2012/07/04
محمد محسن- الأخبار ملأ المقعد الخلفيّ لسيارته بأصناف المأكولات الجاهزة للطهو. لم يكن قد بلغ الثامنة عشرة بعد، ولم يحصل على رخصة قيادة لسيارته الـ«فيات» الجديدة. رغم الطقس الماطر، كان أنطوان الحاج يقطع كل مساء الطريق بين بيروت والقليعات (كسروان)، متوجّهاً إلى مطعم تلزّمه من صاحبه رغم سنّه الصغيرة. كان يحضّر الطعام يومياً ويقيم الحفلات والمآدب الضخمة وهو لا يزال طالباً في «المدرسة الفندقية». «الشيف أنطوان» ليس مجرّد معدّ لموائد الفنادق... الرجل الذي أصبحت إطلالته التلفزيونيّة محطة ثابتة في المنازل، يصف ميله إلى فنّ الطبخ بـ«الفطري». بين مطبخ بيته القروي المتواضع في قرنايل (بعبدا ــــ جبل لبنان)، ومطابخ ملايين البيوت عبر الشاشة، كانت المسافة محفوفة بالعزيمة وشغف نادر بحرفة الطعام. حين كان طفلاً، كان يحلم بتأسيس معمل للحلويات. «من قطعة زلابية ومعكرون» بدأت رحلة الشيف مع العلوم الفندقية. معلّمته الأولى كانت والدته. هذه الأخيرة نصّبته مساعدها المطبخي لشؤون الحلويات. كانت تقبل طلبه لمساعدتها في إعداد الحلوى المنزليّة. أمّا هو فلم يعبأ باستهزاء بعض أترابه الذين عيّروه بهوايته: «بكرا بتصير ريحتك بصل وثوم»، كانوا يقولون له. قبل أن ينال الشهادة المتوسطة، توجّه أنطوان برفقة والده إلى «المعهد الفندقي» في الدكوانة. تعرّف هناك إلى مديره الذي «أصرّ على تعليمي كل فنون الطبخ، فيما كانت رغبتي محصورة في الحلويات»، يخبرنا. بدأت الرحلة الأكاديميّة في المطبخ عام 1967، ودارت رحاها بين المدرسة الفندقيّة ومدن العالم. لم يوفر أنطوان الحاج مطبخاً عالمياً إلّا درس أصوله، قبل أن يطبّق عليه لمساته الخاصّة. درس في لوزان (سويسرا) ثمانية أشهر، وفي إيطاليا خاض دروساً تطبيقيّة في المعكرونة والبيتزا. تابع الرحلة باتجاه لندن حيث قضى أيضاً ثلاثة أشهر تعلّم خلالها صناعة أصناف الـ«ستايك» على أنواعها، وفي فرنسا بحث في أنواع الصلصات الكثيرة. مع ذلك، لا يفضل الحاج مطبخاً بعينه... «كلّ الأكل لذيذ شرط أن يكون نظيفاً ويراعي المعايير الصحيّة». في عام 1976، طرح مدير «المدرسة الفندقية» في لبنان على الحاج فكرة تولّي إدارة مدرسة فندقية في العراق. من دون تردّد، قبل الفكرة، وذهب إلى بلاد الرافدين، حيث أمضى عامين، دخل خلالهما القفص الذهبي. فور عودته إلى لبنان، تعاقد مع المعهد الفندقي. «درّست صف إنتاج المطبخ، وعلم التغذيّة، وعلم الخمور»، يخبرنا. بدأ نجمه يسطع في مجال التعليم الفندقي، قبل أن يصير من أبرز المسهمين في تحسين المطبخ العسكري. كيف لا، وقد مرّ على صفوفه أكثر من 500 عسكري أرسلهم الجيش اللبناني ليتدرّبوا على الفنون المطبخية؟ أمّا فصول قصة ظهوره التلفزيوني فبدأت عام 1995، يوم جاء مخرج شاب اسمه شربل خليل من محطة «أنتين بلوس» إلى «المدرسة الفندقية». سأل عن طبّاخ يمكنه الطهو مباشرةً على الهواء. تراجع كثيرون أمام سطوة الكاميرا والبث المباشر، إلا الشيف أنطوان. قبِل عرض المحطة وكان أوّل طباخ يظهر على الشاشة الصغيرة في لبنان. صاغ برنامج «مأكول الهنا» شخصية الشيف أنطوان الإعلامية: طبّاخ ماهر وكل سؤال له جواب عنده. لا يتوانى عن إعطاء إجاباته بلهجة جبليّة يفاخر بها. حلقةً بعد حلقة، ازدادت خبرته، حتى بات يستطيع تقديم نصائح مباشرة. «الأهم هو الهدوء والسيطرة على العمل ومعرفة المواد التي استهلكت في الطبخة، والمواد التي لم تستهلك بعد»، هذا سرّه الصغير. في عام 2000، انتقل الشيف أنطوان إلى «تلفزيون لبنان» مع البرنامج، ودخل مرّة ثانية إلى القفص الذهبي. رغم شهرته الكبيرة، رفض عروضاً كثيرة قدّمت له من شاشات محليّة وعربية، فهو مقتنع بـ«تلفزيون لبنان». «الراتب ليس كل شيء. أنا مدين للدولة وابنها. تعلّمت في مؤسساتها وأريد أن أوفي ما عليّ تجاهها»، يقول. العمل مع الدولة ليس محصوراً في التلفزيون، إذ يشغل الشيف أنطوان حالياً منصبين في معهد العلوم الفندقية: الأول هو رئيس الدروس التطبيقية، والثاني هو مدير لهذه الأعمال. يرى الشيف أنطوان أن «الرجل أقدر على تعلّم فن الطبخ من المرأة». نظرية تستفزّك للسؤال عن أسبابها. يجيبك بثقة: «علم الطبخ واسع ويحتاج إلى تفرّغ. يحتاج الطبّاخ إلى 15 ساعة من العمل في بعض الأيام». الحديث لا يستفزّ زوجته، بقدر ما تستفزّها بعض المواقف في الأماكن العامة: «بعض النسوة يسألن عن وصفات حتى وإن كنّ في عزاء!». تتلمذ على يدي الحاج أكثر من 400 طالب، منتشرين في الفنادق الضخمة في لبنان. منذ 32 عاماً، مرّ على صفوفه معظم الطباخين في البلد. خبرة تسمح له بتقويم الواقع الفندقي في لبنان. برأيه «يحتضن القطاع مواهب كثيرة، لكنّه يحتاج إلى التطوير والتجهيز. المبنى في «المعهد الفندقي» قديم، والآلات بعضها قديم أيضاً»، يخبرنا. يعترض على جعل مدّة نيل الشهادة في الفندقية ثلاث سنوات بدلاً من ستّ. يبرّر ذلك «علمها واسع جداً، تخيّل أن في المطبخ الفرنسي وحده أكثر من أربعة آلاف نوع من الصلصة. لا نتعلّمها كلّها، لكن قد يحتاج الطباخ إلى وقت لحفظ الأسس». أمّا نصائحه إلى ربّات المنازل فكثيرة. أصلاً هنّ هدفه الأوّل في وصفاته. يجب أن تلائم الطبخة جميع الظروف: «أن تسهِّل على ربّة المنزل العاملة طبخها بسرعة، وبالشروط الصحيّة نفسها، إضافةً إلى أنّه يجب تقديم وصفات لربّات المنازل اللواتي يخصصن وقتاً أطول للطبخ». وصيّة الشيف أنطوان للجميع هي الآتية: «لا تأكلوا الخضر والفاكهة خارج موسمها، أمّا النظافة والشروط الصحيّة... فهي من المقدّسات في الطبخ».