2013/05/29
فؤاد مسعد – الثورة
سعى إلى التنويع فيما يقدم من أعمال وتحدى ذاته فخاض غمار الصعب ، قدم في الموسم الدرامي الماضي الجزء الأول من مسلسل البيئة الشامية (زمن البرغوت)
الذي نال نصيبه من النجاح واستحق جائزة أفضل مسلسل اجتماعي بيئي في مونديال القاهرة الأول للإذاعة والتلفزيون ، واليوم يتابع إخراج الجزء الثاني من العمل مؤكداً أنه سيحمل عناصر التشويق التي تؤهله للنجاح ..
إنه المخرج أحمد ابراهيم أحمد الذي يستعد بعد انتهائه من تصوير (زمن البرغوت 2) لإنجاز عمل معاصر يغوص في عمق الواقع الحياتي الذي يعيشه المواطن السوري حالياً وسط الأزمة التي تعصف بالبلد .. معه كان لنا هذا اللقاء :
ـ ما الملامح الرئيسية للجزء الثاني من (زمن البرغوت) ؟
انطلقت أحداث العمل في جزئه الأول عام 1915 واستمرت لمدة ثلاث سنوات ، وسنرى في الجزء الثاني استمرارية الأحداث لنصل إلى عام 1926 ، ومن ضمن مجريات الجزء الجديد خروج الاحتلال العثماني من دمشق ودخول الملك فيصل وبداية الاحتلال الفرنسي ومقاومة الشعب السوري للاحتلال الفرنسي ، مروراً بمعركة ميسلون والثورة السورية الكبرى ومجموعة من الحكايات التي تمر في حارة عياش في حي الميدان . ويرصد المسلسل الحياة الاجتماعية والاقتصادية في تلك المرحلة ونرى العلاقات بين الريف والمدينة .
ـ كل مخرج مسلسل (بيئي شامي) يقول إن عمله هو المختلف ، لنجد في النهاية أن هناك تابوهات لا تخرج عنها هذه الأعمال تبدأ من الملابس و لا تنتهي بالعادات الشعبية وبالطريقة التي تقدم فيها المرأة الراضخة المستسلمة لمصيرها ضمن مجتمع ذكوري ؟
هذا الكلام فيه ظلم .. فمن المؤكد أن هناك تابوهات لاتستطيع هذه الأعمال الخروج عنها ، ولكن أظن أن ما شاهدناه في الجزء الأول من (زمن البرغوت) كان مختلفاً عما طرح في أعمال أخرى فلم نر الكلام العريض أو الشخصيات الاسطورية غير الواقعية ، لا بل كان هناك شخصيات من لحم ودم تحكي بلهجة بعيدة عن المبالغة ، كما أنك ترى هنا الحدث أين يدور ، فهو يجري في حارة الميدان التي كانت منغلقة في ذلك الوقت ، وليست كحارات أخرى كانت أكثر انفتاحاً وشكل المرأة فيها قد يكون مختلفاً .
عموماً أنا ضد أن يقول أحدهم إنه يقدم الجديد ، ففي النهاية أنت كمخرج تقدم رؤيتك ، والرهان يبقى .. هل سيحبه الناس أم لا ؟.. فالأعمال الشامية حكاياتها معروفة ، ولكن الفارق فيما بينها يبقى ضمن إطار الشكل وانماط الشخصيات وكيفية تقديمها إضافة للشكل البصري الذي يريد المخرج إظهاره ، هذا الشكل الذي لن يكون كلاسيكياً في (زمن البرغوت) .
ـ إلى أي مدى يمكن أن يُحدث استبدال عدد من الممثلين بين الجزأين ارباكاً لدى المشاهد ؟ هل سيتقبل الناس الممثلون الجدد خاصة أن التبديل طال أدواراً محورية ؟
هناك أعمال عالمية جرى فيها تغيرات وهو أمر يحدث ، وما يهم الناس هو الحكاية ، وهنا لا أنكر أنه قد يحدث نوع من التشويش عند المشاهد في الحلقة الأولى ولكن عينه ستألف الممثلين الجدد ، هذا من جهة أما من جهة أخرى فالبلد تمر بأزمة وكان أمامنا إما أن نوقف العمل رغم أننا صورنا 20% منه أثناء تصوير الجزء الأول أو أن نجد حلولاً ونستبدل الممثلين ، وقد وجدنا أنه في النهاية لن يؤثر هذا التغيير على المسلسل خاصة أن الممثلين الذين أتينا بهم ليسوا أقل قيمة فنياً من الممثلين الذي تركوا العمل ، فقد استبدلنا نجوماً بنجوم ، وقد تم تغيير بعض الممثلين المرتبطين بأعمال أخرى خارج دمشق أو خارج سورية لأنه كان من الصعوبة بمكان تنسيق أوقات التصوير لهم وهناك ممثلين تم استبدالهم بداعي سفرهم خارج البلد بسبب الأحداث وممثلون اعتذروا بسبب خوفهم من التصوير في هذا الوقت .
ـ ما الذي حكم اختيار البدائل ؟ هل كانت هناك مواصفات معينة لكل شخصية بديلة قد تشبه فيها إحدى سمات الشخصية الأولى ؟
عندما تم الاستبدال لم يكن من الضروري أن يكون هناك شبه في الشكل ، ولكن بحثنا عمن يحمل الكاريزما الخاصة بالشخصية ، وأظن أن خياراتنا في انتقاء بعض الممثلين كانت موفقة حتى أكثر من الجزء الأول .
