2012/07/04
زهرة مرعي – الكفاح العربي
«دون كيشوت» يعود الى جبيل في 28 حزيران (يونيو) الحالي، في عرض مسرحي أعده نصاً وموسيقى ومشهدية الاخوة مروان، غدي، وأسامة الرحباني. انه فارس جديد يحارب طواحين الهواء في عصر الانتفاضات العربية التي سميت «ثورات»، وهي في طبيعتها انقلابات لم تتضح هويتها بعد. «الكفاح العربي» التقت أسامة الرحباني في حوار حول «الفارس الجوال» في الزمن العربي الانتقالي.
■ لأول مرة تقدمون مسرحاً ومنصور الرحباني غائب. فهل إن روحه موجودة في «دون كيشوت» وكيف؟
ـ دائماً نردد ليته معنا. من الطبيعي أن تعترضنا مشاكل في تركيب المسرحية كفكر ورؤيا وأن نتساءل كيف كان سيتصدى لها؟ حضوره دائم وقوي، خصوصاً وأننا نلتقي في غرفته، فأنا لا أزال أعيش في المنزل الذي عاش فيه ردحاً كبيراً من عمره. جلساتنا دائمة في غرفته، لكن أحداً لا يمس كرسيه. حتى أننا نستعمل روائحه نفسها وكل ما يقربنا منه.
■ هل تشكلت «دون كيشوت» كفكرة خلال حياته؟
ـ كانت مشروعاً كنت أرغب في تنفيذه معه ولم يحصل. خاض كل منا تجربته، لكن صعوبة وضعه الصحي حالت دون الغوص في هذه المسرحية لتصبح شكلاً واضح المعالم.
■ لماذا استعرتم «دون كيشوت» الذي نعرفه شخصية مغامرة وطريفة في هذه المرحلة؟
ـ «دون كيشوت» هو إحدى الشخصيات الأدبية المهمة للكاتب الإسباني سرفانتس. كما أنه الكتاب الأكثر انتشاراً في العالم. ليس هناك خط درامي في هذا الكتاب، فـ»دون كيشوت» إنسان يريد محاربة أهل الشر، ويرغب في إعادة الشهامة والفروسية وزمن الأبطال، في حين يذهب المجتمع في اتجاه آخر. كل ذلك كان في سبيل الهدف الأسمى وهو الحب المطلق لدلسينايا. من كثرة مطالعاته أصيب بجفاف في الدماغ، وراح يفكر بالفروسية والنبالة والفارس الجوال. نحن نعرف الفارس الجوال كظاهرة منذ أواخر القرن التاسع وحتى سنة 1300 تقريباً، ومن بعدها لم يعد لهؤلاء الفرسان وجود. الفرسان الجوالون كانوا أشخاصاً يطوفون العالم يناصرون المحروم والمظلوم ضد الشر، ويحمون الطهارة والعذارى. ومقابل ما يقومون به كانوا يتلقون طعاماً فقط وليس مالاً. وسرفانتس كتب رائعته «دون كيشوت» في مقاربة نقدية للمجتمع الإسباني.
■ وكم تحمل هذه الرواية من إسقاطات على واقعنا الحالي؟
ـ من البداية إلى النهاية تدور المسرحية في المنطقة التي نعيش فيها. أخذنا خلاصة فكرة سرفانتس العظيمة، وكانت المعالجة من خلال واقعنا، ومن خلال أشخاص قد نلتقيهم في حياتنا اليومية أو في المنطقة العربية. نحن جميعاً نحلم بما هو أفضل. نحلم بالتنفس بطريقة مختلفة فيما البعض يريد أن نتنفس على طريقته.
■ تتكرر كتاباتك المسرحية، فهل إن المعالجة في سياق تأجج الاحتجاجات العربية تتيح مزيداً من حرية التعبير؟ وهل تؤدي الى طريق أكثر وضوحاً؟
ـ ليس ممكناً مطلقاً أن نقول أفكارنا بحرية كاملة، ومن يدعي غير ذلك يكذب. في النتاجات الأدبية والموسيقية والفنية عموماً هامش الحرية هو مدى تقبل المجتمع لهذه الحرية، سواء في الولايات المتحدة أو غيرها من الدول. في آسيا حدود الحرية موجودة وكذلك في كل أرجاء العالم. لدى الناس هوامش وثوابت محددة ليس لنا أن نتخطاها. التخطي أحياناً قد يمس الأعراق، وقد يلامس العنصرية أو الطائفية. هامش الحرية في العالم يختلف بين منطقة وأخرى.
■ في لبنان نتمتع بهامش واسع نسبياً فهل يتيح لك ذلك رحابة في التعبير؟
ـ نحن نتمتع برحابة أفق وبحرية أوسع بكثير مما هو موجود في الدول العربية. على سبيل المثال في لبنان «كمية» كبيرة من الزعماء حتى وإن كانوا يمثلون الطوائف، لكن من نعرف في تونس غير الرئيس السابق، وكذلك في مصر؟ نحن نتمتع بنوع من الحياة البرلمانية حتى مع سوئها وانتقادنا لها، كما أننا نمارس حقنا الانتخابي دورياً.
