2012/07/04
جوان جان - البعث
ليس أمراً جديداً على الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب الحديث عن وسائل إعلامية تمتلك سطوة وتأثيراً كبيرين تستطيع من خلالهما أن تسيّر الرأي العام وتكسب تعاطفه واحترامه اعتماداً على مصداقية في الأداء ودقة في نقل الخبر وعدم الانجرار وراء ترهات الأمور وصغائرها ضمن إطار من الأداء الإعلامي الشريف والبعيد عن أسلوب الصحافة الصفراء في نقل الخبر ومتابعته ومعالجته .
ويقدم لنا تاريخ الإعلام العالمي العديد من هذه النماذج المشرّفة في أدائها الذي استطاعت من خلاله أن تكرّس نفسها عنصراً هاما وفعالاً في خارطة الإعلام المعاصر .
ولكن يبدو أن المُثل والمبادئ التي نشأت عليها معظم وسائل الإعلام العالمية قد أصبحت من منسيات بعض هذه الوسائل في عالمنا العربي، فقد تضخمت أناها وظنّت نفسها أنها فوق المبادئ والمثل والأخلاق فأخذت تطيح بكل ما يحيط بها يميناً ويساراً كالثور الهائج الذي يعتقد أنه أقوى وأذكى وأشجع من البشر الذين يتراكضون أمامه ناسياً أنهم إنما يفعلون ذلك كي يسوقوه إلى الحلبة التي سيتم فيها القضاء عليه .
ومما لا شكّ فيه أن قوى ما أقنعت وسائل الإعلام هذه أنها فوق كل القوانين والشرائع والاتفاقيات وأنه بإمكان العاملين فيها أن يرتكبوا ما شاؤوا من تجاوزات دون أن يكونوا في موضع المساءلة القانونية، أو الأخلاقية على أقل تقدير.. وتأتي فضائية “الجزيرة” في مقدمة هذه الوسائل التي ما فتئت تقدم الدليل تلو الآخر على احتقارها لا للمتلقي العربي فحسب بل وللمتلقي خارج حدود الوطن العربي، بل والأدهى من ذلك وصل الأمر بالجزيرة إلى الاستهانة بشخصيات ذات وزن دولي لا يمكن مهما ارتفعت هامة “الجزيرة” أن تصل إلى حيث تدوس هذه الشخصيات، فقد تناقلت مواقع الكترونية قبل فترة خبراً عن قيام مراسل “الجزيرة” في موريتانيا بانتحال شخصية المناضل الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا والقيام بكتابة مقال باسمه تم وضعه على موقع “أرابيان بزنس” الالكتروني موجّه إلى شعوب ما يسمى بالربيع العربي، وبالتحديد في تونس ومصر، وقد تورّطت عدة صحف عربية في نشر الرسالة المزعومة والتعليق عليها، كما وقع إعلاميون عرب في الفخّ نفسه عندما راحوا يدبجون المقالات التي تمتدح الرسالة وتثني على مرسلها، في الوقت الذي لم يكن للمرسل المزعوم علم بالموضوع من أساسه .
وربما يتوقع الكثيرون أنه بعد كشف التزوير المتعمّد من قبل مراسل “الجزيرة” في موريتانيا لشخصية عالمية كنيلسون مانديلا أن تبادر “الجزيرة” إلى معاقبته، أو على الأقل مساءلته، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، بل على العكس تماماً فقد أخذ المراسل وبكل صلافة ووقاحة يتبجّح بفعلته ويتفاخر معللاً تصرفه بأنه نبيل الهدف.. والسؤال هنا كيف تجرّأ هذا الصحفي على انتحال شخصية عالمية بهذا الثقل؟ وهل كان يقدم على هذا الفعل الأجوف لو لم يكن يثق أن القناة التي يعمل فيها خارجة عن كل القوانين والأخلاق والمبادئ الإعلامية وأنها -والعاملين فيها- محصّنة ضد أي انتقاد؟
لا شك أن هذا الإعلامي يدرك أن أحداً في عالمنا العربي، حتى على مستوى الحكومات، لن يتجرأ على انتقاد “الجزيرة” لأن هذا يعني أن هذه الجهة ستصبح في مرمى النيران، لذلك مرّ الموضوع مرور الكرام وكأنه لم يكن، ولا عجب في ذلك، فانتحال شخصيات الآخرين أصبح من بديهيات العمل اليومي في هذه الفضائيات، وأقرب مثال على ذلك فضيحة انتحال شخصية مستشار محجوب العضو الوهمي في وفد المراقبين العرب في سورية في بداية مهمته والذي كانت بطلته فضائية “العربية” التي لم يرف لها جفن وهي تقع للمرة الخمسمئة في الخطأ نفسه الذي لا يمكن لبعض الكائنات أن يقعوا فيه أكثر من مرة واحدة .