2012/07/04
ميسون شباني - تشرين
بصدق وشفافية قال رأيه دون مواربة أو تجميل لا يهمه إن أعجب ذلك أحداً أم لا، من مبدأ أن الحقيقة جميلة ولو كانت جارحة، هكذا هو هشام شربتجي فسنوات غيابه عن الدراما لم تغيره وهاهو يعود بحنين جارف إلى الشاشة السورية عبر مسلسل (المفتاح) ليطرح نماذج جديدة من أشكال الفساد بلمسته الخاصة وفي حديث خاص مع (تشرين) تحدث عن عمله وسر عودته...
حول عودته إلى الدراما السورية وجديد ما يحمله النص قال: اشتقت للشاشة السورية وخاصة بعد عملي في الخارج والذي أعتبره خاطئاً، كانت لي ظروفي فابتعدت لاُبعد فعدت وعسى أن تكون العودة حميدة، وأيضاً لفت انتباهي النص وجديد ما يحمله فالعمل يحوي شخوصاً كثيرة وأماكن كثيرة والتعامل معه خطر، فأنا أتعامل مع نص يشبه اللغم وتفكيكه ممكن ولكن ممكن أن ينفجر بي مبدئياً، وأتمنى ألا ينفجر حتى أستطيع تفكيكه، العمل يتحدث عن كيفية نشوء الفساد الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع، ويحلل تراتبية هذا الفساد الذي ينتج قوانينه الخاصة عبر لعبه وتفسيره الخاطئ للقوانين، ما يفرغ القوانين من مضمونها ويجعل منها مضادة للهدف الذي وضعت من أجله، كما يحلل آلية تفكير مجموعات المستفيدين من تدمير هذه القوانين التي تشكل مجموعة مصالحها الهدف الرئيسي لهذا الهدف لاجتماعها وتنظيمها لنفسها.توقف قليلاً ثم أكمل:العمل يتحدث عن الفترة الواقعة بين السنوات العشر الماضية حتى الآن، ويعالج مجموعة من المفاهيم والقيم الحياتية، ويحكي عن موضوع التََسلق الطبقي الذي تمارسه شخصيتان وكيف تركت هاتان الشخصيتان طبقتهما وصعدتا إلى طبقة ثانية تحت بند يدعى الفساد، الفساد الذي خلقناه نحن والذي نحن سببه.. وبخصوص شكل الفساد المطروح عبر العمل أضاف: هذا العمل يستعرض أشكال الفساد الاجتماعي الذي يحمل تبعات الأخطاء لغيره، ودائماً نحن ننظر للأعلى ونقول: إن السلطة فاسدة والمسؤول فاسد بينما يبدأ الفساد في الواقع منا، عمل أحببته وأردت إخراجه وهو من إنتاج مؤسسة الإنتاج التلفزيوني والإذاعي، ويرفع لها القبعة التي وافقت على إنتاجه.
وبخصوص اسم العمل والمقصود منه قال: المفتاح هو اسم مؤقت قد لا أسميه المفتاح بل الترياق ربما أياً تكن التسمية ولكن من المؤكد أنها ستأتي، وضمن قناعاتي أنا والتي تقول إن الفساد هو فساد اجتماعي، فساد عائلي، فسادنا نحن، وأقولها بأعلى صوتي لو تغير نظام الحكم ، وأي أحد لو أتى إلى هذا الوطن فإن الإصلاحات صعبة إذا لم تبدأ بالمواطن نفسه وبعلاقته مع نفسه ومع أهله ومع محيطه هذا الفساد الذي أقصده، وأنا إذا كنت عاتباً فأنا أعتب على أبناء جيلي لأننا لم نستطع أن نربي كما يجب، وخرج من بيننا بعض الأولاد الذين تعلموا ضرب الحجر والسكين وحمل السلاح حتى لو كان بتحريضات من الخارج، فأنا أعتقد أن الفساد من الداخل ولو لم يكن لكنّا محصنين جداً، وأتمنى أن ما حصل في سورية في الشهور الماضية أن يكون لقاحاً جيداً نستفيد منه مثلما استفدنا من نكسة حزيران ومن انتصار تشرين..
وحول الأحداث التي مرت بها سورية ومدى انعكاسها في هذا العمل قال: ولاشيء باعتباره مكتوباً قبل الأحداث يعني أنه تم الانتهاء منه قبل الأحداث ولن أغير شيئاً حتى أركب الموجة، هو عمل اجتماعي يتحدث عن بعض الشخصيات التي تسلقت اجتماعياً درجات السلم الاجتماعي، وهو جريء يعلمنا أن نفهم الآخر كيف نحاوره وكيف نتحدث عن آلامنا بعيداً عن الخطب السياسية وبعيداً عن أي شيء بهذا المنظور.
ويكمل المخرج شربتجي: في السنوات الأربع راقبت معظم أعمال الدراما السورية، أحزنني كمّ هذا الصراخ وكمّ الأعمال التي أخذت من بذور المجتمع التي لا تعمم وعمموها، كانت الدراما السورية فيها شكلاً من أشكال البحث عن مواضيع أخرى تحدثوا عن الإيدز وعن الفساد وحملوه لأشخاص وكأنه إذا زال هذا الشخص زال الفساد، ولرأس المال دور كما أعتقد والذي دخل بهذه الصناعة فهو من وجه الأفكار باتجاهات معينة ولكن دعونا نرجع لنقول نحن هكذا..
