2012/07/04
شكري الريان
تطالعنا الأخبار من شركة سورية الدولية للإنتاج الفني، بأنهم هناك قد بدؤوا ورشة التحضير لبقعة ضوء.. والورشة بإدارة الفنان أيمن رضا، وأنها، أي الورشة، مفتوحة لكل المساهمات التي يمكن أن يقدمها الجمهور أو أي من الكتاب الشباب.. وأنهم، سورية الدولية، مستعدون للتعامل مع النصوص التي تردهم بكل الجدية المطلوبة ودراستها وإنتاج ما يصلح منها.. التفاصيل هنا وإن لم تكن كثيرة، إلا أنها مختصرة ومثيرة في آن معاً.. فأن تفتح باب الكتابة للجميع لعمل حقق ما حققه بقعة ضوء، لهو أمر يتطلب حقيقة جرأة غير عادية.. ليس من ناحية المضمون المتوقع للنصوص، وقد يكون بعضها في غاية الجرأة، ولكن من ناحية الوقت والجهد المطلوبين للقيام بالمهمة التي أعلنت الشركة عن نيتها الضلوع بها.. خصوصاً وأننا لا نتكلم عن عمل جديد يتسم بالصيغة التجريبية.. إنما عن عمل أصبح بدوره معلماً ثابتاً من معالم الدراما الرمضانية. وقد حقق العمل فعلاً رصيداً لا يمكن الاستهانة به.. والدليل على ذلك هو موسمه الأخير (السابع) في رمضان الماضي، وعلى الرغم من أنه لم يكن سوى تجميع للوحات شوهدت عبر المواسم الست التي سبقته، إلا أنه بقي محافظاً على جمهور بقي وفياً لعمل، كان بدوره وفي معظم مواسمه (مازلنا نستثني الموسم السادس بالتحديد) عند حسن ظن جمهوره به.. أن تجرب فهذا ليس عيباً.. بالعكس، في مجال الفن التجريب هو الوسيلة التي تكاد تكون الوحيدة لفتح أفق جديد.. وربما مواسم بقعة ضوء الأولى وبنفَسها التجريبي الجريء هي التي ساهمت في خلق كل هذا الرصيد لعمل كان في أساسه لوحات.. وتلك الأخيرة لم تكن جديدة البتة على درامانا والدراما العربية عموماً (يكفي أن نذكر مرايا الفنان ياسر العظمة)، ولكن لوحات بقعة ضوء بالذات لم تكتف بالتميز والاختلاف عما سبقها، بل كرست رؤية جديدة كلياً، شكلاً ومضموناً، أدهشت وجعلت الجميع يطالبون بالمزيد.. وأمام هكذا رصيد، يصبح صاحب العلاقة مطالباً بالمزيد من... التريث.. وليس التجريب.. فليس كل تجريب طريق للإبداع بالضرورة.. والتريث بدوره قد يكون قاتلاً لكل تلقائية.. ولكنه وأمام رصيد بات كبيراً لدرجة لا يمكن إنكاره، يصبح ضرورة وإن كانت مؤقتة.. ولنفصّل أكثر حتى لا نقتل المقال كلاماً بالعموميات.. ما أدهش في الأجزاء الأولى كان التركيبة بأكملها.. نصاً وصورة وأداء.. وللتدقيق في الأمر أكثر نبدأ بالنص.. الذي اتسم بخفة الظل والعمق في آن.. لم تكن النكتة من أجل الإضحاك فقط، ولكنها بدورها كانت محبوكة وبحرفية عالية جداً، جعلت الجميع يدركون أن الكاتب أو الكاتبة إنما يحترمون ذائقة المتلقي ويفترضون سلفاً أنها لا ترضى بـ "أي كلام".. ولذلك حلق الكتاب في مخيلتهم تاركين التفاصيل للإنتاج الذي لم يبخل بدوره.. وندخل هنا في مجال الصورة.. إنتاجاً وإخراجاً على حد سواء.. فلوحة قد يقوم بها ممثل أو ثلاثة على الأكثر وتدوم دقائق.. ولوحة أخرى قد تتطلب مجاميع كاملة وتدوم ربما لفترة أقل.. عنصر الإدهاش هنا لم يكف عن جذب الجميع.. فالصورة بمجملها كانت تأخذ حقها كاملاً بالاستناد إلى النص.. وإلى رؤية المخرج الذي كان يجد نفسه أمام مساحة واسعة "للعب" على الرغم من أن اللوحة قد لا تستمر دقائق.. ولذلك تفنن المتعاقبون في المواسم الأولى في تقديم رؤى رسخت رصيد العمل أكثر وأكثر.. أما من ناحية الأداء، فهنا لم يكن مجال لنجومية مفترضة أو حتى مفروضة.. كان الجميع يشارك.. وكان الأجمل ظهور "نجم" في خلفية الصورة، ربما بدون أن ينطق كلمة واحدة، وبكاركتر غريب كل الغرابة عما اعتاد أن يلعبه، وكان هذا كافياً لينشد الجميع إليه متابعين حركاته التي تعزز اللوحة ولا تشتتها.. وتعزز دور زملائه في مقدمة الصورة اللذين ربما لم يواتهم الحظ في أن يكونوا نجوماً عبر أعمال أخرى.. ولكنهم في بقعة ضوء تساووا جميعا في النجومية، وتنافسوا في حيوية الأداء.. كل هذا كان متوافراً للأجزاء السابقة، وهذا ما جعلها تكتسب بريقاً خَشَينا أنه بدأ بالأفول في موسمين متتالين.. الأول (السادس) كان تقليداً مملاً وغير متقن، لأفكار ولرؤى وحتى لأداء، سبق أن شاهدناها جميعها في أجزاء أخرى. والأصل أفضل دائماً من التقليد.. والثاني (السابع) كان تجميعاً لبريق، أثبتت الإعادة، أنه لم يخفت بعد.. والسؤال الآن، هل ستتابع هذه البقعة لعب دورها بصفتها إضائة لمساحات أثبتت أنها أكبر من أن تحسب بالدقائق أوبالساعات أو بكل ما يفكر فيه جهاذبة وفقهاء الإنتاج عندنا، بأنه "الكليشة" الدرامية الأفضل، شاهد الجمهور أم لم يشاهد.. وهل يمتلك الموسم الجديد نفس الأدوات التي تجمعت للمواسم السابقة المتميزة.. ربما، عبر فتح الباب للمشاركة وللجميع، نصل إلى الركيزة الأولى لعمل درامي متميز، وهي نص متميز بدوره. نأمل أن تكون بداية موفقة لعمل لم يعزه التوفيق في مواسمه السابقة، وينتظره جمهوره طامعاً في المزيد من التألق..