2013/05/29
محمد قاسم الخليل – الثورة
الحديث عن سينما الجلاء ،يعني الحديث عن نضال الشعب العربي السوري ضد الاحتلال الفرنسي، فالجلاء كان تتويجاً لنضال شعبنا على مدى ربع قرن ونيف ،ولهذا لا نجد في السينما الروائية،أفلاما تتحدث عن الجلاء بشكل مباشر ،
وربما لو فعلت هذا لكانت النتيجة أفلاما لا تستطيع أن تعطي صورة عن الجلاء الحقيقي،وبما صورت شيئا من البطولات الفردية .
هذا المأزق تجاوزته الأفلام الوثائقية ،وهي قليلة إذا أردنا أن نعطي للجلاء حقه عبر السينما الوثائقية ،والسبب ندرة المادة الفيلمية التي يمكن أن يضمنها السينمائيون أفلامهم ،وهذا الأمر كان نتيجة طبيعية لممارسات الاستعمار الفرنسي ضد السينمائيين،كما لم يكن لدى الثوار الأدوات والأشرطة السينمائية التي تمكنهم من توثيق المعارك النضالية ضد الاحتلال،وجل ما كان لديهم كاميرات فوتوغرافية يلتقطون بواسطتها صورا تذكارية للمناضلين .
وتبقى الأفلام السينمائية التي صورها المصور الرائد نور الدين رمضان أثناء وجود الاحتلال الأكثر خصوصية وقيمة، لأنها كانت ابنة اللحظة النضالية ،حيث تم تحقيق أشرطة سينمائية تصور جانبا من الأساليب النضالية التي قام بها شعبنا للتعبير عن رفضه للاحتلال الفرنسي وسعيه للحرية والاستقلال.
فقد كان نور الدين رمضان الوحيد الذي اهتم بهذه النوعية من الأفلام ،وعرض قسما منها ،ولم يكن عمله سهلا فالرقيب الفرنسي على السينما كان يقتطع مشاهد كثيرة تزعجه ،وكان لا يبقي على المشاهد التي صورها رمضان سوى لقطات لا يتعدى زمنها بضع ثوان
سجل رمضان الأحداث الوطنية في الثلاثينيات،وأبرزها حسب وثيقة صحفية جلسة افتتاح أول برلمان سوري والاستقبال الحافل لعودة المناضلين الذين أبعدتهم سلطات الاحتلال عن الوطن, ومنهم عبد الرحمن الشهبندر وسلطان الأطرش, وزيارة ضريح الشهيد يوسف العظمة, وحفل تأبين المناضل ابراهيم هنانو.
وذكر رشيد جلال أن الرقابة الفرنسية في بيروت اقتطعت أكثر من ثلاثة أرباع الأشرطة السينمائية التي قدمها نور الدين رمضان للرقابة ،وما سمحت بعرضه لا يتعدى ربعها, كما منعت من العرض في المحافظات السورية.
وقد جاء في كتب التاريخ السينمائي أنه قدم أفلامه في سينما الصالون في عام 1932،ولكن بالصدفة اكتشفت في مجلة قديمة أنه قدم أيضا أفلاما وثائقية على مدرج جامعة دمشق في كانون الثاني 1933 برعاية رسمية.
وأغلب ما بقي منها تلك التي تصور المظاهرات والاحتجاج والمهرجانات أو تلك التي تصور التدمير الذي خلفه العدوان الذي انصب على المدن السورية.
وطبعا سرقت جهود نور الدين رمضان لتذهب إلى مكتبات الأفلام الأوروبية ،وننوه هنا بأن التلفزيون السوري استعاد بعض هذه الأفلام عندما قام بشراء نسخ منها من أجل تضمينها لفيلم سينمائي وثائقي أنتجه بعنوان ( مذكرات وطن ) ودفع التلفزيون مبلغا كبيرا آنذاك ،ونذكر الفضل لأهله،ونشير إلى أن وراء استعادة هذه الأفلام المخرج أمين البني مخرج فيلم مذكرات وطن.
