أنا

فجر يعقوب - الحياة يثير توقف فضائية «أنا» عن البث ونزولها طائعة من الفضاء العربي المثقل بالكثير من المحطات المطلوبة، نوعاً من التساؤل الصعب في زمن تلفزيوني يبدو أنه أسهل بكثير مما نتصور. فالمحطة المذكورة لمن لا يعرفها كانت تعنى بشؤون الأسرة والمجتمعات العربية، فتستدعي من أجل هذا الغرض باحثين وعلماء اجتماع ومربين ومختصين ليدلوا بدلوهم في مختلف القضايا المطروحة على هذه الأصعدة. ربما لم تكن محطة من النوع «الخارق والاستثنائي»، ولكنها حاولت بكثير من الجهد أن تختلف عما هو سائد. حاولت وهي حديثة العهد، اذ لم تكمل عاماً واحداً من عمرها، ألا تنغمس في متطلبات السوق التلفزيونية، ليس بدعوى أنها لم تكن تهتم بالعائدات التي قد تعينها على البقاء والاستمرار في زمن محطات تلقى رواجاً ودعماً وتشجيعاً واستمرارية من قبل حكومات ومؤسسات بشكل يثير الأسى، إن لم نقل الشبهات أيضاً. القائمون على محطة «أنا» برروا نزولهم من الفضاء، بعدم قدرتهم على الاستمرار في دفع مستحقات بقائهم معلقين هناك، ناهيك عن عدم القدرة على دفع مستحقات العاملين فيها. والحقيقة أن الأرجح هو أن بعض الجدية التي كانت تحاول أن تتميز بها هذه القناة الموؤودة دفع بها إلى هذا المصير. ومن المؤكد أن العالم الفضائي العربي لن يفتقدها بكثير أو بقليل، فلديه مشاغله وهمومه «الكبيرة» أيضاً. «أنا» واحدة لم تصمد في زمن فضائي متغير يقوم على الفك والتركيب، زمن نكون فيه بكل بساطة أسرى كل ما هو سهل وشائع وسطحي. وسقوطها من الفضاء، وصمود فضائيات أخرى تروج للشعوذة الفنية والطبية والإعلانية والاستهلاكية يعني أن الزمن التلفزيوني ليس وفياً لبعض القضايا الساخنة والجادة، وهو ليس مطلوباً منه في كل الأحوال أن يكون متجهماً وعسيراً وعاقد الحاجبين، ولكن يمكن من باب الانتصار للتعددية والأفكار تخصيص «موازنات» تنتصر بدورها لمثل هذه المحطات اليتيمة. لا نعرف من سيكون مسؤولاً عن مورد هذه الموازنات، فمزاج الكثير من الجمهور العربي الذي ينشئ خسارات لا تحتمل في رسائل الهواتف النقالة الفارغة من كل محتوى، لا يذهب بالتأكيد إلى محطة مثل (أنا)، إذ يبدو عسيراً على هذا المزاج أن يتقبل نقاش قضايا مهمة فيها شيء من الانفتاح على مشاكل مجتمعية تطاول مختلف الفئات العمرية في عالم عربي واحد. خطأ «أنا» على ما يبدو هو أنها لم تبد مستسلمة تماماً للزمن التلفزيوني السهل. أرادت بشيء من التواضع والعناء أن تختلف قليلاً عما هو سائد، فسقطت، وسقوطها لم يحدث دوياً أو نأمة من أي نوع، فالفضاء العربي زاخر بمختلف الأصوات، ومن مختلف العيارات والأشباح، ومسحة ضوئية واحدة تكشف أن آلاف الرسائل والاتصالات تذهب دائماً في الاتجاه المعاكس.