استثمار في «القائمة السوداء»

عبد الرحمن سلام – الكفاح العربي

على أثر الأحداث التي شهدتها مصر في 25 يناير 2011، وما رافقها من تطورات على مختلف الصعد، برزت ظاهرة تصنيف بعض الفنانين، ما بين مؤيد للثورة، أو معارض لها، من خلال قائمة تضم أسماء بعض كبار النجوم، خسروا مكانتهم لدى قسم من الجمهور، بسبب تأييدهم النظام السابق، وأيضاً، بسبب معارضتهم العلنية الثورة وشبابها، وهذه اللوائح عرفت في الأوساط باسم "القائمة السوداء". الى أين وصلت هذه الحملة بعد خمسة أشهر على الانتفاضة؟

أبرز الأسماء التي أدرجت في القائمة المذكورة، الممثل طلعت زكريا، الممثلة غادة عبد الرازق والممثلة عفاف شعيب. هؤلاء، أعلنوا معارضتهم للثورة بوضوح، فيما اختار العديد من النجوم، عدم الظهور، ورفضوا أي اطلالة اعلامية أو أي تواصل مرئي أو مسموع، كي لا تسجل عليهم مواقفهم وآراؤهم، أو يتم احتسابهم على أي فريق، خصوصاً وأن الصورة كانت ضبابية، والمشهد المستقبلي غامضاً. من هؤلاء على سبيل المثال، النجمة يسرا والمخرجة ايناس الدغيدي وغيرهما.

وبالتأكيد، فإن الجميع بات على علم بقصة الممثل طلعت زكريا في "ميدان التحرير". هذا الممثل ظهر عبر احدى القنوات التلفزيونية خلال أيام الثورة، وقبل سقوط النظام واعلان الرئيس (السابق) مبارك عن تنحيه، مهاجماً "شباب 25 يناير"، وواصفاً المعتصمين في "ميدان التحرير" بأبشع الأوصاف، ومعلناً أنه شاهدهم في داخل الميدان "يمارسون الرذيلة ويتعاطون المخدرات"؟! فكان من الطبيعي أن تستفز مثل هذه الأقاويل هؤلاء الشباب، خصوصاً وأن طلعت زكريا لم يسجل موقفاً سياسياً اعتراضياً على الثورة، وإنما هو طعن بكرامة وأخلاقيات الثوار، ما أدى بالتالي الى إدراج اسمه في القائمة السوداء، وإلى تحريض كل متابعي شبكات التواصل الاجتماعي عليه، مثله مثل زميلته الممثلة غادة عبد الرازق التي كانت تمثل رقماً صعباً في الدراما المصرية (قبل ثورة 25 يناير)، وتحديداً بعد النجاح الكبير الذي تحقق لها ولمسلسلها "زهرة وأزواجها الخمسة". نجاح المسلسل المذكور كان قد رفع أجرها الى 11 مليون جنيه، كما ان اسمها كان كثير التردد في البرامج التي ستدخل سباق شهر رمضان 2011، اضافة الى أن مسلسلها الجديد "سمارة" المأخوذ عن قصة فيلم سابق بالعنوان ذاته، كان مضمون النجاح والتسويق، في ظل مراهنة الجميع على تصدر هذه الفنانة لسباق رمضان. وعندما حدثت "ثورة 25 يناير"، تغيرت الموازين، بسبب ما أعلنته غادة من آراء معادية للثورة ومؤيدة للنظام السابق، ما جعل الثوار يضعونها على "القائمة". والتحوّل بدأ في مسلسلها الجديد "سمارة"، الذي اتجه انتاجياً صوب الخليج، بعدما أعلنت مؤسسة دبي للاعلام عن نيتها المساهمة في انتاج "سمارة"، وبنسبة 80% من الميزانية المرصودة له، فيما نسبة الـ20% المتبقية ستتولاها شركة "كينغ توت" المصرية التي وافقت طوعاً على توزيع النسب بالشكل الذي تم، والسبب، خوفها من مقاطعة السوق المصرية للفنانة، ومسلسلها الجديد.

هنا نشير الى "عينة" بسيطة من "عينات" الحملة التي تتعرض لها الممثلة غادة عبد الرازق من جانب العديد من مواقع "الانترنت"، فقد ذكرت هذه المواقع ان نجمة الغناء اللبنانية نانسي عجرم اعتذرت أخيراً عن تسجيل "تيتر" مسلسل "سمارة" بصوتها، لأنها حريصة على جمهورها المصري ولا ترغب في إفساد علاقتها بها، هذا في الوقت الذي كانت غادة عبد الرازق موجودة في بيروت تشارك نانسي عجرم تسجيل "التيتر" داخل الستوديو؟!

