2012/07/04
أسامة عسل - البيان على مدى سنوات طويلة تنوعت أفلام الكوارث في عالم السينما، فثمة أفلام الكائنات الوحشية (طيور وزواحف وحيوانات شرسة سواء المنقرضة منها مثل الديناصورات أو الحديثة مثل القرود والثعابين الضخمة الشرسة والمثيرة للفزع)، وثمة أفلام غزاة الفضاء بأشكالهم الغريبة وأسلحتهم الفتاكة، وثمة أفلام الأهوال الطبيعية مثل الزلازل والحرائق والبراكين والفيضانات والأعاصير. والملاحظ أن معظم هذه الأفلام، باتجاهاتها المتنوعة، تسير في بنائها على وتيرة واحدة: الحياة المألوفة العادية في مكان يعيش باطمئنان، لكن فجأة تظهر بعض الظواهر غير الطبيعية، وشيئا فشيئا يدرك البعض أن خطرا ما يتهدد البشر، خطر غامض تبدو آثاره واضحة من دون معرفة مصدره.وغالبا يؤجل المخرج وكاتب السيناريو الكشف عن مصدر هذا الخطر أطول فترة ممكنه كي يزداد عنصر التشويق في الفيلم، وأخيرا يتجسد الخطر جزئيا، ثم كليا، ومع المواجهة تتوالى نوبات الرعب وتتزايد عنفا. الخبرة التقنية تراكمت الخبرة بهذه النوعية من الأفلام التي تلقفتها السينما الأميركية من (المدرسة التعبيرية الألمانية) ومع التمكن التقني في استوديوهات هوليوود، ازدادت أفلام الكوارث وضوحا وتجسيدا، حتى إن المتفرج يسمع طقطقة النيران وهي تسري في هذا المكان أو ذاك أو يشاهد انفجار البراكين . وهي ترمي بحممها عليه، وعن طريق الكمبيوتر صار من الممكن تصوير الآلاف من الأطباق الطائرة وهي تغزو كوكب الأرض، أو التعامل مع أهوال الطبيعة بما يوحي بنهاية العالم، أضف إلى هذا ما تتمتع به شركات الإنتاج الأميركية من ثراء يجعلها قادرة على حشد كتل بشرية ككومبارس، فضلا عن جاذبية وكفاءة نجوم هوليوود التي لا شك فيها. الربح المادي ولا يخفي صناع السينما العالمية أن هدفهم الأساسي هو الربح المادي وبالتالي لا تهم نوعية موضوعات الأفلام التي يقدمونها للجمهور طالما أنها تعيد لهم تكاليف ما دفعوه من ميزانيات الإنتاج وفوقها الأرباح، وبالتالي توالت موجات أفلام الكوارث التي ظهرت مرة أخرى منذ سبعينيات القرن الماضي . وأعادت لدور العرض الأميركية والأوروبية ازدهارها بعد أن جذب التلفزيون جمهور الصالات السينمائية وحققت تلك الأفلام أرباحا كبيرة جدا، وكلما زادت مساحة الخراب والدمار وأعداد الموتى في الفيلم نتيجة كارثة ما زاد عدد المتفرجين وبالتالي زادت الأرباح أكثر. القيمة الإنسانية ومع اتساع موجات النقد الموجهة ضد أفلام الكوارث التي لا تهدف إلا لإثارة الهلع، وبفضل العديد من الكتاب والمخرجين الموهوبين، ونتيجة لرغبة السينما الأميركية واستيعابها للسينما الأخرى، أخذت هذه النوعية من الأعمال تدعم نفسها بطاقة هائلة استمدتها من الكوميديا والرومانسية. وجملت نفسها برؤية نقدية سياسية واجتماعية، كما حاولت ـ أحياناـ أن تضفي على نفسها قيما إنسانية، ولعل النماذج التي شاهدناها في العام 2009 . وبداية العام 2010 تسير في هذا الاتجاه، فأفلام مثل (2012) و(كتاب إيلي) و(الطريق) تنطوي تحت هذا المجال، وتدفع بفكرة أن العالم سينتهي في لحظة من اللحظات لسبب أو لآخر قبل أن يحاول مجموعة من البشر النجاة من الكوارث المختلفة، وغالبا ينجو بعضهم في حين يموت الآخرون لأسباب