وبخصوص الهامش الرقابي في الأعمال الدرامية قال: أنا في إحدى المقابلات قلت إنني لا أتمنى أن يزيد هامش الرقابة لأن هذا تلفزيون وليس سينما، في السينما ممكن أن أعي ما أراه ولكن التلفزيون موضوع مختلف فهو في كل منزل، وأنا لم أشاهد في كل الأعمال التلفزيونية في البلدان التي تدّعي الديمقراطية فيها هامشاً أصغر من الهامش الذي لدينا كتلفزيون وأنا مسؤول عن كلامي، في كل الأعمال وأقصد هنا الديانات والاثنيات والجنس أو حتى مغازلة السلطة، أنا مع الرقابة وأثبتت الأحداث بأن الشعب السوري ليس بكامله واعياً رغم أنه من المفروض أن نكون واعين، وثانياً أخطر ما في التلفزيون هو بتراكم الأفكار التي سيقدمها لهذا المجتمع بكل فئاته وطبقاته وأن يترك عنده أثراً، أن يقلد التلفاز وليس العكس، والتلفاز مثل الأشكال الواقعية التي مررنا بها أن الفن يأخذ من الواقع ويطرح وجهة نظر فنية، ومن أساسيات الفن أنه يجمل الواقع وأنه يدعو لغدٍ أجمل وأقصد (بكرا أحلى) أن يصور الدمامة بفن ويجمله، وأكمل: أنا مثلاً صورت في العشوائيات وفي أمكنة غير متوقعة ولكن يجب أن نظهرها جميلة وأن نتفاءل بالغد، وهذا من أساسيات مهمة الفن وأنا أقول: خطر التلفزيون يكمن في تقليده للواقع مثلما يحدث الآن نشر سياسة العنف وسياسة الصراخ، وتخيل الواقع يقلد التلفزيون نكبة ومصيبة وخاصة في مجتمعاتنا هناك أناس غير واعين أو لا يريدون أن يكونوا واعين. وحول التعديلات التي قام بها في النص قال: أنا لم أعدل بالنص وأنا عندما أختار نصاً يكون لدي درجة احترام كبيرة لأفكار الكاتب وألا أبدل أفكاره، ولكن بين قوسين مع بسمة صغيرة أقولها بمعنى أن كلمة صباح الخير تقال كشتيمة فالشتيمة في قلب العمل ستكون عبر عبارة صباح الخير لكن بود..
وبخصوص تناول الدراما السورية للأزمة التي مرت بها سورية وإلى أي حد ممكن أن تؤثر بالجمهور قال: هنا مشكلتنا أننا نذهب للنهاية دون أن نعود إلى البداية، فما الأزمة؟ هي أنا وأنت نحن أفراد المجتمع، وليس من مهمات التلفزيون مناقشة قضايا عليا فالدراما الأمريكية بتفاهة النظام الاجتماعي الأمريكي والنظام السياسي وادعاء الديمقراطية عندما نشاهدها فهي تحمل دعوة إلى التفاؤل حتى في الأمراض ومعالجتها، ودائماً تحمل في طياتها لمسة إنسانية بلون زهري، لذا يجب أن تكون الدراما السورية هكذا، فنحن ذهبنا إلى اتجاهات مختلفة وحولنا رأس المال الجبان إلى اتجاهات ليست من مهمة الدراما، فالدراما اسمها الدراما اسمها الصراع، ولكن بين من ومن وباعتقادي أن الصراع يبدأ في تفاصيل صغيرة نصل فيها إلى أهداف نبيلة جداً، وأكمل: وهذا اسمه الحس التراكمي ولا يجوز أن آخذ عملاً الآن بحجة أننا نناقش الأحداث ونصنع عناوين ونخرج بنتائج غير مرضية، وكفانا ما نشاهد من ثقافة الدم في التلفزيون منذ سبعة أشهر حتى الآن وكفانا ما قرأنا في مجلاتنا وصحفنا والذين أحملهم في فترة ما وصلنا إليه في وقت كان الصدق والشفافية سهلين جداً، وأضاف: أنا لم يحصل بيني وبين الرقابة على مدى حياتي المهنية صدام، ممكن أن يحدث نقاشاً، إلا في مسلسل (رياح الخماسين) لسبب أن لدي ثلاثة أهداف في قلب العمل أو ثلاثة أمور اعتبرها من المحرمات أنا برقيبي الداخلي لا أقترب منها وهي أولو الأمر افهميها كما تريدين والتي تبدأ من علاقة الوالد بابنه والعادات والتقاليد والاثنيات وما يخدش الحياء وهناك شيء لا أقترب منه وهو لا علاقة له بي هو هامش حريتي، وكما قلت إن هامش الحرية الذي حصلت عليه الدراما السورية في السنوات السابقة هو أعلى بكثير من كثير من دول تدعي الديمقراطية...
وفي كلمة أخيرة للمخرج شربتجي قال: أنا حزين فعندما أنظر إلى الأسماء الموزعة في هاتفي النقال أرى أطياف سورية، وسورية الله حاميها ليس بشعبها فقط بل بأطيافها الجميلة من إثنيات من عادات وتقاليد ومن الأديان الموجودة فيها وأقول ما قلته سابقاً في أحد الحوارات «يا حوينة الرئيس بشار فينا».