■ انطلاقاً من ذلك ماذا تقول عن مسرحية «دون كيشوت»؟
ـ نحن في صدد عمل ضخم جداً فكرة، نصاً، شعراً وموسيقى، كذلك في الإخراج والمشهدية. نعمل وفق ما تعلمناه من الوالد منصور، وكلنا حريص على هذه الأصول التي درجنا عليها. في «دون كيشوت» الكتابة المسرحية والشعر والنص لغدي، الموسيقى والفكرة والرؤيا والإنتاج لي، والإخراج لمروان. وهذا لا يعني أن أياً منا لا يبدي رأيه في عمل الآخر. نحن نتعاون
■ هل صارت المهمة على هذا النحو دائماً بين الثلاثي أبناء منصور؟
ـ ليس ضرورياً أن يكون التقسيم نهائياً. غدي مؤلف موسيقي كبير جداً وبارع، كما أنه كاتب عظيم ومن أهم كتاب المسرح. بالنسبة إلي لدي أفكار أرغب في انتاجها وفق هذا الأسلوب. أكتب على الدوام لكنني أفضل أن تأتي الصياغة من قلم هو أكثر جودة مني. إنما نحن نعيش وحدة حال على صعيد التصرف. وأسلوب إنتاج العمل هو الذي يأخذ الأمور في الاتجاهات الضرورية.
■ لأول مرة تقدمون عملاً ضمن طاقاتكم الحقيقية الخالصة بعيداً عن منصور. هل تشعرون كثلاثي أنكم في امتحان حقيقي أمام الجمهور؟
ـ مطلقاً. لسنا بثلاثي سهل مطلقاً. الاعتبار الأساسي بالنسبة إلينا هو أن يتخطى الإنسان نفسه. علمني والدي أن لا نكون في مواجهة أحد وهذا ما أنقله لمن حولي. أتخطى نفسي ولست مهتماً بالآخرين. أقوم بعملي بكل صفاء، وبتركيز تام، وبثقة كبيرة وكذلك جهد وتعب وسخاء، وأيضاً بضمير. هذه العناصر تؤدي الى عمل مشغول جيداً، ويبقى التوفيق من عند الله. نحن نعرف في تاريخ الأخوين أن الجمهور يتلقف بعض الأعمال بشكل جيد، وبعضها الآخر بشكل بارد. نحن أبناء مسرح، و«دون كيشوت» هي الخامسة لي، وهي الأكبر على صعيد العالم العربي. كما انني شاركت في 16 مسرحية مع منصور كمستشار ومنتج ومؤلف موسيقي.
■ هل سيقرأ المشاهد في «دون كيشوت» تواصلاً مع منصور من خلال أبنائه أم سنكون مع شخصية فنية جديدة كلياً؟
ـ أعمال منصور المنفردة كما «زنوبيا»، «المتنبي»، «ملوك الطوائف»، «الوصية»، «حكم الرعيان»، وكذلك «صيف 840»، تختلف عن أعمالي المشتركة معه كما «جبران والنبي»، و«آخر يوم»، و«قام في اليوم الثالث». سنكون مع نقلة مختلفة. الشعر والموسيقى سيطلان بشكل رائع، كذلك الدهشة في التركيب والمزج بين حياة مضت وأخرى نعيشها. ومن المؤكد أن «دون كيشوت» سوف يحارب الفساد في المدينة والمجتمع والأنظمة. «دون كيشوت» يحارب مدينة بطواحين وليس فقط بطاحونة واحدة. نحن يومياً نمارس «دون كيشوتيتنا» في محاربة النظام، وكذلك المجتمع الهارب نحو مكان غير صحيح ونعجز عن استرداده.
■ أنتم مستمرون في التعاون مع الفريق نفسه تقريباً الذي كان فنياً في زمن منصور. هل هو نوع من الوفاء أم تأكيد لحرفية هذا الفريق؟
ـ بوضوح أقول ان رجالات المسرح في لبنان قلة. ليس سهلاً إيجاد من يغني ويمثل ويحمل كاريزما قريبة من الناس كما هبة طوجي. كذلك من سبق وعمل معنا. وليس من السهولة إيجاد من يلعب دور «دون كيشوت». رفيق علي أحمد الذي جسد معنا «سقراط»، وتابع في «حكم الرعيان» و»جبران والنبي» هو حالياً في دور «دون كيشوت». بول سليمان سيلعب دور سانشو الغول، وهو ممثل أكثر من رائع. كذلك نحن محظوظون بالممثلين الآخرين وحرفيتهم من أنطوان بلبان، نزيه يوسف، أسعد حداد، بطرس حنا، طوني عيسى، إيفتا حايك، مايا يمين، وكثر آخرين. مسرحنا ليس محدوداً بممثلين معينين، بل هو وفق مستلزمات الشخصيات ودائماً معنا جدد. المسرح الغنائي صعب لأنه يتطلب في آن واحد الغناء والتمثيل والرقص. وأينما كان الممثل المسرحي عليه أن يتقن هذه المهام معاً حتى وإن كان يعيش في لندن. إنما للأسف مجتمعنا لا ينشئ الأجيال على إيقاع صحيح. فقد نجد ممثلاً بارعاً وفاشلاً في الإيقاع. وقد نجد من يغني جيداً ويكون فاشلاً في التمثيل الدرامي. قلة من تجمع الثلاثي معاً.
