2013/05/29
جوان جان – تشرين
منذ سنوات البث التلفزيوني الأولى في العالم احتلّ الأطفال وبرامجهم مكانة واسعة، إذ خصصت القنوات التلفزيونية حيزاً كبيراً من فترات بثّها للأطفال وشؤونهم وشجونهم، فنشأت شركات إنتاج أفلام الرسوم المتحركة،
ومنها ما تخطى نطاقُ شهرته بلدَ المنشأ لتصبح صناعة الرسوم المتحركة صناعة عالمية، ولتصبح شركات إنتاج الرسوم المتحركة أشهر من نار على علم كشركة والت ديزني الأميركية المشهورة التي صدَّرت إلى العالم أجمع أكثر الشخصيات الكرتونية قرباً من قلوب الأطفال واستئثاراً باهتمامهم.
وبعد سنوات من البث التلفزيوني، وعقب نشوء الفضائيات المتخصصة كان لا بدّ للأطفال من أن يأخذوا حصتهم التي يستحقون، فظهرت الفضائيات الخاصة ببرامج ومسلسلات وأغاني الأطفال حتى فاق عددها عربياً الخمس عشرة قناة، والتي تعنى بمجملها بشؤون الأطفال بأعمارهم المختلفة.
وبطبيعة الحال اختلف التوجّه للأطفال من قناة إلى أخرى، حيث حظي الأطفال في كثير من الأقنية الفضائية سواء الموجهة للكبار أو للصغار بكثير من الاحترام لمشاعرهم وميولهم، فلم يتمّ استخدامهم كوسائل لتحقيق أهداف معينة أو إيصال رسائل مشفّرة، بينما اختارت قنواتٌ قليلة العدد كبيرة التأثير أن تتخذ من الأطفال وبراءتهم دروعاً بشرية بلَبوس إعلامي لتصويب نيرانها في اتجاهات محددة في اعتداء سافر على براءة الأطفال، ولا أدلّ على ذلك من مثال أكثر مما نشاهده يومياً على الشاشات العربية من مَشاهِد زجِّ الأطفال في شوارع المدن العربية ودفعهم لاتخاذ مواقف سياسية وبتحريض لم يعد بخافٍ على أحد من تلك الأقنية التي تستغل هذه المَشاهِد كي تعرضها وتعيد عرضها عشرات المرات من دون أن تتساءل ولو مرة واحدة عن مصير رفاق هؤلاء الأطفال في الدول الأوروبية مثلاً إذا ما خرجوا في الشوارع للمطالبة بمطالب سياسية، وفيما إذا كانت تلك الدول تسمح أصلاً بنشوء وتفاقم هذه الظاهرة التي لا نجد مثيلاً لها سوى في شوارعنا العربية.
ولا تكتفي هذه الأقنية بالاستثمار السياسي للأطفال الأبرياء بل تزيد على ذلك بأن تقوم بأبشع عملية للاستثمار الأخلاقي، وذلك برصدها لمعاناة الأطفال في مواقع التهجير لا من أجل الدفع إلى انتشالهم من هوّة التشرّد أو العمل على إنهاء الأسباب التي أدت بهم إلى هذا المصير، بل إمعاناً في المتاجرة بمأساتهم وكسب النقاط من عمق معاناتهم، والعمل على إبقائهم على ما هم عليه، حتى تتوفر دائماً المادة التلفزيونية المشوقة والسبق الصحفي الذي أقل ما يمكن أن يوصف به بأنه سبق صحفي مجرم لا يعير اهتماماً سوى للوصول إلى الهدف مهما كانت النتائج.
على الجانب الآخر من الصورة تبرز محطات تأبى على نفسها وتمنعها أخلاقها من أن تقوم بالدور القذر نفسه التي تقوم به بعض المحطات، ومن هذه القنوات التي تحترم مشاهدها قناة (روسيا اليوم) التي قدمت مؤخراً برنامجاً اتخذ من إحدى مدارس الأطفال في سورية ملعباً له فراح يصور يومياتهم في مدرستهم ويرصد طبيعة النشاط اليومي الذي يقومون به، ناقلاً بعض أوجه إبداعاتهم في فنون الغناء والموسيقا من دون أن ينزلق في منزلق الترويج لأحد أو لفكرة أو لموقف أو لرأي، بل تعمّد البرنامج أن يبتعد تماماً عن الوقوع في فخ الدعاية لأحد، وذلك من خلال حرص مقدمه على ألا ينخرط مع الأطفال في أي حديث قد ينال من براءتهم وطفولتهم حتى لو كان حديثاً يعكس محبتهم لوطنهم وبلدهم، فحين أراد أحد الأطفال التعبير عن محبته للوطن ورغم أن هذا التعبير يُفتَرَض ألا يخدش شعور أحد انبرى مقدم البرنامج منبّهاً الطفل إلى أنه عليه وعلى أقرانه أن يعيشوا طفولتهم وأن يبتعدوا عن أي انجرار إلى أماكن ليست لهم، الأمر الذي ذكّر ببعض (الإعلاميين) ولاسيما الجوالين منهم على مخيّمات البؤس والشقاء، والذين لا يتورعون عن استخدام الأطفال بأسلوب رخيص يعكس رخص الفضائيات التي يعملون فيها.
أسلوب التعامل مع الأطفال في برنامج فضائية (روسيا اليوم) المشار إليه يعكس مدى احترام الفضائية لنفسها ولجمهورها وقدرتها على أن تكون موضوعية ومتوازنة وبعيدة عن أي أداء إعلامي أرعن.