وبحسب اتهامات المعترضين على موقف غادة عبد الرازق المعادي للثورة، فقد روّجت مختلف مواقع الانترنت المؤيدة للثورة ان "علاقة ما" تربط بين غادة عبد الرازق وابن صفوت الشريف (رئيس مجلس الشورى السابق ووزير الاعلام المصري الأسبق) وان موقفها المعادي للثورة ناتج من هذه العلاقة، إلا أن الترويج لهذا الخبر لم يستمر طويلاً.

أما الممثلة عفاف شعيب التي أطلق عليها "شباب 25 يناير" اسم "الخالة عفاف" أو "خالتو عفاف"، فلم تسلم بدورها من التعليقات الساخرة والانتقادات اللاذعة، والسبب تعليقها الشهير على ما حدث معها خلال "ثورة 25 يناير"، كاعتراضها الشديد على فقدان الأمان في الشارع المصري، الأمر الذي حرم أولاد اختها من تناول "البيتزا" و"الكباب".

وإذا كنا قد اكتفينا بثلاثة أسماء، فهذا لا يعني أن "القائمة" تقتصر عليها، اذ ان فيها أسماء اخرى. يمكن هنا الاشارة الى يسرا وايناس الدغيدي المتهمتين بالهروب الى خارج مصر تجنباً لاعلان موقف، وكذلك اسم الممثل الدكتور اشرف زكي (نقيب الممثلين الذي استقال تحت ضغط كبير من أعضاء مجلس الادارة على اثر اتهامه بمحاباة النظام السابق) وغيره، ما يعني بالتالي ان هناك عشرات الفنانين اليوم، يعانون إما من "تجميد" اعمال كانوا قد باشروا بتصوير أدوارهم فيها، وإما من "الغاء" مشاريع كان قطاع الانتاج الرسمي يستعد للمباشرة بتصويرها، خصوصاً وأن سلبيات ورود اسم ما على "القائمة السوداء"، لها "مفاعيل" متعددة، فهي أولاً "تحظّر" على قطاع الانتاج بالتلفزيون المصري التعامل مع أي من هذه الاسماء، وكذلك، "تُدخل" الخوف الى قلوب المنتجين في القطاع الخاص، لأن مؤيدي الثورة أعلنوا سلفاً مقاطتهم لكل عمل فني يشارك فيه اي من الاسماء المدرجة على القوائم المذكورة، ما يعني ايضاً، ان هؤلاء النجوم اصبحوا شبه معزولين، ومهددين بـ"البطالة".

لكن يبدو أن هذا "الانشقاق" بين "ثوار 25 يناير" من جهة، ونجوم "القائمة السوداء" من جهة ثانية، فسح في المجال امام منتجي الدراما الخليجية، للافادة من شهرة وامكانات هؤلاء الفنانين، وتوظيفها في خدمة الدراما الخليجية، بحيث سارعوا الى احتضانهم، عارضين عليهم الأدوار والمشاريع في نتاجات فنية سينمائية وتلفزيونية مشتركة (مصرية ـ خليجية). أول الغيث كان فيلم "نزلة السمان" وسيلعب بطولته الممثل طلعت زكريا وزميلته عفاف شعيب، ومعهما احمد راتب ومحمود الجندي وسالي القاضي وعبد الامام عبد الله وسليمان عيد ونيرمين ماهر وآخرون، بإدارة المخرج الكويتي محمد الشوري. يناقش العمل قضية الزيجات بين الجنسيات العربية المختلفة، وفيه، يؤدي طلعت زكريا دوراً كوميدياً، هو الذي يتقن ببراعة اداء هذه النوعية من الأدوار.

وفي المؤتمر الصحفي الذي دعت اليه الشركة المنتجة لفيلم "نزلة السمان" (اقيم المؤتمر في الكويت) من اجل التعريف بأبطال الفيلم، عبر الممثل الكبير احمد راتب عن سعادته بالمشاركة في عمل سينمائي يتناول قضية واقعية ومهمة، وتوقع ان يثير الفيلم جدلاً واسعاً، مبدياً امتنانه لأن الفيلم سيصور في مصر، وفي "نزلة السمان" (في منطقة الهرم).

