2013/05/29
بسام سفر – تشرين
تتميز الدراما الاجتماعية السورية، بالقرب من الواقع السوري الاجتماعي على تنوع فيسفسائه التي يعرضها العمل الدرامي، فأهمية كل عمل درامي اجتماعي سوري تنبع من التشكيلة الاجتماعية التي يقدمها للمشاهد السوري والعربي
فأقرب هذه النماذج الاجتماعية السورية إلى الواقع الاجتماعي السوري ظهر في العملين «ساعات الجمر- الولادة من الخاصرة 2» من تأليف سامر رضوان واخراج رشا شربتجي، والمفتاح من تأليف خالد خليفة واخراج هشام شربتجي، وتأتي في مقدمة الشخصيات الشريرة باسم ياخور في «أبو نبال» وكذلك «عابد فهد» في شخصية ضابط الأمن رؤوف، بينما من الشخصيات ذات الطبيعة المدنية «فادي صبيح» في شخصية «أبو مقداد» وعبد المنعم عمايري في شخصية «مهاب»، فجبهة الشر في العمل كبيرة ومتسعة لأداء لا يقف عند حدود التمايز بين هذه الشخصيات، فكل حسب موقعه في العمل، وحسب الحدث في سياق تطور الشخصية الدرامية. فإذا كان «أبو نبال» مثالاً للشر المؤسسي الأعمى الذي لا يميز بين المصالح الشخصية المؤسسية. فإن مهاب لا يستطيع التمييز بين المصالح الخاصة الذاتية، ومصالح المحيط الاجتماعي في الدائرة الاولى، بينما يقف /أبو مقداد/ موضحاً آلية الانتهازية الشخصية المبنية على الخيار الآني المبتذل.
ويتجلى الشر المؤسسي في المواجهة المفتوحة التي يقودها محمد حداقي «أبو زين» إلى جانب عبد الهادي الصباغ المساعد المتقاعد الذي يحاول الشر المؤسسي دوسه من دون اعتبار لإنسانية الإنسان. بينما يذهب الشر في العمل الدرامي «المفتاح» مذاهب بعيدة عن الشر الموجود في ساعات الجمر، فهنا يظهر (الفساد-الشر) الذي يقود المجتمع إلى محطات بعيدة عن الشخصية الشريرة في مواجهة الشخصية الخيرة.
لكن تظهر شخصية شريرة (رشيد، محمد حداقي) بصفة شر مطلق دائم وأساس للفساد ومراكمته كجزء من الفساد المؤسسي السوري في سلك القضاة والمحامين في القصر العدلي ومحيطه.
وهذا ما يوجهه (الشر، الفساد) إلى مستوى غير مسبوق في تظهير الفساد القانوني والإداري الذي يمنهج لحالة الفساد العام في المجتمع.
أما العمل الدرامي الاوضح في تقديم الشر فنجده في (المصابيح الزرق) من تأليف حنا مينه، سيناريو وحوار محمود عبد الكريم، وإخراج فهد ميري الذي يحمل الشر إلى المستعمر الفرنسي مجسداً بالقوات الفرنسية كجيش احتلال، ومن ثم إلى المدافعين عن الوجود الفرنسي(المجلس البلدي) إلى أدواته المختار (جرجس جبارة)، لكن في لحظات المواجهة الواضحة ينضم المختار إلى أبناء البلد حيث لا تتأثر مصالحه الخاصة، بينما نجد مدير معمل الدخان في مدينة اللاذقية(بشار اسماعيل) يدافع عن مصالح الاستعمار في استمرارية العمل في المعمل حتى في لحظة اجتياح جيش الاحتلال الفرنسي، وكذلك يظهر مدى حقده الطبقي على العاملات في المعمل عندما يتم توزيع (الحلو) بعد خروج المعتقلين من السجون الفرنسية.
