2012/07/04
محمد أمين – الوطن كنا نتوقع ونأمل أن يفتح مسلسل (أبواب الغيم) أبواباً جديدة للدراما البدوية ويقدم مقترحاً مختلفاً يكون خطوة أخرى في طريق إعادة الاعتبار لهذا النوع من الدراما وخاصة أن صناع المسلسل قبل وأثناء تصويره قد رفعوا سقف قدرة هذا العمل على فتح أبواب الغيم «الباب تلو الآخر» وأكدوا أن حكاية عودة المشاهد سوف تطرح «أسئلة في الهوية والانتماء والتاريخ والجغرافيا والمجتمع لا تزال راهنة حتى وقتنا الحالي». وأكدوا أيضاً أن العمل «يرقى لأن يكون ملحمة بحق لا عن البدو فحسب بل عن العرب بصورة عامة» ولكن العمل الذي لم يستطع أن يلفت نظر المشاهدين السوريين كان أقل من الآمال وأعلى من مستوى الخيبة حيث لم يستطع كاتبه «عدنان عودة» أن يخرج من تحت عباءة مسلسله (فنجان الدم) الذي عرض في رمضان الفائت وقوبل بترحاب لأنه كان العمل البدوي الأول الذي يلامس تاريخ قبائل عربية كان لها دور سياسي مهم في القرن التاسع عشر. لقد رمى الكاتب في «أبواب الغيم» مجموعة من الحكايا المتداخلة والمتشابكة ولم يغادر بذلك إلى مطارح جديدة في ذاكرة وتاريخ البدو العرب. قصص حب مكرورة وحوار شخصيات استعاره بالكامل من عمله السابق، ورغم محاولته التقاط تفاصيل تخص الحياة الاجتماعية للبدو إلا أن هذه المحاولة لم تستطع إغناء النص بشكل يحميه من الوقوع في التكرار والمراوحة بل التراجع، لقد اعتمد الكاتب على مجموعة من الحكايا التراثية التي في أغلبها غير مبنية على واقع كحكاية الأفعى التي تسمم الحليب لأن الأطفال قد أخفوا بيضها أي إن الكاتب قد بنى أحد أهم خطوطه الدرامية على حكاية متخيلة لا يدري أحد مصدرها ومكان وقوعها وربما هي تدخل باب الخيال وليس أبواب الغيم. مبالغة في الشر الذي يكمن داخل بعض الشخصيات ومبالغة في نبل وطهر الشخصيات الأخرى. لقد أراد الكاتب أن يغطي نصه بثوب سياسي إلا أنه وقع في فخ الافتعال والإقحام الذي شطر عمله إلى أجزاء متناثرة لا رابط بينها ولا جامع إلا الورق الذي كتبت عليه، ورغم محاولات المخرج الكبير حاتم علي تخليص النص من هذه الأفخاخ الدرامية القاتلة من خلال تنويع زوايا التصوير التعبيرية التي تطلق عنان المشاهد للتأويل والمتعة البصرية ومن خلال تعبه الواضح على ممثليه للوصول بالحالة إلى أقصى معانيها الانفعالية، إلا أن هذه الجهود لم تساعد في إطلاق أيادي العمل المغلولة باللاجدوى واللاقيمة واللاهدف. وأجمل ما في هذا المسلسل الذي خصصت له ميزانية كبيرة أشعار صاحب السمو محمد بن راشد آل مكتوم حاكم إمارة دبي الذي ينهل من معين البادية العذب معاني جميلة ومعبرة تفجر بالروح ينابيع الشوق والحنين: «أحب أهلي البدو والشوق قتال فهم يميني للزمان وشمالي» كما كان سامياً أداء الممثلين السوريين الذين تفوقوا على أنفسهم وتحدوا اللهجة البدوية الصعبة ونجحوا في ذلك إلى حد بعيد، حيث لم يستطع حاجز اللهجة التأثير على أدائهم المؤثر لشخصيات كانت تحتاج إلى بناء درامي أفضل ولا ننسى الديكور الذي اقترب كثيراً من روح المرحلة التي تناولها العمل والملابس والمكياج كانا من أبطال هذا المسلسل الذي تداخلت فيه الأزمنة والأمكنة الأمر الذي أربكه وشتت مراميه. إن تاريخ البدو في الجزيرة العربية وبلاد الشام تاريخ غني وفيه شخصيات ترقى إلى أن تكون تاريخية في فعلها وشمائلها وحضورها وتأثيرها الكبير على مجريات هذا التاريخ ومن ثم فإن من الأولى أن نلقي الضوء عليه من خلال أعمال تعرف ما تريد وتسعى إليه بحلّة درامية جميلة وجمال الجوهر أهم ألف مرة من جمال المظهر. وهنا لا نريد أن نبخس الذين اشتغلوا في «أبواب الغيم» حقهم، فربما اجتهدوا ولكنهم أخطؤوا أو لم يحالفهم الصواب. نعرف أن جهوداً كبيرة قد بذلت وإن أسرة العمل تنقلت بين عدة بلدان وتحملت أذى الحر والبرد وإن الآمال كانت واسعة ولكن سفن هذا العمل لم تأت كما نتمنى وعاندت كما عاندت سفن أعمال أخرى ولم ترسُ في ميناء المشاهدين.