2012/07/04
دار الخليج - محمد رضا
اختلفت الأفلام التي تعرّضت للحروب المتوالية في الخليج (بدءاً بالحرب العراقية - الإيرانية وصولاً إلى حرب العراق، مروراً بحرب الخليج سنة 1990) عن أفلام الحروب الغابرة، تلك التي قدّمتها السينمات الأوروبية الشرقية والغربية والأمريكية حول الحربين العالمية الأولى والثانية، كما حروب جنوب شرق آسيا، وهي الحروب الأمريكية ضد اليابان وكوريا وفيتنام .
أوجه الاختلاف تكشف عن الاختلاف في آليات الحرب ذاتها، كما في أخلاقيّاتها . حين يذكر المرء، على سبيل المثال، أفلام أندريه بوندراتشوك “حاربوا لأجل وطنهم” (1975) ولويس مايلستون “كل شيء هادئ على الجبهة الغربية” (1930) و”رسائل إيوا جيما” لكلينت ايستوود (6200) ومقارنها بالأفلام التي تم تحقيقها عن الحروب الحديثة، سيلحظ اختلافات جوهرية بعضها، وربما أهمّها، متأتٍ من اختلاف وسائل الحرب ذاتها .
فيلم الروسي بوندراتشوك دار عن الحرب العالمية الثانية . فيلم لويس مايلستون تحدث عن الحرب العالمية الأولى، أما فيلم ايستوود فعاد الى الحرب الأمريكية - اليابانية مستمداً مادّته من التاريخ حسبما سطّره اليابانيون أنفسهم عما حدث فوق جزيرة إيوا جيما .
في المقابل، أي ثلاثة أفلام تدور عن الحروب الحديثة في الخليج ستلتقي بأنها لم تعد تتحدّث عن الحرب إلا من خلال أشلائها وجزئياتها . على سبيل المثال فقط، هناك “جار هَد” (لسام مندَز- 2005) عن حرب الخليج الأولى، و”ثلاثة ملوك” (ديفيد أو راسل- 1999) عن ذات الحرب، و”خزنة الألم” لكاثرين بيغلو عن حرب العراق .
كل واحد من هذه الأفلام نجده اختزل القتال في مشاهد قليلة وتمحور في الأساس حول مصير المقاتلين في جزئيات واقعهم على أرض المعركة . في “جار هَد” رسم المخرج كوميديا سوداء حول مفهوم البطولة، مكتفياً بمعركة واحدة قرب نهايته . “ثلاثة ملوك” مهد بمواقع قتال محدودة ثم انصرف ليتحدّث عن أبطاله الثلاثة الراغبين بمساعدة العراقيين بعدما خدعتهم الولايات المتحدة فأسهموا في مجهود الغزو الأمريكي للعراق ثم تُركوا لمواجهة قوّات صدام حسين المنتقمة .
“خزنة الألم” عن تلك النخبة من مفككي المتفجرات والألغام ويوميات حياتهم في بغداد . موقعة قتالية واحدة تبدو دخلية في ذلك الفيلم (لكنها ليست كذلك) نراها تقع في خارج العاصمة العراقية، أما باقي الفيلم فهو عن عناصر وأجزاء . هو نفسه، تحت إدارة وتنفيذ مخرجة ماهرة، مُصاغ بنفس أسلوب القصّة . هو أيضاً غير مترابط الأجزاء على نحو قصصي مستمر، بل ينتقل بين مشاهده بتركيبة فصلية ذات قريبة من الريبورتاج (مع كتابات على الشاشة ولجوء الى الأسلوب الرقمي لا للتصوير فقط، بل لمنح الفيلم بصمة إخبارية) .
الفاصل الشديد بين المجموعتين يتجاوز السينما إلى الحروب ذاتها، فالحروب السابقة اعتمدت على العنصر البشري فتم إقحام الدبّابات والمدافع الثقيلة والطائرات والبوارج الحربية الضخمة والغوّاصات . الحروب الحديثة تُدار بالأقمار الصناعية والعنصر البشري فيها يتجزّأ على نحو تفاصيل ومهام محدودة، وحتى هذه تتكّل على معدّات تكنولوجية بالغة التقدّم تجعل السلاح الناري مجرّد آلة محدودة الأثر من دون سواها من الآلات .
المطبوع على الشاشة مستلهم من ذلك الاختلاف بدوره: أفلام الحروب السابقة حشدت مئات الكومبارس واحتوت على مشاهد كثيرة من القتال لكي يكون تعاطيها مع الحرب واقعياً، وأفلام الحروب الحديثة خلت من مشاهد المجاميع الكبيرة .
ما بقي واحداً، هو الرسالات التي تضمنتها الأفلام القتالية . هناك أفلام ضد الحرب، أي حرب بصرف النظر عن القائم بها كما حال “كل شيء هادئ على الجبهة الغربية” و”سترة معدنية كاملة” لستانلي كوبريك (1987) و”سفر الرؤيا الآن” لفرنسيس فورد كوبولا، وأفلام مع القوّة العسكرية المحرّكة مادامت موجّهة ضد الأعداء، كما فيلم جون واين “القبّعات الخضر” و”مفجّرو السدود” للبريطاني مايكل أندرسون (1965) وأفلام حول الفرد في المواجهة، كما الحال مع معظم الأفلام التي تناولت الحرب العراقية، حيث غاب التحليل السياسي لدى معظمها، وما وجد كان بالنتيجة معادياً لتلك الحرب .
كذلك فإن قسماً كبيراً من أفلام الحروب الخليجية دارت حول من عاد إلى بلاده من الجنود الأمريكيين وكيف واجه الحياة هناك حين عاد، وكيف فضّل بعد ذلك العودة الى جبهات القتال فقد أصبح أكثر تآلفاً معها .