2012/07/04
خاص بوسطة- وسام كنعان نظمت وزارة الثقافة السورية، احتفاء بالقدس عاصمة للثقافة العربية، منذ أيام فعالياتٍ لعروض مسرحية على خشبتي الحمراء والقباني تحت اسم "أيام مقدسية" شارك فيها العديد من العروض السورية، بينما كان الضيف العربي الوحيد على هذه الأيام المقدسية عرض المونودراما "أبو حليمة" المأخوذ عن قصة للشاعر الفلسطيني طه محمد علي، توليف وتمثيل اسماعيل الدباغ وإخراج جاكوب آمو، وعمل على العرض كدراماتورغ نجوان درويش. قُدَم العمل على مدى ليلتين متتاليتين على مسرح القباني، ثم اختار فريق المسرحية تلبية الدعوة التي وجهت لهم من مخيم اليرموك، ليقدم عرضاً وحيداً ليلة الأول من أمس ضمن حالة من التواصل العفوي بين جمهور تواق إلى الالتقاء بحالة إبداعية حملت آلامها من الداخل الفلسطيني، بتفاصيله الدقيقة، وأخذت تجول بها . أبو حليمة هو الشعب الفلسطيني بروحه، بعفويته، بفصائله وباقتتاله الداخلي، بالوهم الذي لا يخلف إلا السراب، وبالأحلام التي لا يمكن لها أن تموت، مهما شيعت الأيام أرواح أموات، وأخرى لأحياء أسلموا الروح وظلت أجسادهم باقية على أمل شيء لا يدركون مغزاه. أبو حليمة شخصية واحدة عرف الممثل الفلسطيني الشاب إسماعيل دباغ كيف يقودها ببراعة من حالة لأخرى، وكيف يستحضر مجموعة من الشخصيات الغائبة ينسج معها حوارات جدية تفيض بأحاسيس عانى ويعاني منها. كل ذلك جاء بأسلوب حكائي يعتمد على قدرات الممثل بشكل أساسي، فاستطاع دباغ أن ينقل لنا جرعة كبيرة من معاناة الشعب الفلسطيني من خلال جردة لحياة أبي حليمة مذ كان بالجيش، والدورات التي اتبعها والمعسكرات التي التحق بها، ورحلة نضاله الطويلة، والنتيجة التي وصل إليها ووصلت لها المدينة المقدسة، مدينة تعانق الأديان. أبو حليمة انتهى إلى بيته وتربطه بمدينته خيوط تشابه غير معلنة، صار محارباً قديماً مهملاً ومنسياً إلا من اعتذار خطي عن صعوبة إيصال الإعاشة له وراتبه التقاعدي، ولن تنسى دعواته للتكريم وهي ما تدفعه للبوح، وإلقاء الضوء على ذاكرة مليئة بالهزائم تختزلها تفاصيل حياة ملؤها القهر. تمكن إسماعيل دباغ من السيطرة على انتباه الجمهور، وجذبهم بطريقة ملفتة من خلال قدرته على إيصال الحالة التي تمر فيها شخصية أبي حليمة والشخصيات الغائبة التي تدور حولها، بمنتهى الدقة، رغم التفاوت السريع بين الهزل والحزن. فيما كان لتصميم الإضاءة واستخدامها دور مساعد في ترسيخ الحالة التي يريد الممثل إيصالها، كما بقي على مدار خمس وخمسين دقيقة، وهي زمن العرض، يتحرك بفضاء الخشبة ضمن سينوغرافيا استغلت مساحاتها كاملة رغم خلوها من الديكور باستثناء طاولة صغيرة وسجادة وهي الأثاث المنزلي البائس لأبي حليمة والذي كان كافياً ووافياً بالغرض. مرت دقائق العرض برشاقة كان فيها أداء الممثل هو البطل الحقيقي الذي وصل للمتلقي بمنتهى الرشاقة، دون أن يتسلسل الملل ولو للحظة واحدة إلى صالة العرض، لتحفر الفرقة الفلسطينية الشابة اسمها على خشبة مسرح المركز الثقافي في مخيم اليرموك. هكذا كان للمعاناة بعد انتهاء العرض وجه آخر، وجانب حقيقي ربما لا يحتاج إلى عمل فني لوصفه عندما تدافَع عدد كبير من الجمهور ليصلوا لإسماعيل دباغ، قبل أن يخرج من الكواليس. التهنئة كانت في البداية، ومن ثم بدأت الأسئلة عن أحوال الأصدقاء والأقارب في الداخل الفلسطيني، وربما هي فرصة نادرة الحدوث، أن تترك عنوان بريدك الالكتروني الذي قد يصل لصديقك القديم الذي لا يزال مقيماً في فلسطين.