مختلفة. كما أن ثمة رسالة تريد أن توصلها هذه الأفلام بطريقة أو بأخرى، وهي بشكل مختصر أن على الجنس البشري أن ينتبه إلى عدم تدمير نفسه بالحروب والظلم والاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا وتخريب البيئة. وأن كل شيء سلبي يقوم به سينعكس بالتالي على مستقبله، فثمة دمار مقبل مرتبط بتوحش التكنولوجيا، ونسيان الإنسان لذاته، وغلبة الماديات الجافة في تعاملاته، وتحوله من كائن له خصوصية إلي حيوان بسلوكه وصفاته . ولكن في شكل إنسان. وعلى الرغم من اختلاف مضامين الأفلام الثلاثة، إلا أنها تعلقت بنظريات وتنبؤات عن مخاطر تهدد حياة البشر، وتحتاج إلى التوقف والتأمل والرصد مع ألفية جديدة تدفع إلي القلق والمخاوف من متغيرات الطبيعة وما تفرضه التوقعات من كوارث غرائبية كونية. نهاية العالم احتل فيلم (2012) المركز الأول في قائمة أفضل 10 أفلام تم عرضها في صالات السينما بالإمارات عام 2009 بإيرادات تخطت 13 مليون درهم، وتدور أحداثه لمن لم يشاهده حول نهاية العالم وما سيحدث من كوارث وانقلابات تهدم كوكب الأرض من إخراج رونالد إيميرتش ومن بطولة جون كوساك وأماندا بيت. وتميز موضوعه بما أثاره من أفكار نبهت إلى متغيرات كونية تحدث في السماء والبحار والمحيطات وجوف الأرض، وأجاد طاقم صناعه استخدام المؤثرات البصرية والسمعية التي مهدت إلي طوفان جيولوجي هدم كل شيء، بداية من المباني التي تتحطم فيكاد التراب يتناثر على عينيك وأنت تشاهدها. والموجات البحرية التي تدمر جبال الهمالايا فيكاد الرذاذ يبلل ثيابك، أو الطائرات التي تنفجر فيأخذك الانفجار مترين إلى الوراء، هذا بخلاف الزلازل التي تحدث شروخا عميقة تأخذك إلى المجهول، أو البراكين التي ترمي بمقذوفات نارية تحرق وتشوي كل الكائنات الحية. القدرات التقنية جمال التقنية وروعتها في هذا الفيلم وقدرتها على جذب أنفاس المشاهد إلى أقصى الدرجات، تجسدت في مشهد رائع الجمال يقف فيه الرئيس الأميركي (وهو أسمر البشرة على سبيل الرمز للرئيس الحالي باراك أوباما) والرماد البركاني يغطي كل شيء من حوله، يقف أمام البيت الأبيض بعد عاصفة رهيبة. ويشاهد موجة بحرية كبرى تحمل سفينة حربية تتجه نحو البيت الأبيض نفسه، لتسحق كل شيء وتفنيه. ومشهد شديد الجمال أيضا هو مشهد ولادة بركان جديد، إذ يقف أحد أبطال الفيلم وهو مذيع أخبار مجنون يكاد يكون أول العالمين بالكارثة، على قمة جبل صغير، ينظر إلى الجبال الأخرى من حوله وأشجارها تسود من الحرارة، قبل أن تبدأ الأرض بالتحرك كأنما هي أمعاء تتلوى، ليصعد البركان كأنما يولد من بين التلال، وينفجر مطلقا الكثير من الحمم البركانية المتطايرة. كتاب إيلي وإذا كان فيلم (2012) نقل تفاصيل فناء العالم بدقة متناهية، واعتمد في ذلك على حكاية أسطورية لشعب المايا مفزعة ومرعبة، شاهدنا معها لقطة النهاية التي وضحت الكرة الأرضية من بعيد لندرك أن القارة الوحيدة التي نجت دون أي دمار هي القارة الإفريقية. في حين غرقت آسيا وأوروبا والأميركيتين تحت أطنان من المياه، فإن فيلمي (كتاب إيلي) و(الطريق) تناولت حكايتهما ما حدث في العالم بعد نهايته، وما تعرض من دمار وتغييرات شملت كل شيء حتى الإنسان. تبدأ قصة هذا الفيلم