■ «عالبال يا وطنا» ظهرت على الشاشات، لأول مرة ربما تحاولون الترويج لمسرحكم من خلال ميديا العصر وهي الفيديو كليب؟
ـ ليس هذا صحيحاً. «وطني بيعرفني» أغنية ظهرت على الشاشات قبل إطلاق عروض جبران والنبي. «متل الريح» سبقت عرض مسرحية «عودة الفينيق». الجمهور صار يطلب التعرف الى بعض العرض قبل أن يقرر المشاهدة. حتى أن المشاهد صار مصاباً بكسل ناتج من ضغط الحياة الهائل وزحمة السير. كذلك تعدد القنوات الفضائية تركت السينما تأتي الى المشاهد وهو في منزله. هذا التعليب الفكري المنهجي لشعب بكامله، أدى إلى انفصال الإنسان عن مجتمعه وتقاليده وتراثه. بات أفراد العائلة مستقلين كل منهم في غرفته، هذا يعني أننا نعيش في وضع غريب. لهذا نسعى نحن الى الوصول إلى أكبر نسبة من الناس، وتصوري أن الكليب هو خير معبر عن الصورة التي سيراها المتتبع للمسرحية لاحقاً.
■ هل ان طموحكم كثلاثي رحباني صار محصوراً بمهرجانات جبيل أم أنكم ما زلتم تطمحون الى مهرجانات بيت الدين وبعلبك؟
ـ إنها علاقة مستمرة مع مهرجان تحول الى واحد من أعرق المهرجانات اللبنانية. هو مهرجان فرض نفسه انطلاقاً من المدينة التي يتم تنظيمه فيها وأهمية هذه المدينة. انها من المدن الأقدم على صعيد السكن في التاريخ. وبالإضافة الى التنوع الموجود في جبيل، نحن مع رحابة على صعيد المسرح الذي إخترناه لنجسد عملنا فيه. في سنة 2005 كنت أعد مسرحاً وطلب مني أن يكون هو الافتتاح فلم أوافق لأنني كنت قد أعددت المسرحية لتكون في مسرح مغلق. ومن ثمّ جاءت مسرحية «جبران والنبي» التي شكلت أول تعاون لنا مع مهرجانات جبيل. وكرت سبحة اللقاءات في كل صيف في فضاءات قلعة جبيل. في سنة 2007 قدمنا «زنوبيا»، 2008 «عودة الفينيق»، 2009 «صيف 840». وفي الموسم الماضي كنا في استراحة، ونحن عائدون هذا العام بـ»دون كيشوت». تعاونا مع مهرجانات بيت الدين في «حكم الرعيان»، والتواصل بيننا مستمر. وكان لنا تعاون في «أبو الطيب المتنبي» مع مهرجانات بعلبك. شخصياً أرتاح أكثر الى مسرح جبيل لأنه الأكثر ضخامة كمساحة مسرح وكمنصة، وأتمنى أن يفهم قولي في إطاره الصحيح.
■ ماذا يضيف هذا المسرح الى نصك؟
ـ هذا المسرح فضاؤه واسع نظراً للمكان الذي اخترناه نحن كفريق عمل، منهم أنا ومروان وغدي، وكذلك فؤاد خوري. عندما ذهبنا لمعاينة المكان بهدف تقديم «جبران والنبي» كان قرار بنقل المهرجان إلى هذا المكان الذي يجري فيه منذ سنوات. صارت القلعة الكبيرة هي خلفية المسرح بما فيها من معبد فينيقي وكنيسة وجامع وأنطش. وكل قلعة جبيل وجمالها تحولت الى حضن يغمر هذا المسرح من الخلف. إنه محيط مسرحي جميل جداً، ويأتي الشاطئ من اليمين مع الموج والرياح، ومن الأمام يعلو القمر فوق المكان. انه منظر جميل جداً، كما ان في الإمكان التصرف بالمنصة بحرية.
■ ماذا عن الإنتاج؟
ـ مهرجان بيبلوس هو الوحيد الذي ينتج. مسرحنا عالي الكلفة. ومع كامل تحياتي الى المهرجانات في لبنان كافة، وآمل أن تستمر كلها من دون استثناء.