ولم يتم إنتاج أفلام وثائقية أو قصيرة عن الجلاء بعد الاستقلال.وقد بدأ الاهتمام الفعلي بإنتاج أفلام وثائقية عن الجلاء في منتصف السبعينيات،وكل الأفلام المنتجة كانت بتمويل من جهات حكومية، وهي مؤسسة السينما والتلفزيون وقسم السينما في الجيش.
وعندما نبحث في أرشيف المؤسسة العامة للسينما نجد ثلاثة أفلام وثائقية وهي ( بين الوثيقة والراوي،وثورة الشيخ صالح العلي ،والذكرى الخمسون للجلاء.
ظهر فيلم (بين الوثيقة والراوي) في عام 1982 ،بتوقيع المخرج عبد المعين عيون السود.،وهو يتحدث عن روايات المجاهدين بعد الجلاء من خلال صور فوتوغرافية.
وفي ذات العام عرض فيلم (ثورة الشيخ صالح العلي) بتوقيع المخرج عصام سليمان ،ونال الفيلم الجائزة الثانية في مهرجان دمشق السينمائي ،ويتحدث عن نضال المجاهدين بقيادة الشيخ صالح .
وظهر فيلم (الذكرى الخمسون للجلاء) في عام 1996 بتوقيع المخرج عبد الغني بلاط.
وأنتج قسم السينما في الجيش فيلم (عيد الجلاء)ويستعرض صورا من النضال من خلال ذكريات المجاهدين عن المآثر البطولية التي سجلوها ضد الاحتلال الفرنسي.
وأنتج التلفزيون السوري فيلما سينمائيا عن الجلاء في عام 1976،بتوقيع المخرج أمين البني ، وكان التلفزيون قد أنشا دائرة الإنتاج السينما تقوم بإنتاج أفلام بأشرطة سينمائية ،ثم فيما بعد تطورت الفكرة إلى مديرية للشؤون السينمائية .
وبمبادرة من المخرج أمين البني أنتج التلفزيون فيلما وثائقيا طويلا عن الأحداث التاريخية التي جرت في سورية خلال مئة عام بعنوان(مذكرات وطن) وعرض في مهرجان دمشق السينمائي،وجاء الفيلم في ستة أجزاء بين عامي 1984 و1987،وتضمن الفيلم مشاهد سينمائية نادرة،وخصص المخرج نصف الفيلم للحديث عن نضال الشعب العربي السوري ضد قوات الاحتلال الفرنسي.
واستعرض البني في الجزء الخامس ثورات المجاهدين السوريين، ومنها الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان الأطرش وثورة صالح العلي وثورة إبراهيم هنانو ،كما اظهر الفيلم الاحتجاجات الشعبية على ممارسات الاحتلال، محاولات سلطات الاحتلال الفرنسي تقسيم سورية إلى دويلات وأظهر الفيلم إصرار شعبنا على وحدة الوطن .
وفي القسم السادس يتحدث الفيلم عن استمرار النضال الوطني بشقيه القتالي والسياسي ،ومنها الإضراب الشعبي الكبير في عام 1936 الذي أثمر عن توقيع وثيقة تعترف باستقلال سورية ، كما يروي كيف تطورت الأحداث وصولا إلى عدوان أيار 1945 ثم الجلاء في نيسان 1946.
ولم تحضر السينما الوثائقية عن الجلاء في أفلام الشركات السينمائية الخاصة فقد غابت تماما عن هذا المشهد الوطني ،سواء بالوثائقي أو الروائي.
والاستثناء الوحيد تم في عام 2010 عندما قام المنتج زياد صيموعة بإنتاج فيلم وثائقي عن الثورات السورية التي توجت بالجلاء،وكتب السيناريو الزميل منهال الشوفي،وأخرجه رامز المحيثاوي.وتحدث الفيلم عن كفاح السوريين ضد الفرنسيين والأتراك من أجل الحرية والاستقلال ، واستعرض النضال الوطني في سورية وبطولات المجاهدين في مختلف أنحاء سورية، ولاسيما الثورة السورية الكبرى بقيادة المجاهد سلطان باشا الأطرش،وقد جمعت تحت رايتها الثورات التي عمت جميع أراضي الوطن ،وكانت تعبيرا واضحا عن وحدتنا الوطنية.