2013/05/29
لينا هويان الحسن – السفير
«أنا هنا ما دمتُ حياً، ومع ذلك عندما يحين أجلي أتمنى أن أرحل بفخامة. لن أقبل بتابوت من خشب الصنوبر يُلقى على عمق ستة أقدام تحت الأرض، ولا مرمدة توضع على رف حجري وتُنسى. لا لقد تفكرت بكل ذلك. أريد أن يحملني أبنائي الاثنا عشر إلى قمة تل في «تشي واوا» ويتركوني هناك لأتعفن تحت الشمس الحارة». بهذه الكلمات المؤثرة يختم انطوني كوين مذكرات حياته الصاخبة.
تصلح حياة أنطوني كوين أن تكون فيلماً شاملاً لكل أنواع الأفلام تقريباً، فيه الميلودراما والعواصف العاطفية والنجاح الباهر، والفشل الذي فيه الكثير من المكابرة أحياناً، ونقد الذات الحقيقي. حياةٌ إنسانية شاقةٌ، وحياة مهنية متقلبة، صعود القمة وهبوط وفترات قلقة وفجأة وميض جديد مدهش..
حاز أوسكارين لأفضل دور ثانوي «فيفا زاباتا، بدور أوفميو زاباتا» للمخرج إيليا كازان، 1952، و«شهوة للحياة» للمخرج فينسان مينيلي لدور لا يتعدى بضع دقائق، العام 1956 في دور المصور غوغان. ورشح لأوسكار أفضل ممثل في «الريح الوحشية» لجورج كيكور، 1957، و«زوربا اليوناني» لميكائيل كاكويانيس 1964.
في هذا الكتاب سيرة ممثل كانت بداية طريقه طويلة، دور الهندي الأحمر الشرير، الشيخ العربي الطاغية، المكسيكي الدموي. وقف أول مرة أمام الكاميرا مع الكومبارس في مشهد في فيلم « طريق الحب» بطولة هارولد لويد، ظهر بعدها في فيلم صامت «وعد شرف» في لقطة لا تتجاوز خمساً وأربعين ثانية حيث يُطعن ويهوي بعدها ويموت وهو يضحك. وأول فيلم نطق فيه بسطر كان فيلم «رجل السهول» من إخراج سيسيل دي ميل.
انطوني كوين الذي اختاره ايليا كازان ليحل محل مارلون براندو في مسرحية «عربة اسمها الرغبة» أدى الدور بنجاح كبير. وفي سيرته يأتي على ذكر مارلون براندو في أكثر من عشرة أماكن فيقول: «كم تمنيت أن أكون حرّاً مثل براندو». ويذكر أيضاً: «طورت في عقلي شكلاً من التنافس الداخلي مع مارلون لم يتغير أبداً. وأظنه نوعاً من الحسد قد تلبَّسني. يا إلهي كم رغبت في امتلاك موهبته! واستقلاليته!».
انطوني كوين يسرد مذكراته بينما يقود الدراجة. ومع كل دورة لعجلات دراجته يدوّر ذاكرة أخرى، الدراجة التي يقودها عبر مذكراته بسرعة متوازنة منتبهاً إلى عدم زيادة سرعته: (إذا ما سرت أسرع فإنني ربما أتجاوز أمراً ما مهماً، وإذا ما أبطأت فإن حياتي يمكن أن تتجاوزني).
المذكرات التي كتبها انطوني كوين بالاشتراك مع دانييل بيسنر، تقدم عالماً متنوعاً ومتحركاً ومدهشاً لقارئ شاهد انطوني كوين في أدوار شهيرة. يروي كوين حياته في استوديوهات التمثيل وحقائق فن السينما وتحدياته إضافة إلى حياته العائلية بمآسيها وأفراحها حتى تأتي تلك اللحظة الأخيرة بعد أكثر من أربعمئة صفحة فيحكي كوين لنا بثقة نهائية كيف حدد التل على الخريطة لأوصيائه، حيث يتمنى أن يدفن فيقول: «سأُمدد لأرتاح على قمة التل، متحولاً وليمة للنسور. يعود أبنائي ليعيشوا حياتهم، وستحاول الطيور أن تنقذ ما تبقى مني. ستحلق بي وتذرفني فوق الريف بكامله، معيدة إياي إلى الأرض التي نشأت منها، حيث سأصير جزءاً من كامل المكسيك وللأبد».
الكتاب انطوني كوين راقص التانغو، سيرة شخصية، ترجمه: عبد الرزاق العلي، صادر حديثاً عن وزارة الثقافة دمشق.