2012/07/04
شكري الريان
صرنا عندما نود ممازحة زوجاتنا نذكرهن بنساء باب الحارة.. والتذكير هذا يتم بالاستناد إلى "الحالة" التي يتم فيها إطلاق المزحة.. وحتى لا يذهب خيال القراء الأعزاء بعيداً أقول بأنني أقصد بكلمة "الحالة" الجانب النفسي حصراً وفقط لا غير.. مع أن إطلاق المزحة المتعلقة بنساء باب الحارة أمام زوجاتنا يتطلب منا نحن الأزواج "وضعية" دائمة بغض النظر عن الحالة النفسية لزوجاتنا.. وهذه الوضعية يجب أن تكون دائما وضعية إحتماء من أي شيء يمكن أن يسقط على الرأس.. وشخصياً وبعد عدة تجارب، اكتشفت أن الطاولة هي أفضل مكان للجلوس تحته وأنا أطلق نكاتي مذكرا زوجتي بنساء باب الحارة!!!.. تبرم الكثيرون، وسخر كثيرون، خصوصاً من عبارة "سيد راسي".. وهي للحقيقة أدعى للسخرية، ولكن السخرية درجات وأنواع وفيها ما فوق الطاولة وما تحتها أيضاً.. ومن موقعي الذي فُرِض علي بسبب رغبتي الدائمة بالمزاح.. أستطيع القول بأن الصورة من تحت الطاولة تبدو نسبياً أكثر وضوحا.. وهذا ليس غريباً، فالذعر دائماً أدعى للمزيد من الحكمة.. في العيد يصبح من الطبيعي أن نعود إلى "أصولنا".. وأصولنا هذه تقتضي الكثير من الواجبات أهمها وصل ما انقطع مع من نحب ونريد أن نرى دائماً، ولكن ظروف الحياة تفرض علينا أن نكون بعيدين، ليأتي العيد ويكتسب معناه من خلال لقائنا بهم.. وفي العيد أيضاً وبالذات عيد الفطر، يكون الحديث الدائم عن الوجبة الرمضانية المتخمة بالمسلسلات التي لا نراها إلا في رمضان وبقرار، بت مقتنعاً أنه جاء نتيجة تواطؤ بين المشاهد (الذي يحب دائما أن يلعب دور الضحية) وبين قنوات البث (التي تحب دائما وأبدا أن تربح).. ودائماً وخلال السنوات الأربعة الماضية يكون النصيب الأكبر من الحديث لباب الحارة.. ويكون التصريح الأول الذي يجمع عليه الكل هو أنهم لم يشاهدوا إلا بضعة حلقات.. ولكن يكفي فقط أن تطلق عبارة من وزن "سيد راسي" مثلاً، حتى تلتفت الرؤوس إليك، بعضها ضاحك وبعضها الآخر ناقم، مما يؤكد أن الجميع فهموا التلميح تماماً.. ويكفي مثلاً أن تقول بأن أبو عصام سيعود إلى الجزء القادم.. حتى تمحى النقمة والضحكة ليحل محلها فضول لا يرتوي، ويصمت اللغط المحيط بك كما هي العادة في كل "الجَمعات" ويسود صمت وتتحول "الجَمعة" إلى كتلة واحدة تنبض بسؤال واحد.. وكأننا خرجنا لتونا من حارة "كل مين إيدو إلو" إلى حارة الضبع، وعبر كلمة واحدة!!!.. أعتقد أن الكبيرين دريد ونهاد عندما وضعا اسم حارتهما في عبارة "كل مين إيدو إلو"، كانا يريدان أن يوصلا إلينا رسالة بدءاً من اسم الحارة.. وفعلا قبلنا الرسالة وشربناها وأصبحت جزءاً من ذاكرتنا الجمعية.. ولكن لم يكن الاسم وحده هو السبب في هذا القبول.. كان "الجو كله على بعضه" هو ما أعطى دريد ونهاد وعالمهما، كل هذا الزخم والشعبية. وكان قبولاً وإجماعاً عزَّ مثيله على جميع ما أنتج لاحقاً وبالعربي، وليس بالشامي فحسب.. فما هي حكاية حارة الضبع، حتى يصبح القبول بها أمراً مقتصراً على ما تحت الطاولة؟!!!. نعلن أننا لم نتابع، ولكن كلمة واحدة تكفي للتأكيد أن الجميع يتابع ومستمر في المتابعة ويريد أن يتابع أكثر!!.. أهو نوع من "الحكاك" الذي ما أن نبدأه حتى لا نستطيع التوقف عنه. أم هي صورتنا منعكسة أمامنا على الشاشة بكل ما فيها من أشياء نحاول إبقاءها تحت الطاولة، مع فارق أن هذه الصورة أبقت على شيء واحد في بؤرتها، وهو ذاك المتعلق بـ "أصولنا" والتي لا يجب أن نخجل منها. لأنها وبالرغم من كل ما نراه محيط بنا في العالم خارج حاراتنا، وسابقا لنا وبسنوات ضوئية (لا أبالغ هنا)، وبالرغم من كل العناء الذي نعيشه وبالرغم من كل شيء، يبقى لدينا كمجموعة بشرية وجدت نفسها في وضعية لا تحسد عليها.. يبقى لدينا شيء "جميل" حتى ولو كان في حارة اسمها حارة الضبع!!!.. و"الجميل" هنا لا علاقة له بسيد راسي... فقط (ما أزال تحت الطاولة)، بل وأيضا بنمط وجد نفسه في مكان وزمان ما، في حالة تحد وأراد أن يثبت نفسه. نعم لدينا كل ما يمكن أن تحمله آلاف الصفحات من الاعتراضات المشروعة والمعقولة. ونعم لدينا تحفظاتنا على صورة لا نريدها أن تكون لنا... كاملة، بل نريد أن نضيف تفاصيل هنا وهناك محسنين حسبما نرى أنه الأجمل. ولكن تبقى ميزة هذا العمل أنه أمسك ليس بالصورة العامة وعكسها، فحسب.. بل وأيضاً بقي مركزاً على جزء مهم جداً في الوجدان العام وهو ذاك المتعلق برفض الانهيار كائناً ما كان السبب وكائنة ما كانت الضغوطات. ربما من أجل هذا بقي الحنين قائماً إلى أبو عصام وأبو شهاب، لأنهما (شخصية وأداء) كانا صدى واضحاً لهذه الرغبة التي إن انمحت، تحول كل ما عداها إلى تفاصيل.. بدءا من اسم الحارة مروراً بالتفاصيل وانتهاءً بالنتيجة، أحتل باب الحارة مكانته كعمل مالئ للدنيا وشاغل للناس.. وبالشامي (هيك على السبحانية طلع وفتل الروس كلها).. وتجاوز موسمه الرابع محققا نسب متابعة راهن الجميع على أنها ستتراجع.. ولكن الجميع أنفسهم هم من تابعوه وناقضوا ما راهنوا عليه.. وكأننا نريد أن ننكر على أنفسنا الحق بأن نجد لدينا شيئاً يستحق المتابعة، فقط لأنه يعكس جانباً من دواخلنا نخشى أن يظهر عن طريق آخر غير طريق النكتة ونحن جالسين تحت الطاولة!!!.