2013/05/29
لؤي ماجد سلمان – تشرين
أعادت بعض المحطات السورية الأرضية والفضائية عرض مسلسل «لإخوة التراب»، الذي تم إنتاجه عام 1996،
وعرض وقتها على عدة محطات فضائية خليجية، إلا أن عرضه توقف آنذاك نتيجة الضغط التركي على تلك المحطات. «أخوة التراب» الذي كتب السيناريو له حسن م يوسف، وأخرجه المبدع نجدة إسماعيل أنزور، قامت وقتذاك ببطولته كوكبة من الفنانين السوريين منهم أيمن زيدان، خالد تاجا، زهير عبد الكريم، وسوزان نجم الدين. دارت أحداثه حول تجنيد الشباب العربي لخدمة مصالح المستعمر العثماني، وسوقه لمحاربة الانكليز خلال الحرب العالمية الأولى، هنا لا بد من التوقف وأخذ نفس عميق تجاه عمل درامي ملحمي كان له الأثر الواضح في تغيير مسار الدراما السورية، ليس من حيث الموضوع والهم القومي المشترك تجاه الدول التي سعت لاستعمار الوطن العربي ونهب ثرواته فحسب، بل من خلال معالجة النص بشكل درامي بعيد عن الإطالة والحشو، لتحويل العمل إلى ثلاثة أجزاء أو أربعة بإدخال قصص وحوادث فردية لا تخدم النص، مع حرص المؤلف على عدم إهمال المفاصل الرئيسة والأحداث التاريخية لتلك المرحلة، حيث قدم هذا العرض التلفزيوني اللافت محاكاة للتاريخ والأحداث في حقبة مظلمة، مستعرضاً تاريخاً يجهله الكثيرون، مدعمّاً بحقائق موثّقة كما أشار المؤلف أكثر من مرة، ولاسيما ما كانت تقوم به سلطنة الباب العالي تجاه العرب من جرائم إحراق وقتل وإبادات جماعية، فالكاتب لم يصنع التاريخ كما ذكر، بل قدمه من دون رتوش وفق وثائق، ويمكن الجزم أن الكثيرين من متابعي ما عُرف بدراما «البيئة الشامية» أو «الفنتازيا» لا يعرفون ماذا يعني يوم السادس من أيار، ولا الجريمة التي ارتكبتها السلطات العثمانية بحق الوطنيين في كل من دمشق، وحمص، وصيدا وبيروت، ويافا والقدس، ولا عن المشانق التي عُلقت في ساحة المرجة في دمشق وساحة الحرية في بيروت، أو المحكمة الصورية التي أقامها جمال باشا السفاح في «عاليه» لإعدامهم شنقاً بتهمة «الوطنية» والتحرر من الاستعمار ومطالبتهم بفصل البلاد العربية عن الدولة العثمانية التي كانت تستعبدهم وتستغلهم في حروبها وتسرق خيراتهم، وربما البعض يجهل حملات الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي بحق الأرمن، التي طالت مليوناً ونصف المليون من الشعب الأرمني بتهمة الانتماء الديني فقط، بل ما زالت الصور والوثائق في الفاتيكان شاهدة على تعليق الأمهات الأرمن على الصليب عاريات. جرائم لم يشهد لها حتى تاريخ الغابة مثيل، أيضاً السفربرلك لاحتلال مصر و زج العرب كدروع بشرية في مقدمة الجيش العثماني لمحاربة بريطانيا. جرائم كثيرة، ممارسات عنيفة، أحداث حقيقية نقلتها لنا كاميرا نجدة أنزور في إطار ملحمي لتروي لنا قصة الثورة العربية تجاه الاستبداد الأرطغرلي، بصورة متطورة جداً، ووفق فلسفة بصرية عُنيت بالحس الجمالي، واستخدمت عناصر إبهار كاملة من شأنها تغطية نقط الضعف الإخراجية في الدراما العربية، فقدمت لغة فنية جديدة عالية، حيث تشعر عين المشاهد بالحس الجمالي الذي كانت تفقده الصورة في المسلسلات العربية عموماً، فبدأت هذه الأعمال تشكل منعطفاً مهماً في مسيرة الدراما السورية. حتى إن الأعمال الجديدة سارت على النهج ذاته في حديث الكاميرا لكن من دون النص، إذ لم نجد أعمالاً أخرى اهتمت بالتاريخ أو الهم القومي، ولم تقدم الدراما أعمالاً تحتوي على مضامين فكرية أو تاريخية من شأنها توحيد الصف العربي، أو على الأقل إعادة قراءة التاريخ للأجيال الجديدة لتدرك حجم خسارتها، وما طالها من عمليات سلب ونهب وعنصرية طالت الجغرافيا والثقافة، وحوّلت الإنسان العربي إلى تابع، بالطبع هي مسؤولية جماعية لكنها تقع أولاً على عاتق كتّاب الدراما وصناعها، فمن حق المشاهد العربي أن يشاهد أعمالاً ملحمية أخرى تختلف كل الاختلاف عن ملحمة «باب الحارة» وأرطال «أبو عصام» وأطباق «أباوته»...هكذا تصير الدراما في «أخوة التراب» بمنزلة وثيقة تاريخية على همجية المستعمر العثماني وظلمه، فتصير الصورة قادرة على مقارعة البطش السلجوقي وتعريته حتى في أيامنا هذه، فالتاريخ يعيد نفسه في لبوسٍ آخر، فهل من جزءٍ ثالث من «أخوة التراب»؟.