2012/07/04
محمد أمين – الوطن السورية
في دروب حياة اثنين من مبدعي السينما نبحر من خلال كتاب حمل عنوان «أنطوني كوين ومصطفى العقاد.. الممثل الأسطورة والمخرج المسكون بالتاريخ» وقد تشابهت الملامح الأولى في حياة كل منهما- كما يذكر المؤلف في مدخل كتابه- على تباعد واختلاف البيئة الاجتماعية والثقافية التي انطلقا منها ويضيف: لقد وحد الفقر كليهما وقادهما في دروب البحث عن الذات ومقارعة قسوة الحياة ومرارتها وحين توهج حلم السينما في المخيلة كان هذا الحلم ممتلئاً بالمستحيل إلى درجة لا تصدق وإلى حد لا يمكن معه أن يتحقق يوماً إلا بمعجزة خارقة لكن رغم ذلك كله.. استطاع الاثنان أن يحققا تلك المعجزة.
لقد تقاطعت حياة كوين مع حياة العقاد في نقاط كثيرة فالأول مكسيكي الأصل يغامر ذات مرة بمستقبله المهني بعد أن أضحى ممثلاً مشهوراً حين قرر جمع تبرعات لاستئناف حكم أميركي جائر على اثنين وعشرين شاباً من مواطنيه ونجحت مساعيه في إطلاق سراحهم والثاني عربي انتمى إلى أمته وتاريخه فرفض أن يستبدل اسمه العربي بأي اسم آخر يمكن أن يحقق له هوية أخرى كما رفض أن يقدم ما يسيء إلى تاريخ أمته.
ويتابع منصور: لقد التقى أنطوني كوين ومصطفى العقاد في فيلمين عظيمين شكلا نقطة تحول في مسيرة كليهما.. فبعد (الرسالة) و(أسد الصحراء) اعترف كوين أن العرب جددوا نجوميته وبالمقابل كان العقاد المخرج العربي الوحيد الذي عمل كوين بإدارته.
في الفصل الأول من الكتاب، الذي حمل عنوان «طفولة الفقر والتشرد.. ومطاردة الحظ».
ويبحر في حياة كوين ونجوميته «التي تصنعها وسامة جاهزة ولا نوعية رائجة من أدوار القوة والمغامرة ولا سيناريوهات تفبرك البطولات الخارقة أو قصص الحب الملتهبة» لقد جسد كوين أعظم الشخصيات الإنسانية والروائية من زوربا اليونان وأحدب نوتردام الفرنسي وزامبانو الإيطالي وحمزة عم الرسول عليه الصلاة والسلام وصولاً إلى شخصية الثائر الشهيد عمر المختار.
ولد كوين في شهر نيسان عام 1915 في المكسيك حيث كانت نيران الثورة مشتعلة والفقر والدمار يعمان أنحاء البلاد وفي عام 1919 توجه الأب بالعائلة إلى كاليفورنيا حيث استقرت في حي معدم في مدينة لوس أنجلوس على بعد أميال من هوليوود وكان على أنطوني الذي لم يتم السادسة من عمره أن يعمل في مسح الأحذية وبيع الجرائد بعد أن عجز الأب عن تأمين القوت اليومي للعائلة.
وبعد وفاة والده قرر ألا يموت ميتة أبيه الهامشية المنسية وتنقل في عدة مهن وضيعة من تنظيف المراحيض وصقل النوافذ إلى مسح الأرض وتنظيف بقايا اللحوم في معمل للمعلبات.
وقد بدأ تماسه بالسينما في سن الثالثة حيث كانت جدته تأخذه إلى السينما لمشاهدة أفلام الممثلين أنطونيو مورينو ورامون نوفارو وكانت تدعو ربها قائلة: أرجوك يا رب امنح حفيدي مستقبلاً براقاً مثلهما، وحين عمل والده مصوراً في أحد استوديوهات هوليوود حاول أنطوني احتراف الرسم حيث رسم لوحات لنجوم هوليوود وكان يرسلها لهم بالبريد منتظراً وصول الشيكات منهم لكنه لم يتلق سوى جواب واحد من دوغلاس فير بانكس مع ورقة مالية من فئة العشرة دولارات.