بعد 30 عاما من آخر حرب كونية حيث العالم عبارة عن ارض مهجورة ومدن مدمرة والطرق لا تعدو كونها كمائن تستغلها الجماعات الإجرامية وحيث الماء هو أغلى ثروة يحتاجها الإنسان أكثر من حاجته للأديان والحضارة وكأن العالم عاد إلى عصر الكهوف. في هذه الظروف، نرى رجلا يدور وحيدا وهو يتبع صوتا يسمعه منذ سنوات وينبع من أعماقه . كما يقول مطالبا إياه بمصارعة الظروف والبقاء على قيد الحياة لإنقاذ الكتاب المقدس الذي يحمله معه في حقيبة ظهره، ويجسد دوره الممثل البارع (دينزل واشنطن)، حيث حدد اتجاهه إلى الجنوب ليقوم بتسليم الكتاب المقدس الذي يرى أن فيه نجاة للبشرية وعودتها إلى كامل حضارتها. جرى تصوير الفيلم في المكسيك حيث الأراضي الصحراوية التي تملأ الشاشة بفضاء أبيض، وتشبه الديكورات المرتبطة بالتصوير أجواء القمر والخيال العلمي، وبمساعدة الكاميرات الرقمية واستخدام الكمبيوتر نجح المخرجان الأخوان إلبرت وآلان هيوز في الحصول على أجواء غسقية ورمادية اللون مغرقة في الخيال المستقبلي. فيلم الطريق أما في فيلم (الطريق) للمخرج جون هيلكوت فالقصة مختلفة وتتناول حكاية أب وابنه يقاومان من أجل الصمود في منطقة مدمرة لا عيش فيها، وخالية تقريبا من مظاهر الحياة بعد حدوث كارثة غامضة أدت لتدمير الحضارة الإنسانية. حيث تبدأ الأحداث في أعقابها بعد تحول كوكب الأرض إلى غابة جرداء وصحراء قاحلة، تتبعثر فيهما الجثث التي تنهشها الحيوانات الضالة، وتحوم حولها الحشرات، وهو ما يوحي بأن الأرض تعرضت لقوة تدمير هائلة لكن السيناريو لا يحدد توقيت حدوث الكارثة، ويكتفي بالإشارة إليها فقط. وخلال رحلة الأب والابن إلى الجنوب وهو مكان يتوقعان أن يكون أكثر أمنا ودفئا، وبديل عن الجليد الذي يحيط كل شيء ويحول المشهد إلي اللون الرمادي، تظهر الحرائق والجسور المدمرة وعصابات متوحشة تفزع الناس وتعتدي عليهم، بخلاف جماعات آكلي لحوم البشر المنتشرة كإفراز طبيعي لما آل إليه الحال من فقدان لكل متطلبات الحياة. والذي يستحق التوقف في فيلمي (كتاب إيلي) و (الطريق) هو اتفاقهما على أمرين، الأول: هدف الرحلة إلى (الجنوب) والذي يعكس حضاريا حفاظه أكثر من (الشمال) على القيم والمثل ويشكل أمانا مطلوبا، رغم عدم الاهتمام به في تاريخ كل الشعوب وبقاء تخلفه للهيمنة عليه. والثاني: اللون الرمادي المصاحب لتحول الناس إلي آكلي لحوم البشر وتنافسهم في الاعتداء على بعضهم البعض، وقتالهم من أجل الاستحواذ على ممتلكات الغير بالعنف والإيذاء. رسائل ومضامين وتبقى المشكلة المتعلقة بالفلمين وتمتد أيضا إلي فيلم (2012)، هم البشر الذين خلفتهم الكارثة، والرسائل والمضامين التي تريد سيناريوهات تلك الأعمال التنبيه إليها وإحداث صدمة لتراجع الشعوب وفناءها عندما يتم فقدان مقومات الحضارة، وعلى رأسها الثقافة نتيجة إحراق الكتب في (كتاب إيلي). مشاعر الناس وإعمار الأرض كما في (الطريق)، أو حتى بجمع المتبقي من الموروث الثقافي والإنساني والحضاري مثلما تم في الفلك الذي يشبه سفينة نوح في (2012)، لكن المثير للدهشة هو الإيمان الذي لا يغيب عن أذهان البعض في أحلك الظروف والذي يظل نافذة نور يمكن أن تساعد البشرية في الخروج من أزمة نهاية العالم