2012/07/04
عبد الناصر حسو - تشرين
رغم البناء المعماري لدور الأوبرا في بعض البلدان إلى أننا لم نشهد عروضاً أوبرالية سجلت نشاطاً لافتاً لهذا الفنالذي لم يستسغه الجمهور العربي، حتى أنه لم ينتشر في أوساط النخب المثقفة أيضاً، في حين أن بعض التجارب المسرحية العربية نحت باتجاه الاوبريت باستخدام الموسيقا والحركات الراقصة، ويمكن القول إنها عروض ميوزيكال أكثر ماهي عروض أوبريت.
يطرح الكاتب أنطوان معلوف هذه الإشكالية في كتابه (مارون النقاش.. إشكالية الأوبرا في نشأة المسرحية العربية) الصادر حديثاً عام 2011 عن الهيئة العربية للمسرح على هامش مهرجانها السنوي المقام في بيروت، يقدم الكاتب الوثائق الموسيقية وينقل عن نقولا النقاش بأن أول عرض مسرحي كان أوبرا البخيل، ويقدم القرائن، ابتداء من العنوان (رواية مضحكة كلها ملحنة ذات خمسة فصول معروفة برواية البخيل)، مروراً بالمقاطع المغناة وانتهاء بنزول الستارة وبالتالي فهي أوبرا باعتبارها كلها ملحنة، لأن الرواية كلها كلام منظوم شعراً غناه الممثلون غناء، والدليل الأخير على أن مارون نقاش قصد أن يصنع مسرحيته البخيل أوبرا هو أنه لحنها كلها، وفق ألحان شعبية معروفة لبنانية أو مصرية، ثم يضرب مثالاً عن الغناء واللحن الذي تحول إلى أرقام في الفهرست كي يرجع الممثل إلى الرقم 1 مثلاً في فهرست الألحان فيرى أنها: نغمة حجاز أصفهان أصوله صوفيان، طقطوقة قديمة مطلعها ياهودلي، ياهودلي، وهذا لحن معروف حتى اليوم نسمعه في مطلع أغنية شعبية:
ياهويدلك ياهويدلي الله يعين المبتلي
يرى الكاتب ان النقاش كان يقصد إلى تقليد الأوبرا، فحاول ان يصنع أوبرا، لكنها كانت أول مسرحية عربية عنوانها البخيل، خاصة إذا عرفنا أن مشاهدة عروض الأوبرا أغرته في بلاد الأفرنج/ ايطاليا وفرنسا، ومسرح ميلانو ونابولي.
كتب النقّاش النص المسرحي رغم جهله بقواعد هذا الفن وجهله بقواعد النوطة الموسيقية، فاكتفى بتلحين مختلف مقاطع النص حسب ألحان أغنيات شعبية معروفة في عصره، وأشار إليها نقولا النقاش في ملحق فهرست ألحان رواية البخيل، وحين أقبل مؤرخو الأدب على قراءة البخيل وجدوا فيها نصا ًمسرحياً متكاملاً، وصرفوا النظر في المقدمة والملحق ورغبة مارون النقاش في صناعة أوبرا، فاعتبروا صنيع نقاش أول مسرحية عربية.
يتساءل الكاتب هل قصد نقاش الأوبرا فبلغ المسرحية؟ أهي أوبرا كما أرادها النقاش أم هي ملهاة كما رآها مؤرخو الأدب؟ ويخلص الكاتب إلى رأيين، الأول هو أن البخيل ملهاة لا غش فيها، والثاني يعتبره اكتشافاً بأن البخيل نوع من أنواع الأوبرا.
البخيل هي كوميديا مغناة، يمكن أن يلقيها الممثلون إلقاء من دون غناء، لكن هل يمكن أن نصفها بأوبرا كوميدية أو هل البخيل أوبرا؟ بعد تعريف الأوبرا والدراسة التي قدمها الكاتب يقول: ليست البخيل بالطبع أوبرا، لكن إذا عدنا إلى التعريف الأكاديمي للأوبرا لرأينا بالمقارنة بينها وبين البخيل، أنها تملك مقومات الأوبرا، الشعر الدرامي الذي يضطرب كلاماً ما بين حوار وسرد ومونولوج، والعمل الدرامي الذي يتوتر جرياً إلى حل عقدة وختام، والكلام الملحن المغنى كله، لكن البخيل هزلية وليست عملاً مأساوياً، أيكفي تلحين كلام البخيل كله يؤديه الممثلون غناء حتى يحل الغناء محل الموسيقا؟! إلا أن البخيل لم ترافقها موسيقا حية من عود ودف ومزمار وكمان، لذلك ليست أوبرا خالصة، ويتساءل الكاتب هل تكون نوعاً من الأنواع التي انحرفت عن الأوبرا؟.
ثم يقارن مع مسرحيتين لنقاش بأنهما ملحنة فقط، يعني بعض كلامهما شعر مغنى والبعض الآخر نثر ألقاه الممثلون إلقاء، فالمسرحيتان ليستا أوبرا، وليستا فيهما نوطة موسيقية لمختلف مقاطع المسرحيتين.
من دون شك قدّم النقاش ثلاث مسرحيات هي «البخيل» و«أبي حسن المغفل» و«هارون الرشيد» و«الحسود السليط»، إذ قدم المسرحية الأخيرة في المسرح الشهير الذي أنشأه في بيروت، ولما كان التأليف المسرحي جديداً في الثقافة العربية وجهل النقاش به، حاول الكاتب تقصي حقيقة مسرح النقاش، لاسيما في طريقة تأليفه للعمل الدرامي، إذ هو واسطة العقد في المسرحية الحقة، ومن دونه قد تكون عرضاً مسرحياً ما، لا مسرحية على النمط المألوف منذ الإغريق وحتى اليوم.
لقد تعلم النقاش اللغة التركية والإيطالية والفرنسية وكان مطّلعاً على مشاهدة العروض الأوروبية وقراءتها، فقد أخذ عن المسرح الغربي طريقة تقطيع المسرحية إلى فصول، والفصل إلى مشاهد سمّاها أجزاء، فهو أول من سمّى الفصل في المسرحية فصلاً، وجعل البخيل خمسة فصول على غرار المسرح الكلاسيكي الفرنسي، وكلا المسرحيتين التاليتين إلى ثلاثة فصول، في حين أن اللغة في مسرحياته تتبع مكانة الشخصية وتليق بمستوى الشخصية الاجتماعي والثقافي والأخلاقي والمهني، فاختار النقّاش ثلاثة مستويات للغة، وهي: فصحى على لسان السادة، وفصحى قريبة من العامية على لسان بعض الخدم، وعامية أقرب إلى السوقية على لسان أم ريشا في مسرحية البخيل.
من هنا يمكن القول: إن المسرح العربي بدأ كلاماً موزوناً ذا إيقاع موسيقي، ثم تغير تدريجياً مع التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلى مسرح نثري طابعه سياسي مقاوم في فترة الاستعمار.