2012/07/04
أحمد الخليل - تشرين دراما
الفنان خالد تاجا من القلائل في الوسط الفني الذين يجاهرون بآرائهم السياسية والدينية
والفلسفية فهو لا يحفل أبدا بما يقول عنه الآخرون أو يتهمونه به لكونه ربّى نفسه على
أن يكون رجلا حرا منفتحا صريحا ينهل من كل الثقافات، آراؤه صادمة أحيانا لمحبيه وزملائه
لان الصدق مبدأ حياة عنده فلا يجامل ولا يلجأ إلى إرضاء الآخرين، فالمهم إرضاء ذاته
وقناعاته لكن من دون أن يكون ذلك على حساب الآخرين فهو يمتلك ذهناً منفتحاً ديمقراطياً دون ادعاء لان ذلك جزء من تركيبته الفكرية والنفسية..
(كل ما أقوله وما مثلته أثر في تكويني الشخصي، مررت بكل المحطات: الصعود والهبوط،
الفرح والمرارة، الصدمات والنكبات، لا أحب الظلم والقهر والخنوع، أحب أن يكون الإنسان
سليما معافى، كرامته محفوظة، أحبه أن يكون شريفا شجاعا لا يخاف قول الحق، يكره
الكذب... أحب الشجاع الذي يقدم نفسه حتى لو ذهب للجحيم والشعوب التي وصلت
للقمة مرت بمجازر كثيرة و التاريخ يشهد بأحداث كثيرة،وحتى يحرر الإنسان نفسه ويمتلك مقدراته عليه أن يضحي....)، ورغم صرامة آراء تاجا في الحياة إلا
أنه ذو طبيعة حالمة كما يقول: (رجل عاطفي ورومانسي إلى حد ما وتؤرقني رومانسيتي أحيانا كثيرة لأن الواقع غير الرومانسية...)
كتب تاجا الشعر في سن صغيرة، وتوقف عن الكتابة وهو في عمر 25 وجرب الرسم وتوقف سنة 1983، فالتلفزيون خطفه كليا ولم يبق عنده متسع من
الوقت حتى ليراجع نفسه، (أشعر بغصة لأنني بعيد عن ذاتي احتاج لوقت قليل لأحاكي نفسي واحلل الأشياء التي أمر بها ولكن الوقت لا يسمح أبدا...)
لا يلتفت تاجا إلى تراكم السنين لأنه مؤمن بالحركة والمستقبل بشكل دائم (أنا أسير في طريقي بشكل طبيعي، ولا أتصنع في شيء، أتعلم من كل
أخطائي، مسيرتي فيها النجاحات والإخفاقات المهم أن نستمر أنا مؤمن بفلسفة النملة والنحلة،لا أؤمن بشيء مستحيل، ليس عندي مبدأ (ستوب) لا يزال
أمامي الكثير مما لم أحققه وأتمنى أن يساعدني العمر بذلك....)
وبرأي تاجا الفنان لا يتقاعد إلا نتيجة مرض أو موت (فطالما الإنسان يتحرك عليه أن يستثمر وقته لآخر لحظة من حياته وأن يتعلم لأننا في النهاية ونحن
نموت نتعلم كيف نموت? أنا ضد توقف الزمن وأعتبر أن الحركة هي الحياة)
وخالد تاجا له فلسفته الخاصة ومعتقداته التي يجاهر بها دون خوف من أي سلطان إن كان سياسياً أو اجتماعياً أو كهنوتياً (أنا مؤمن بالعلم وعلماني في
طريقتي وقادر على استيعاب كل شيء جديد...وأعتقد أن الديانات هي نتيجة تراكمية مأخوذة من بعضها، والإنسان دوما يبحث في ثقافة الطبيعة والموت
القاهر الذي يأتي رغما عنه هو يحاول أن يبحث عن الإله الأوحد في لحظات ضعفه، يبحث عن هذه القوة الخارقة التي تتحكم به...)، وتاجا لا يخاف من
الموت أو من النهايات لذلك هو مدرك للنهاية وجهز نفسه لها: (اشتريت قبرا باسمي فلكل محطة نهاية، مكتوب على حافة القبر : مسيرتي حلم من الجنون
كومضة شهاب زرع النور بقلب من رآها لحظة ثم مضت...): (منزل الفنان محمد خالد ابن عمر تاجا من مواليد 1939 توفي ومتروك هذا التاريخ إلى الأجل..........)