لكن الشخصيات الشريرة في العمل الدرامي(أرواح عارية) من تأليف فادي قوشقجي وإخراج الليث حجو انتقلت خطوة كبيرة نحو الشخصيات الشريرة كعائلة وللمسائل الشخصية، فإذا كانت النظرة إلى الشرف من منظار حقوق الانسان وجرائم الشرف، فإننا نجد الشر يتجسد في شخصية الأم (ضحى الدبس)، والأخ (محمد قنوع)، والزوج (عبد المنعم عمايري). ويتعمق الشر في شخصية الزوج (رافي وهبة)، وخيارات الإنسان العاطفية والاجتماعية، أما أسرة (خالد القيش) وعلاقاته بأمه وأبيه، إذ إن الأب يجسد شخصية شر مطلق لمفهوم العائلة.
ويركز العمل الدرامي «رفة عين» من تأليف أمل عرفة وبلال شحادات وإخراج المثنى صبح على التربية والسلوك العائلي والمجتمعي منذ صغر الشخصية (هدية، أمل عرفة) وإمكانية التغيير في سلوك هذه الشخصية ازاء مرض أمها وطريقة احضار الفلوس، بأي أسلوب من أجل معالجة المرض، وهذا الشر المتشرب من حكايا الأم نحو الأب يستمر في العمل، بينما نجد استغلال الراقصة (سوسن ميخائيل) وصاحب الملهى (أسامة السيد أحمد) لحاجة هدية للفلوس لمعالجة والدتها، وعدم مساهمة الأخ(عبد المنعم عمايري) في مصاريف الدواء والعلاج . فهنا الصراع مع القدر، فيستعين البطل بكل أنواع الأسلحة لمواجهته في الاستمرار بالحياة و صراع البقاء.. لذلك يمكن فهم الشر الموجود عند هدية حيث تبعث استمرار الحياة في شخصية أمها.
ويأتي العمل الدرامي (الشبيهة) من تأليف محمود سعد الدين وإخراج فراس دهني ومن أوضح الشخصيات الشريرة فيه العم (حسن عويتي)، والمهرب صباح عبيد، وكل من يعمل معه، وأيضا رب الأسرة سليم صبري في مواجهة عذاب وأبيها طلحت حمدي صديق عمره.
يتخذ الصراع في هذا العمل الشكل البوليسي في معطى حياتي وإنساني.. وتضاف لهذه الشخصيات الشريرة شخصية الخال (خالد القيش) الذي يدفع ضريبة خياراته الحياتية الخاطئة.
أما العمل الدرامي (بنات العيلة) من تأليف رانية البيطار ومن إخراج رشا شربتجي فنجد أن شخصية الضابط فادي صبيح من أكثر الشخصيات شراً وتضاف إليه زوجته الأولى (نظلي الرواس، ميرفت)، وزوجته الثانية التي تحرضه على نهب أموال الزوجة الأولى، في حين يظهر الضغط الاجتماعي على عائلة جيني اسبر جزءاً من الشر في الصراع العائلي، وكذلك علاقة الخطيب (عامر سبيعي) مع الفتاة التي تعجبه (نسرين طافش)، وأيضا علاقتها مع شخصية الشاب باسم ياخور بينما يمكن وصف موقف ربة الأسرة صفاء سلطان تجاه ابنة زوجها بالشر النسبي، وأيضا ردة فعل الفتاة الصغيرة تجاه زوجة الأب.
أخيراً، لا يوجد في الحياة الواقعية والدراما شيء اسمه الشر المطلق في الشخصية الدرامية، وإنما توجد شخصية شريرة في سياق بنية درامية حياتية.. تحدد مسار هذه الشخصية مجموعة عوامل تبدأ بالأسرة والمحيط الاجتماعي ومكان العمل، وتدخل المؤثرات الخارجية ليتوضع الشر بشكل آني ولحظي وغير منظم في الذات الداخلية العاملة في الشخصية الدرامية.