2013/05/29
جـــوان جــــان – البعث
> عوّدنا تاريخ الآداب والفنون أن تفرز كلّ مرحلة كتّابها وفنانيها الذين ولدون من رحم الأزمات والمشاكل والقضايا المديدة أو المؤقتة التي تعاني منها المجتمعات على مرّ العصور، وهذه سنّة الحياة التي لا مناص منها ولا مهرب.
وباعتبار أن المسرح كان باستمرار المرآة العاكسة لنبض الشارع ولطبيعة الثقافة السائدة في كل مرحلة من المراحل، كان لا بدّ له أن يأخذ دوره الكامل في رصد وتوثيق وتسجيل التفاصيل الصغيرة والقضايا الكبيرة التي اهتمت بها المجتمعات في تطوراتها وتبدلاتها.
وبطبيعة الحال كان لا بدّ من بعض الاستثناءات التي تحاول عن قصد أو دون قصد أن تعطي صورة على غاية من التطرّف والبعد عن الواقع قيمياً وأخلاقياً، ناهيك عن المطبات الفنية التي وقعت بها وهي تلهث وراء تشويه الوقائع بشكل لا تسويغ له.
وفي هذا الإطار ثمة ظاهرة يُخشى من أنها أصبحت مستشرية بين بعض الشباب الجدد الذين يحاولون دخول مضمار الكتابة المسرحية، وهذه الظاهرة تتجلى في عدد من النصوص التي لم يجد معظمها الطريق إلى الخشبة أو الكتاب حتى الآن –وللّه الحمد- وهي نصوص تعمل جاهدةً على ترذيل المجتمع المحلي وتقديمه بصورة انحلالية لا مثيل لها حتى في أكثر الدول انفتاحاً في العلاقات الاجتماعية.
هذه المحاولات في الكتابة بهذا الأسلوب نلمسها بشكل واضح عند نفر من مسرحيينا الأكاديميين الذين يُفتَرض أنهم يملكون من الوعي ما يجنّبهم السقوط في شرك مثل هذه الكتابات التي لا تعكس سوى الأمراض النفسية المزمنة التي يعاني منها أصحابها، في الوقت الذي تنتفي فيه هذه الظاهرة عن كتّابنا الشباب من الهواة الذين أحبوا المسرح وعشقوه ومارسوه بعيداً عن قاعات الدرس والتدريس .
هذه الكتابات الموتورة والمتشنجة والمتجرّدة من أي رادع اجتماعي تلقّفتها في فترة من الفترات جهات (ثقافية) أوروبية كانت تعمل بنشاط في سورية فتبنتها نصاً ومن ثمّ عرضاً، والمتابع لها لن يخفى عليه أن القاسم المشترك بينها هو تقديم صورة الإنسان السوري بشكل مشوّه، مع التركيز على تسليط الضوء على أمراض اجتماعية محدودة وعلى شخصيات مطلقة السلبية وتظهيرها وكأنها تمثل المجتمع السوري برمّته حتى ليظن متابع هذه الأعمال أن هذا الشعب عبارة عن مجموعة من المنفلتين أخلاقياً واجتماعياً، وأن حياته كلها محصورة في الارتكابات والتجاوزات التي لا يمكن أن نرى لها مثيلاً في أي مجتمع إنساني متحضّر أو حتى غير متحضّر .
لسنا من أنصار تقديم مجتمعنا في أعمالنا المسرحية، والدرامية عموماً، بشكل معقّم، وكأنه لا توجد عندنا مشاكل تستحق الطرح والمعالجة، فقد دعونا دائماً إلى أن يكون العمل الفني ملتصقاً بأرضه وناسه وهوائه، معبّراً عنهم وعاكساً لمعاناتهم، لكننا لسنا بالتأكيد مع تشويه صورة مجتمعنا وإنساننا وتعميم الرذيلة وجعل مفرداتها سلوكاً طبيعياً في دقائق الحياة اليومية وعند الجميع كالماء والهواء .