون في الطرفين أن تكون عليه..
لكن، وفي المحصلة، تأمل بوسطة من خلال هذه الإطلالة على العلاقة الشائكة، والتي تحكمها الكثير من المتغيرات، أن تكون ساهمت، بشكل من الأشكال في وضع اليد على مكامن الخلل لدى الطرفين، وأن يكون تحقيقنا خطوة أولى في حوار صريح وشفاف وهادف، ينتهي بإيجاد صيغة مناسبة لعلاقة الفنان والصحفي، تكون أولاً وأخيراً في خدمة الدراما السورية التي نحبها..