2012/07/04
محمد أمين – الوطن السورية
ليس مستغرباً أن ينافس مسلسل تلفزيوني سوري على الحصول على جائزة أفضل مسلسل أجنبي في مسابقة (إيمي) العالمية التي تقيمها الأكاديمية الدولية للفنون التلفزيونية في الولايات المتحدة الأميركية ومن غير المستبعد أن يحصل عليها عندما تعلن النتائج في شهر تشرين الأول المقبل فهذه المسابقة التي تعد الأرفع من بين المسابقات التي تُعنى بالنتاج الدرامي التلفزيوني على ما يبدو لا تعير رأسها لأحد ولا تخضع لثقافة التوازنات التي تسود المسابقات العربية عادة فأعضاء لجنة التحكيم كما ذكرت مصادر صحفية من عدة دول وتجري عملية اختيار الأعمال المؤهلة إلى المرحلة النهائية ضمن مقاييس فنية دقيقة.
ولا نأتي بجديد عندما نذكر أن العمل الذي وصل إلى هذه المرتبة المتقدمة وغير المسبوقة هو مسلسل (أبو خليل القباني) للمخرجة الشابة إيناس حقي وللكاتب المخضرم خيري الذهبي حيث تناقلت وسائل إعلام عربية هذا الخبر على الفور وكأنها تبحث عن خبر يُفرح في زمن بدأت مساحة الفرح تضيق فيه رويداً رويداً.
يتناول المسلسل سيرة رائد المسرح العربي أبي خليل القباني (1833- 1903) وهو رجل أشهر من أن يُعرّف لقد كان علاّمة عصره في التمثيل والموسيقا والإنشاد، لقد أتى بما لم تستطعه الأوائل وفتح كوة نور في جدار عتمة عمقته قرون من الركود والتواكل الفكري لقد استطاع هذا الرجل اختراق حاجز الجهل من خلال تبنيه خياراً لم يكن مألوفاً بل كان يعتبر عيباً بكل مقاييس ذاك الزمان ولك أن تتخيل كيف كانت عليه حالة مدينة مثل دمشق في عام 1871 عندما قدم القباني أول عرض مسرحي فيها لقد كانت المؤسسة الدينية المنغلقة إلا على السلطة هي سيدة الموقف ولا يريحها على الإطلاق أن يتجرأ أحد على ما وجد الناس عليه آباءهم فتحرك الشيخ سعيد الغبرة واستطاع إقناع السلطان عبد الحميد أن هذا الرجل يحاول زعزعة قواعد مجتمع استلم منذ دهر وترك قياده لمن هو أدرى بما ينفعه ويضره فتعرض القباني للتضييق لدرجة أن البعض أغرى صبية للرميه بالحصى كلما مر بشارع من شوارع دمشق وقد وجد القباني بتشجيع والي دمشق مدحت باشا متنفساً لكي يعاود نشاطه حيث ساعده على تأسيس مسرح خاص به يعرض فيه مسرحياته المستوحاة من التراث العربي الإسلامي، ولكن الداعم والمساند لم يكن أفضل حالاً من المدعوم والمسانَد فترك دمشق إلى الطائف تاركاً القباني وحده فلم يجد بداً من الذهاب إلى أم الدنيا آنذاك (مصر) حيث رحبت به النخب المصرية وأفسحت له المجال في صفوفها وبدأ القباني سيرة جديدة زاخرة بعطاء مسرحي غير مسبوق فقد كان أول عربي يقدم أعمالاً مسرحية في دار الأوبرا المصرية التي كانت إحدى أهم منارات الشرق الثقافية وجاءته دعوة إلى الولايات المتحدة الأميركية في عام 1892 فلبّاها فعرض على مسارح شيكاغو لعدة شهور وفي طريق عودة بالسفينة استبد به الحنين لدمشق فكانت أغنية (يا طيرة طيري يا حمامة) التي ربما تعتبر من الأغنيات الشامية الخالدة فالقباني كان متعدد المواهب حيث كان موسيقياً وأديباً وشاعراً فضلاً عن كونه مسرحياً وله أيضاً أغنية:
(يا مال الشام يلا يا مالي
طال المطال يا حلوة تعالي) الخالدة.
ولكن مطلع القرن العشرين حمل أنباء غير سارة للقباني فقد أقدم أعداء النور على إحراق مسرحه في القاهرة فعاد منكسر الفؤاد إلى دمشق حيث غادر الدنيا فيها ودفن في ترابها وهو لا يعرف أنه وبعد ثلاثين عملاً مسرحياً وبعد تحديه لتقاليد ولأعراف بالية وإصراره وعناده أنه أسس لأبي الفنون في الشرق العربي وأنه دخل التاريخ من أوسع أبوابه وأنه سيعود بعد قرن وعقد إلى الولايات المتحدة محمولاً على أجنحة مسلسل تلفزيوني وأن خصمه سعيد الغبرة لا يعرفه إلا الباحثون بالتاريخ أما هو فقد أصبح ناراً على علم الفن لا تُطفأ أبداً وأن اسمه يتردد كل يوم عشرات المرات كلما مر الدمشقيون أمام المسرح الذي يحمل اسمه في شارع 29 أيار وسط المدينة التي لم تعرف قيمته وقدره إلا بعد حين وهذا قدر الكبار والروّاد دائماً.
ويجدر بنا أن نذكر أن مسلسل (الاجتياح) الأردني من حيث التمويل والإنتاج والسوري من حيث الجهد قد نال قبل عامين جائزة (إيمي) وكان حدثاً غير مسبوق في تاريخ الدراما التلفزيونية العربية وإن حاول البعض الغمز من قناة هذه الجائزة حيث وجدوا موضوع العمل حجة لذلك إلا أن غمزهم لم يكن في محله فالعمل يستحق أرفع الجوائز وأهمها حيث تناول جانباً مهماً من القضية الفلسطينية وحاول توسيع دائرة الرؤية وقد رفع شخصيات (الاجتياح) كوكبة من فناني الدراما السورية وواجه مشاكل حقيقية في مسألة العرض في الفضائيات العربية. والجدير ذكره أيضاً أن مسلسل (أبو خليل القباني) يعتبر من بواكير تجارب المخرجة إيناس حقي وهي ابنة المخرج المعروف هيثم حقي الذي كان له الفضل في ظهور هذا العمل للنور حيث أنتجته شركة (ريل فيلم) لمصلحة قناة الأوربت ولعب بطولة مجموعة من الفنانين السوريين أبرزهم الفنان باسل خياط الذي أدى شخصية القباني وخالد تاجا، عبد الهادي الصباغ، ديمة قندلفت، خالد القيش، وسواهم.