وتاجا يؤكد دائما على الانفتاح على ثقافات الآخرين ونبذ التزمت والتعصب والانغلاق (أنا مع الانفتاح على مختلف الثقافات وأنا مؤمن بمقولة طاغور - أريد أن
تكون نوافذي مشرعة وان تهب على نوافذي ثقافات كل الأمم بكل ما أمكن من حريات لكني أنكر على أية منها أن تقتلعني من ذاتي، طالما أننا نعيش على
كوكب واحد وفي قرية صغيرة علينا استيعاب مختلف الثقافات لأنها بالمحصلة ثقافة إنسانية... ويضيف تاجا (اليوم أتمنى أن أصل لبيتي بسلام، الأحلام لا
تتوقف إنما ليس في هوليوود لكن بالفعل عرض علي عمل ورفضته لأنه كان يخالف عقيدتي ومبادئي وهو عمل يتحدث عن الإرهاب وأنا أميز بين الإرهاب
والدفاع المشروع عن النفس لذا رفضته رفضاً قاطعاً، كما أنني لست ضد العولمة بالمعنى الإيجابي، وأنا ضد الحواجز..ضد جوازات السفر.. ضد اللغات
المتعددة.. أتمنى أن يتوحد العالم بلغة واحدة وهذا حلم بعيد المنال...).
وللسياسة في اهتمامات تاجا حيز مهم فهو ضد الظلم ومع حق الشعوب في امتلاك ثروة بلدانها والحفاظ على كرامتها (حكام أمريكا لا يظلمون شعوبهم
هم يستبدون بالشعوب الأخرى، أما بعض الحكام العرب فهم يظلمون شعوبهم، وهذه الشعوب لم تختر قياداتها هي أنظمة تسللت من السطوح والشعوب
دوما تختار الأصلح، هم فاسدون بأغلبيتهم فرضوا وجودهم بقوة السلاح.....).
ويمتدح تاجا الكوميديا السورية لجرأتها في نقل صورة غنية عن الواقع الدراما السورية نجحت في نقل الصورة الواقعية بقالب كوميدي على عكس مصر حيث
توجهت للتهريج بهدف الإضحاك، سورية تعتمد الكوميديا السوداء الذكية ووصلت إلى صلب قضايا هامة ومررت نفسها بشكل أو بآخر...)
يتحسر تاجا على غيابه عن المسرح بسبب غياب الشروط التي يتطلبها المسرح (ليس لدي وقت للعشق لأن المسرح عشقي، وقد سرقني التلفزيون
منه و لم يترك لي وقتاً، كما أن هناك سبباً آخر أن كامل الشرط المسرحي غير متوفر بالشكل الذي أطمح إليه).
والفنان خالد تاجا يعشق دوره في مسلسل الزير سالم ويعتبرها كإحدى شخصيات شكسبير (شكسبير شخصية عبقرية ينسج قصصه بصورة تراجيدية
مؤثرة، وشخصية الحارث بن عباد كتبها المبدع ممدوح عدوان ببراعة وشغف ونسج خيوطها بصورة مأساوية مؤلمة، الحارث كان رجلا عجوزا وتم قتل ابنه
الوحيد في حياته في لحظة صعبة كان أحوج ما يكون لوجود ابنه بجانبه، حينما قرأت رواية الزير سالم لم أحذف أو أضيف عليها حرفا لأنها جاءت متكاملة..)
والعودة إلى التاريخ في دراما التلفزيون لها مبررها الفكري والفني فنحن بحسب تاجا (نلجأ للتاريخ ونسقط عليه الواقع المعاصر لأن التاريخ يعيد نفسه أحيانا،
مثلا في ملوك الطوائف أبدع الكاتب في تصوير حالة التمزق والفساد وهزيمة العرب والصراعات الداخلية وهي تتشابه مع ما نعيشه اليوم، والعالم بات قرية
صغيرة، وصور المعاناة تتشابه والعولمة قربت البعيد وبعدت القريب لم يعد بالإمكان إخفاء أي شيء كل شيء بات على المكشوف، و مقص الرقيب لم يعد
نافعا للأنظمة...