2013/05/29
بشار إبراهيم – الحياة
ينبغي التمييز بين الإعادة والتكرار. الإعادة ضرورة. التكرار فائض. تعمد القنوات التلفزيونية، عادةً، إلى اعتماد أسلوب الإعادة مراعاةً لاختلاف التوقيت اليومي، بين هذه المنطقة وتلك، في شرق العالم ومغربه، كما أن الإعادة تتيح فرصة ثانية وثالثة لمن فاتته المُشاهدة، سواء بسبب التواجد في غمرة عمل، أو لتأخّر في توقيت بثّ البرنامج، وفق مكان تواجد المشاهد المُستهدف ما بين أستراليا وكندا أو الولايات المتحدة! فما بال التكرار؟
الإعادة والتكرار أمران مختلفان جوهرياً، وإن بدا لوهلة أولى أنهما يتشابهان على مستوى الشكل. من نافل القول التشديد، مرة أخرى، على أن الإعادة شيء، والتكرار شيء آخر تماماً. الإعادة دلالة قوة وصحة، والتكرار دلالة ضعف وقلّة حيلة. ينتظر المُشاهد الإعادة ويترقّبها، ويتعفّف عن التكرار ويملّه، ويمدّ يده سريعاً إلى جهاز التحكم لإعفاء نفسه من الوقوع على الصحن ذاته مرتين أو ثلاثاً.
الإعادة فسحة للتجدّد، ومساحة للتأكّد، وربما التعمّق. أما التكرار فلا يعدو أن يكون مغبّة وقوع في ثرثرة، وحيلة إملاء وقت البثّ بما هو نافل. تحتاج البرامج إلى إعادات، أما نشرات الأخبار فلا يمكن النظر إليها إلا بمنطق التكرار. بل إن بعض القنوات يعمد إلى تسجيل نشرة أو موجز الأخبار وإعادة بثّه كما هو، بما في ذلك التقارير ذاتها. لا منطق في أن تشاهد التقرير ذاته، مرات، خلال ساعات معدودة، في اليوم الواحد.
يتّفق العالمون بشؤون التحليل النفسي على أن التكرار يؤدي أحياناً (وربما غالباً) إلى حال من الاعتياد، حيث يمكن الصورة مهما كانت فعّالة ومؤثّرة أن تتحوّل إلى مشاهد اعتيادية باردة، بخاصة أن تكرار التعرّض لمشاهد العنف في وسائل الإعلام، يؤدي إلى تبلُّد أحاسيس الناس تجاه العنف. من هنا ينبغي إدراك أن على التكرار في عرض الصور الحيّة أن يكون مدروساً مُنظّماً، ومتجدّداً في توظيفه.
لا يأبه عدد من القنوات التلفزيونية إلى هذا. يكررون القول، مرة إثر أخرى، ويعرضون التقرير ذاته، اعتقاداً منهم بأنهم يعزّزون ما يقولون، ويرسّخون ما يعرضون، ولا ينتبهون إلى أنهم في الواقع العملي يُفرغون ما يقدّمونه من قوة تأثيره، ويسلبونه من وهجه، وفي النهاية يحوّلونه إلى شيء مكرور، إلى درجة مُنفّرة ومُملّة.
إنه منطق أداء العمل الإعلامي التلفزيوني بعقلية المُوظّف، أي بأسلوب التخفّف ما أمكن من أعباء البحث عن الجديد، المُتوافر في كل لحظة، وبطريقة التخلّي عن الحرص على التنوع والتجديد. لن يكون من المقبول لدى المشاهد أيّ تبريرات تقدّمها غرفة تحرير الأخبار. لا قولها بعدم عثورها على جديد تقدّمه، ولا مراهنتها على أهمية ما قدّمته من قبل، وترى ضرورة تكراره كل نصف ساعة، أو ساعة.
المشاهد باحثٌ عن الجديد على الشاشة، وينتظره، وهذا حقّه. والإعلامي ملتزم تقديم الجديد، المُتجدّد، في كل لحظة، وهذا واجبه. تقوم المشاهدة التلفزيونية على تعاقد راسخ، تُعزّزه الإعادة، ويُفسده التكرار.