كما شارك أنطوني في مسابقة للنحت واحترف التمثيل الإيمائي وبعد ذلك قدمته إلى عالم الفن والموسيقا سيدة تكبره بعشرين عاماً حيث عمل في المسرح وبأدوار ثانوية ولكنه لفت الأنظار إليه رغم ذلك، وفي عام 1936 جاءه الدور السينمائي الأول ولكن فرحته انقلبت إلى خيبة لأن أنطوني لم يكن يملك بدلة كما يتطلب منه الدور ولكنه لم ييئس وظل مصراً على تحقيق حلمه حيث أتاحت له الأقدار فرصاً عديدة فقد تزوج ابنة أحد المخرجين الكبار (سيسيل دي ميل) وفي عام 1941 فقد أنطوني ابنه ذي الثلاث سنوات فأغرق نفسه بالتمثيل لينسى مأساة فقدان ابنه البكر فشارك في العديد من الأفلام حيث أصبح من نجوم هوليوود المعروفين على مستوى العالم.
في عام 1962 كان لقاء أنطوني الأول مع شخصية عربية حيث قدم شخصية شيخ قبيلة الحويطات في فيلم (لورانس العرب).
في عقد السبعينيات من القرن الفائت بدأت نجومية أنطوني تخبو بعد أن شارف على الستين حتى جاءه العرض من المخرج مصطفى العقاد لأداء شخصية حمزة بن عبد المطلب في فيلم (الرسالة) ليقول بعد تصوير الفيلم: لم أكن أعرف شيئاً عن الإسلام وفيلم الرسالة جعلني أكنّ لهذا الدين احتراماً كبيراً..
وفي عام 1980 أضاف العقاد جوهرة سينمائية أخرى إلى المكتبة السينمائية العالمية وهي فيلم (أسد الصحراء).. عمر المختار وكان أنطوني كوين معه حيث قدم أفضل أدواره في السينما.
لقد كان أنطوني كوين ممثلاً ورساماً وأديباً وإنساناً كبيراً عاطفياً يؤمن بالعدالة ويقف ضد الظلم والوحشية والكذب والتزييف، وقد توفي في عام 2001.
مصطفى العقاد سيرة عصامي بنى حلمه
في القسم الثاني من كتابه الصادر عن وزارة الثقافة يتناول المؤلف سيرة حياة المخرج مصطفى العقاد المولود في مدينة حلب عام 1933 لأسرة فقيرة وقد جعل منه طموحه بدراسة الإخراج السينمائي في هوليوود أضحوكة لأقرانه في حلب ولكنه بالتصميم والإرادة القوية استطاع أن يحقق هذا الحلم، فقد بدأت قصته مع الفن السابع في منتصف الأربعينيات حيث كان أحد عارضي الأفلام جاراً لعائلته الأمر الذي أتاح له اكتشاف هذا العالم السحري.
وقد ساعده أحد الأميركيين العاملين في حلب بالذهاب إلى كاليفورنيا لدراسة الإخراج بعد أن لمس هوسه الشديد بالسينما.
وقد أهداه والده قبل سفره نسخة من المصحف الشريف ظل يحتفظ بها حتى آخر يوم في حياته وفي الجامعة ضرب العقاد أحد أساتذته اليهود لأنه تحدث بطريقة عنصرية عن العرب وقد عمل العقاد في عام 1955 مراسلاً صحفياً لإحدى المجلات الدمشقية.
وبعد تخرجه أخرج عدداً من البرامج الوثائقية والمسلسلات التلفزيونية وبعد ذلك قدم سلسلة (هالورين) البوليسية فكان أول مخرج عربي تعرض أفلامه في أكثر من 150 دار عرض في الولايات المتحدة الأميركية.
في عام 1968 بدأ العقاد يفكر في تقديم فيلم عن الإسلام يخاطب الغرب من خلاله وبدأت تصويره في عام 1974 واستغرقت عمليات التصوير 393 يوماً في نسختين عربية وإنكليزية، وكان الفيلم حدثاً فنياً كبيراً وتحول إلى مرجع لفهم الإسلام الصحيح.
وفي عام 1981 قدم العقاد «تحفة سينمائية عربية الروح والرؤية والإحساس عالية التقنيات والأداء» وهي فيلم (أسد الصحراء).
كما حقق فيلماً تسجيلاً عن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر مدته أربع ساعات.
ولم يستطع أن يحقق حلمه بتقديم فيلم عن (صلاح الدين) و(عمر بن الخطاب) و(الأندلس) وقد استشهد العقاد في عام 2005 في مدينة عمان نتيجة عمل إرهابي عابث وقد عمت الصدمة والذهول العالم العربي نتيجة وفاته.
وقدم المؤلف في بقية فصول كتابه قراءته لفيلمي (الرسالة) و(أسد الصحراء) وحواراً أجراه معه العقاد في عام 1993 إضافة إلى شهادات به إنساناً وفناناً..