ـ كيف تقرأ اتجاه عدد من المخرجين السوريين لتصوير أعمالهم خارج سورية ؟
أغلب من صوروا أعمالهم خارج سورية صوروها في لبنان ، وبالنتيجة هو خيارهم .. وهنا دعني أضع نفسي مكانهم فمن الممكن أن عملهم جاء نتيجة عرض مادي جيد أو فرصة أفضل ، أو أنه أتيحت لهم خيارات فنية أوسع مما هو متاح عندنا اليوم ، لأن الخيارات عندنا محدودة بسبب التأثير النفسي الكبير كما أن التأثير الخيالي والإبداعي محدود نتيجة الوضع مما يجعلك لا تستطيع اطلاق العنان لأفكارك حول كيفية إيجاد الحلول البصرية لمجموعة من المشاهد ، أضف إلى ذلك أنه ليس لديك خيارات تنقل فأنت ملزم بمكان يكون الوضع فيه آمناً للتصوير، وبالتالي لنكون منصفين اقول إنه ليس من المنطق أن نطلق حكم قيمة على الأعمال التي تصور هذه السنة . وأرى أن من يعمل اليوم ينبغي أن نرفع له القبعة لأنه يساهم في تقديم أعمال سورية تُشاهد على المحطات .
ـ تصوير الأعمال خارج سورية هل يؤثر سلباً أم إيجاباً على الدراما السورية؟
النتائج لا تظهر الآن لأن الأمر مرتبط بالمزاج العام للمشاهد إن كان السوري أو العربي ، إنه أمر لا تستطيع الحكم عليه حالياً ، فعلى سبيل المثال عندما ظهرت الأعمال التركية المدبلجة كنا نقول إنه ليس هناك ما يمكن أن يغطي على العمل السوري وفي النهاية وجدنا أن العمل التركي المدبلج بات مطلوباً ومباعاً أكثر من أي عمل آخر ، رغم أن كثيرين رأوا في البداية أنه مجرد موضة عابرة ولكن ثبت العكس . كما رأينا في العامين الأخيرين أعمالاً مصرية على مستوى فني عالٍ جداً لم نكن معتادين على رؤيتها فيه وباتت تنافس الأعمال التلفزيونية السورية من الناحية التقنية والبصرية ، فبينما كانوا معتادين على التصوير بثلاث كاميرات باتوا اليوم يصورون بكاميرا واحدة ، حتى إنهم صوروا بكاميرات أحدث من التي نستخدمها ، وهناك مخرجون سينمائيون أخرجوا مسلسلات فأصبحوا يقدمون الدراما التلفزيونية بطريقة السينما ويأخذ العمل وقته بالتصوير على العكس من الطقس الذي نعمل فيه اليوم حيث بدأنا نسرع في الانجاز وأحسسنا أننا وصلنا إلى رأس الهرم ، وأرى أنه بعد أن تمر هذه الأزمة على سورية بخير ويعود النشاط الفني ينبغي أن نحكم إن كانت هذه الأزمة عابرة على الانتاج الدرامي أم لا .
ـ هل يمكن أن يتم تسويق العمل الدرامي السوري وأن يجد مكانه على المحطات رغم ما يُشاع عن مُقاطعات محتملة لها ؟
أرى أن المحطات لا تستطيع الاستغناء عن المسلسل السوري ، ليس بدافع حبها له وإنما لأنه يلبي رغبة المشاهد ، كما أن الإعلان هو من يطلب العمل السوري لأنه يؤثر على بيع الاعلانات . رغم أن هناك محطات مسيسة وتقوم بحصار للعمل السوري وحظره وتحديداً الأعمال ذات الرأسمال السوري الوطني حيث يتم تضييق الخناق عليها لذلك يتم توزيعها بشكل شخصي .
ـ إلى أي مدى سيكرِّس العمل البيئي الشامي حضوره على الشاشة في الوقت الذي بات فيه المشاهد أحوج ما يكون لرؤية واقعه الحالي ضمن عمل درامي معاصر ؟
الأعمال الشامية لها منطقها الخاص الذي لا يشبه منطق المواطن السوري الحالي ، ولكن العمل الشامي مطلوب من قبل المحطات لأن الجمهور العربي يحب رؤيتها فهي غريبة عنه ولايعرفها ، بينما المشاهد السوري فيعرف أنها ليست كلها أعمال حقيقية 100% ، وأرى أنه أقرب للأعمال الاجتماعية المعاصرة التي تحاكي وتلامس هواجسه ، ونحن اليوم أحوج ما نكون لأعمال تعبر عما تمر به سورية ، أي تسليط الضوء على المنحى الحياتي والاجتماعي والمعيشي ، والمشاهد اليوم يريد أن يرى نفسه في هذه الأعمال التي يعاني الإنتاج الدرامي من شح فيها .
وبالنسبة إلي فلدي عمل معاصر عن الأزمة التي نعيشها ومن المحتمل أن يتم تصويره بعد الانتهاء من (زمن البرغوت 2) إن سمحت لنا الظروف ، وهو بعنوان (ورق أيلول) تأليف الكاتبة بثينة عوض وإنتاج شركة قبنض ، ويدور حول الأحداث التي تجري في سورية والانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية والحياة اليومية للمجتمع ومعاناة الناس في ظل هذه الأزمة ، وكيف فرز المجتمع شريحتين هما (الموالاة) و (المعارضة) الأمر الذي لم يكن مألوفاً لنا كسوريين ، إضافة إلى منطق تقبل من يخالفنا الرأي ، وأتمنى أن يكتب لهذا المشروع النجاح لأنني أحببته كثيراً .