2012/07/04
محمد عبد الرحمن- الأخبار وحدها المصادفة جعلت صالات العرض المصرية تستقبل أربعة أفلام متتالية تحوي «مشاهد ساخنة»، وهي التسمية التي تُطلقها الصحافة المصرية على اللقطات الحميمة التي تُعرض على الشاشة الكبيرة. بعد «بالألوان الطبيعية» لأسامة فوزي، جاء فيلم «كلمني شكراً» للمخرج خالد يوسف. وبعد أيام، قدّم هاني جرجس فوزي ثاني أفلامه بعنوان «أحاسيس» وانتهت الرباعية باسم كبير هو داوود عبد السيد الذي سيعرض فيلمه «رسائل بحر» في الصالات ابتداءً من الثالث من شباط (فبراير) المقبل. تحوي هذه الأفلام الأربعة مشاهد جنسية متفاوتة. مع ذلك، لا يمكن القول إنّ السينما المصرية تحررت نهائياً من شبح السينما النظيفة الذي حمله محمد هنيدي ورفاقه في بداية القرن مع مجموعة أفلام كوميدية سيطرت على الساحة... بالتزامن مع ارتفاع أصوات المتشددين الذين تجاوبت معهم الصحافة تجاوباً غير مباشر حين خصّصت مساحات أكبر للأفلام التي تضمّ ولو قبلة واحدة أو ممثلة ترتدي المايوه لينشغل الناس بالشفاه والأجساد من دون النظر إلى مستوى الفيلم الفني. الأمر نفسه ينطبق على الموجة الجديدة من المشاهد الجنسية التي اجتمعت عبر لعبة المصادفات البحتة: مثلاً، كان مقرراً عرض فيلم «كلمني شكراً» في عيد الأضحى لولا الحريق الذي طال ديكورات العمل في «استديو مصر». وكذلك الأمر بالنسبة إلى «رسائل بحر» الذي تأخر عرضه لأسباب فنيّة وتقنية. وبما أنّ الهدف هو التركيز على الأجساد فقط، تتناول الصحافة حالياً تلك الأفلام باعتبارها دليلاً على تسامح الرقابة. وهو أمر غير صحيح إطلاقاً، لأنّ الجنس في أغلب الأحوال لا يخيف النظام. كما أنّ الجنس الذي يُعرض في هذه الأفلام ليس صريحاً ولا مباشراً، فصناعها لا يجرؤون أساساً على تقديم أي مشاهد حميمة بالمعنى الدقيق للكلمة. بالتالي، كل ما يقال في الصحافة عن هذه الأعمال أفاد بعض الأفلام من خلال التغطية على عيوبها الفنية وأضر أخرى بالتركيز على لقطات لم يتعمّدها المخرج لجذب الجمهور بكل تأكيد. كما تُبرز التغطية الصحافية لهذه الأفلام التفاوت الكبير في نظرة المجتمع إلى الرجل والمرأة والجنس. إذ إنّ الممثلات اللواتي يقدمن تلك المشاهد يحضرن قبل العرض للتصريحات المناسبة للرد على الهجوم. وكان من بينهن الممثلة داليا تعرّض خالد يوسف للنقد بسبب كثرة الإيفيهات الجنسية وظهور الممثلات بملابس مثيرة طوال الوقت إبراهيم التي خرجت لتؤكد أنّ أسرتها وافقت على المشهد الذي يُظهرها في السرير في «كلمني شكراً»، فيما الممثّلون الرجال لا يتعرّضون لأي هجوم. وتنتظر الممثلة بسمة حملةً مشابهة لتلك التي تعرضت لها منى زكي في «احكي يا شهرزاد». إذ ظهرت في الإعلان الخاص بـ«رسائل بحر» وهي تؤدي بعض اللقطات الحميمة مع آسر ياسين، ما قلبَ الصورة المعتادة عن بسمة لدى الجمهور المصري. غير أن تقديم بعض مشاهد الجنس في أفلام داوود عبد السيد (رسائل بحر) وأسامة فوزي (بالألوان الطبيعية) يختلف عما قدّمه خالد يوسف في «كلمني شكراً» ويقدمه هاني جرجس فوزي في «أحاسيس». الفريق الأول معروف منذ البداية بجرأته في تقديم هذه المشاهد ضمن حدود الدراما التي تعبّر عن قصة الفيلم. لكنّ خالد يوسف الذي نجح في إثارة الجدل حول معظم أفلامه، لم يفلح هذه المرة في نيل رضى النقاد: ها هم يُجمعون على اهتمامه الشديد بكثرة الإيفيهات الجنسية وظهور الممثلات، وخصوصاً غادة عبد الرازق وحورية فرغلي، بملابس مثيرة طوال الوقت. بينما انحاز خالد يوسف لأول مرة ضد المواطن العادي الذي دافع عنه في أعماله السابقة، فحمّله، لا السلطة، المسؤولية الكبرى في عدم حصوله على حياة كريمة، وذلك من خلال شخصية البطل (إبراهيم توشكي) الذي يمارس كل المهن ويحاول أن يصبح نجماً سينمائياً لكنّه يفشل بسبب تركيزه الدائم على النصب والاحتيال والدخول في علاقات جنسية متعددة. كما تعرّض فيلم يوسف للنقد السلبي بسبب الدعاية المفرطة لرجل الأعمال نجيب ساويرس (وشركته «موبينيل») كونه مشاركاً في إنتاج الفيلم. غير أن «كلمني شكراً» أخف وطأة من «أحاسيس» الذي صنفته الرقابة المصرية «للكبار فقط». إذ دشن هاني جرجس فوزي لسينما خاصة به تعتمد على تقديم المشكلات الجنسية للجمهور بهدف مواجهتها لا مغازلة شباك التذاكر كما يقول. ويتعرض فيلمه لأزمات مجموعة من الرجال والسيدات في فراش الزوجية. ورغم الفارق الكبير في استخدام الجنس بين الأفلام الأربعة، إلا أنّ الصحافة، ومن ورائها الجمهور، تضع تلك الأفلام في سلّة واحدة. مع ذلك، يبدو الكلّ سعيداً بهذه الضجة التي أنعشت الموسم السينمائي الذي بدأ في أجواء باردة قبل أن تستعيد السينما النظيفة مكانتها الطبيعية في موسم الصيف المقبل حيث الإقبال العائلي يكون على أفلام لا تحتوي ولو على قبلة واحدة.