2013/05/29
علي الراعي – تشرين
باكراً قدمت السينما السورية شهداءها، قرابين ليبقى الوطن السوري كاملاً بمساحته المقدسة على مدى «185182كم2» مع إصرار الشرفاء الذين يعيشون على كامل هذا المدى، ألا تنقص تلك المساحة متراً واحداً، أو ألا تتجزأ كما يُريد لها عربانٌ وأعاجم..
من أجل ذلك كان على السينما السورية – كما كل مناحي الحياة والإبداع في هذا الوطن الذي كُتب له أن يعيش هذه المحنة- أن تقدم «قرابينها» فكان فقيد السينما السورية الشهيد بسام محي الدين حسين، الذي اغتالته يد الغدر، وعلى أبشع ما يكون الاغتيال أمام باب منزله في إحدى ضواحي دمشق..!
لم يكتفِ الغدر العربي عند هذا الحد، فقد أغلقت معظم المهرجانات السينمائية النفطية أبوابها في وجه مشاركة الفيلم السوري، و..كان أن امتد ذلك الخزي والعار من القاهرة، وحتى الدوحة في محاربة أفلام لكل من الرائعين: عبد اللطيف عبد الحميد، جود سعيد، و..باسل الخطيب..!
الفجور، امتدّ كذلك إلى التهديد بالاغتيال، والحملة المسعورة على مبدع سورية الكبير المخرج نجدة أنزور، الذي تحدى ذلك الفجور بإنتاجه تحفته السينمائية التي عرى من خلالها «ملك الرمال» السعودي، إنتاج قارب الانتاجات العالمية، والذي سيشكل الرصيد الأهم في نتاجات «مجنون» الإبداع البصري في سورية – دراما، سينما- الذي شكّل ظاهرة في الإبداع العربي البصري..
بطاقات الدخول لأفلام المخرج الأكثر شغلاً في ساحة السينما السورية، وأقصد عبد اللطيف عبد الحميد، كانت تنفذُ قبل يومين من عرض الفيلم، هذه الحالة افتقدها السوري المتعطش ليرى إنجازات مبدعيه السينمائيين، ولاسيما خلال مهرجان دمشق السينمائي، الذي لم يكد يصبح مهرجاناً سنوياً ودولياً، حتى وقعت المحنة، ومن ثم ليكون «المهرجان» أول الضحايا، حاولت المؤسسة العامة للسينما، أن تعوّض عن غياب المهرجان، بإقامة تظاهرات سينمائية، غير أن التصعيد في الحرب على سورية، كان أن غيّب كل أو معظم حالات التعويض السينمائية..
كادت المؤسسة العامة للسينما – باعتبارها المنتج الذي يكاد يكون وحيداً في إنتاج الأفلام السينمائية، ولاسيما بعد هروب القطاع الخاص باتجاه عسل الدراما- تتخلص من «عقدة» إنتاج الفيلم الوحيد، أو على الأكثر فيلمين أو ثلاثة، لتصل في آخر أيامها قبل المحنة، لأن تنتج ستة أفلام، عدا الأفلام القصيرة، ودعم أفلام الشباب، أيضاً جاءت المحنة لتخرب كل هذا الإنجاز، ولتكون السينما السورية، هي الأخرى، كما كل مؤسسات الدولة والناس السوريين ضحايا الغدر العربي، الأكثر وقاحة وعداء من الأجنبي والغربي..!
سينما سورية، على تواضع إنتاجها، غير أنها صنعت أفلاماً لا تشبه غير سوريتها، أفلاماً مفعمة بالحب، وبذاكرة فردية لمخرجها، غير أنها تلك الذاكرة التي تتقاطع مع ذواكر الآلاف، وربما الملايين، وينجدل فيها الخاص بالعام حد التماهي، بحيث يستحيلُ التفريق بين ما هو خاص، وما هو عام، ذاكرة جمعية يقدمها مخرجون كتاريخٍ موازٍ، حاضرٍ بقوة كأنه يجري الآن وهنا..
سينما تتمسّكُ بالذاكرة من منطلقٍ إنساني، وإحساس بالزمن الذي يحمّل المخرج شعوراً بالفقد، والسينما كما هو معروف، إبداعٌ ضد الإمحاء، ولاسيما ونحن في العالم العربي، أغلبنا مصاب بما يشبه فقدان الذاكرة المزمن أحياناً، أو على الأقل لا نعرف التاريخ إلا من وجهات نظرٍ أحادية..!
عالم سينمائي مترع بالشغف، وإن كان الشغف والحب المرتبك والمثقل بأطنانٍ من المرارة والألم، تفرضها بيئات هي نفسها تئنُّ من ثقلِ تقاليدها وأعرافها (اقتصادية واجتماعية) بسماتٍ عامة لأفلام، أصبحت كلازمات، سينما لا تغريها النجوم لتحشدهم فيها ويكونوا حواملها، أو لتتكئ عليهم، بل الذين يشيلون حمولات الفيلم الجمالية والفكرية، هم ممثلون غير معروفين، بل هي سينما تصنع نجوماً، غالباً ما تسرقهم الدراما، الفن الأكثر تسويقاً، ومن ثم الفن الأكثر ابتذالاً، و.. مساومة.