بسؤاله عن حساسية مشاركة بعض الفنانين الذين كانت لهم مواقف سلبية تجاه "ثورة 25 يناير"، وتأثير ذلك على نجاح الفيلم أو رواجه، رد بحزم أنه من غير المنطق أو المقبول لف حبل المشنقة حول رقاب الفنانين الذين عبروا عن آرائهم، حتى ولو كانت هذه الآراء خاطئة، أو غير متوافقة مع آراء "ثوار 25 يناير"، خصوصاً وأن الكثيرين من هؤلاء الفنانين تراجعوا عن مواقفهم وأظهروا فيما بعد حسن نياتهم تجاه الثورة، مضيفاً انه لا يجوز اصدار الأحكام جزافاً على هؤلاء، أو وضعهم في "لوائح ملونة"، لم تصدر أساساً إلا لصرف الأنظار عن الذين سلبوا ونهبوا وقتلوا وجوّعوا، مشيراً الى أنه كان شخصياً مع الثورة، وأنه أدلى خلالها بتصريح لتلفزيون "الحياة" أوضح فيه أنه مع شباب الثورة، رغم عدم نزوله الى "ميدان التحرير"، او اعتصامه فيه مع المعتصمين.

وفي الوقت الذي كانت اسرة فيلم "نزلة السمان" المكونة من ممثلين وممثلات من مصر والكويت، تعقد مؤتمرها الصحفي، كان المخرج المصري عادل اديب في دولة الكويت، يعلن عن مباحثات تجري بينه (بصفته ممثلاً لشركة غود نيوز المصرية للانتاج الفني) وبين رئيس اتحاد المنتجين الخليجيين يوسف العميري، بهدف التوصل الى اتفاق شراكة لانتاج مسلسل ضخم جديد، من بطولة محمود عبد العزيز، ومقرر عرضه في رمضان 2012. وقد أعرب المخرج عادل اديب، خلال الكشف عن مفاوضته مع رئيس اتحاد المنتجين الخليجيين، عن أمله في أن يكون هناك "انفتاح" كبير بين مصر والكويت في مجال الانتاج السينمائي والتلفزيوني، معلناً ان مرحلة ما بعد "ثورة 25 يناير" ستكون مميزة بأعمال مستقلة تحترم عقول الناس، حتى ولو كانت ذات كلفة بسيطة، وأن هناك جهوداً تبذل من اجل أن تكون صناعة السينما في مصر مستقلة، ولها جهاز يعمل على نهضتها، لأن "من المعيب أن تتبع صناعة السينما في مصر، أي وزارة أو جهة رسمية". وقد فهم تصريح المخرج المصري، على أنه دعوة مفتوحة للانتاج المشترك المصري ـ الخليجي، بسبب الوضع المأسوي الذي تعانيه صناعة الدراما في مصر.

النقاد اهل السينما والمتابعون في مصر، وان كانوا أبدوا ترحيبهم بالتعاون مع اي جهة انتاجية عربية، إلا أنهم حذروا من موضوع "وضع اليد" على السينما المصرية، مذكرين بما حدث مع شركات الانتاج الغنائي في كل من لبنان ومصر، وكيف أن شركة "روتانا" تسربت في بداية الأمر الى هذا المجال، بحجة "الدعم" و"توفير الانتاج الكبير" و"تأمين التسويق الفعال"، وكيف ان هذه الشركة توصلت، بفضل إمكاناتها المادية الكبيرة الى احتكار سوق الانتاج الغنائي، بعدما قضت على بقية الشركات التي كانت، في غالبيتها، من الاحجام المتوسطة او الصغيرة، وبحيث لم يفلت من قبضة "روتانا" سوى "عالم الفن"، و"صوت الفن"، هذا التخوف ربما جعل الممثلة فردوس عبد الحميد تحث القائمين على التلفزيون المصري، وتطالبهم بالاتجاه فوراً نحو انتاج الأفلام، مؤكدة أن التلفزيون قادر على مواجهة المغالاة في الأجور فيما لو اقدم على انتاجات مشابهة لـ"ناصر 56" و"طالع النخل" وغيرهما من الانتاجات المشرّفة التي سبق وأنتجها للسينما.

فردوس أوضحت انه اذا تم تفعيل محاربة المبالغة في اجور النجوم، فإن هذا يساعد في انتاج دراما متميزة المستوى وأفضل بكثير من بعض الأعمال التي تنتج في الوقت الراهن بعقلية "السوق التجاري"، مضيفة ان دخول التلفزيون مجال الانتاج السينمائي سيخلص السينما المصرية من رغبة رأس المال "الاجنبي" بالسيطرة على السينما المصرية، خصوصاً وأن المنتج الأجنبي يتدخل في اختيار النجوم، ويفرض المواضيع، ما يؤثر بالسلب على السينما المصرية.

وأنهت عبد الحميد انها لا تعارض النتاجات المشتركة مع اي دولة عربية، وإنما ترفض ان يتحكم "الشريك" تدريجياً، وأن يبلغ في تحكّمه حدود السيطرة الكاملة على السينما المصرية.