2012/07/04
ابراهيم توتنجي - البيان
لم ينعشني فيلم عبد اللطيف عبد الحميد «مطر أيلول». تعطشي للأفلام المختلفة واحتفائي المسبق بأي فيلم سوري، ظنا مني أنه سيكون «مختلفا»، إلى أن يثبت العكس، جعلاني أقبل على فيلم عبد الحميد من اللحظة الأولى لزيارتي للمهرجان. لم أنتظر عرضه الرسمي، فتلقفته في صالة المشاهدة. دخلت على «مطر أيلول» كمن يدخل متأهبا إلى «عاصفة»، فإذا بي اتركه وفي قلبي دعاء للاستسقاء.
بداية، لا يمكن إغفال الجهد كما الارادة في صناعة فيلم عن الحب في الزمن الرديء، الزمن القبيح. لكن الارادة وحدها لن تمنعنا من التقييم الموضوعي. ومن دون مقدمات نحن إزاء مجموعة من اللوحات التمثيلية، التي يغلب عليها أحيانا طابع الاسكتشات المسرحية او مشاهد الميلودراما التلفزيونية، مجمعة على هيئة فيلم. واذا كانت السينما، تاريخيا وحداثيا وما بعد حداثيا، قائمة على الفكرة والشخصيات والحدث، فتلك المكونات المبدئية لا تظهر على كامل وضوحها في الفيلم.
أما اذا أردنا مقاربة «مطر» عبد الحميد من الزاوية النقدية لعمل سوريالي أو ترميزي، فإن فقر المضمون وأداء الممثلين الذين قطعوا الشعرة بين أن تكون بريئا ورومانسيا حد البلاهة، وبين أن يكون أداؤك التمثيلي مشوبا بذلك التبلد أو تلك البلاهة، حتى ليكاد المشاهد لا يمنع نفسه من الضحك وهو يشاهد الابطال يتصنعون تلك البراءة المتناهية من دون أن يتلبسوها تماما. الاب وأبناؤه الذكور يعيشون قصصا عن الحب في مكان وزمن تعبق فيهما رائحة الاستبداد التي تضغط على الحب لكي تغتاله وعلى البراءة لكي تدمرها.
ولكن كيف جسد المخرج شكل السلطة؟ الموتيف الرئيسي في الفيلم الذي من المفترض أن يوصل لنا المعنى عبر تناقضه مع ورود وحبات بطيخ وآلات موسيقى وسيارات كلاسيكية ومذياع قديم ونظرات هائمة تسيطر على الأجواء.. هذا «الموتيف»، الضد الذي من المفترض ان نفهم الفكرة من خلاله، جاء على قدر هائل من الركاكة والهزلية. ثمة ما هو مستوحى، ربما، من أضعف المشاهد التي نعرفها في هذا السياق في مسلسلي «بقعة ضوء» و«مرايا». رجال السلطة هزليون كاريكاتيريون، يتحركون مصفوفين كما تلاميذ المدرسة، ينساقون وراء انثى في الشارع، يسجلون اسماء الاشجار، يظهرون في المشاهد المأساوية على حين غرة.. يبقون على السطح صورة لا نعرف عن تعقيداتها ومكنوناتها شيئا، وبالتالي لا يمكن لنا أن نتعاطف مع ما اراده لنا المخرج من تعاضد مع براءة «الشعب» المغتالة.
السلطة في الفيلم ليست عنيفة، في اقصى درجات العنف قد يظهر رجلها في كوابيس البطل يستخدم مرحاضه، او قد يخرب مذياع الباص الذي ينادي منه رجل على بضاعته. هل هذا يكفي لكي تذرف كل الدموع وتسيل دماء العشاق ويخطف الاشرار العروسة الاميرة في كوابيس العريس الأمير وتعزف الألحان الجنائزية؟ ثمة نقلات في الفيلم غير منطقية ورسم دقيق لكل مشهد الى حد نسيان المشهد الذي سبقه او يليه، ناهيك عن ضعف متبد يشوب القصة من الاساس. بالطبع لا يجدر بنا ان نغفل لقطات معبرة، وان كانت مشتتة، للمخرج او موسيقى مؤثرة، لكنها قليلة وضنينة تماما كـ«مطر أبريل».