2012/07/04
حاتم جمال الدين – الشروق المصرية
تقديم مسلسلات مأخوذة عن فورمات أجنبية، ظاهرة جديدة بدأت تطل برأسها على صناعة الدراما العربية، فبعد حالة الرواج التى تمتعت بها برامج الفورمات الواردة من أمريكا وأوروبا، جاءت الدراما لتوسع القاعدة وتستورد من المكسيك والأرجنتين وجنوب أفريقيا، وظهرت المسلسلات الطولية السوب أوبرا بشكل لافت للنظر على قوائم العام للأعمال الدرامية، وجاء من بينها مسلسل «زى الورد» الذى اتخذ النمط الذى سارت عليه الدراما التركية، وهو تأليف فداء الشندويلى وبطولة درة وآسر ياسين وإخراج سعد هنداوى، و«المنتقم» المأخوذ عن فورم أرجنتينى وإخراج حاتم على وأحمد فوزى، وبطولة عمرو يوسف وأحمد صلاح السعدنى وحورية فرغلى وإيناس كامل و«روبى» المأخوذ عن أصل مكسيكى، هو بطولة لسيرين عبدالنور وأمير كرارة والسورى مكسيم خليل وإخراج رامى حنا، بينما خرج من نفس المنبع معظم أعمال السيت كوم.
صناع الدراما اختلفوا فى توصيف الظاهرة فالبعض أكد أن المسلسلات الطويلة والست كوم هو تطور طبيعى للشكل أو القالب الذى تصاغ فيه الدراما، والبعض الآخر يرى أن ظاهرة استيراد الفورمات الأجنبية ليس لها علاقة بالإفلاس، وأنها تفتح خطوطا لإنتاج داما مبهرة تقف فى مواجهة الغزو التركى للشاشة العربية، وفى السطور التالية نعرض تجارب وآراء حول مسلسلات وارد الخارج.
عمرو قورة: الأتراك أبهرونا بمسلسلات منقولة عن الغرب
عمرو قورة كان من أوائل المنتجين الذين تعاملوا مع فورمات لمسلسلات، وأعاد تقديمها فى صياغة مصرية، وقدم من خلال هذا الخط عددا من الاعمال التى حظيت بانتشار ومنها ست كوم «تامر وشوقية» المأخوذ عن مسلسل أمريكى بعنوان «دارما أند جرج» الذى بدأ مشروعه من عنده قبل أن ينتقل لمنتج آخر، وكذلك المينى كوميدى «أحمد أتجوز منى»، ومسلسل «الجامعة»، و«الباب فى الباب»، ويعد حاليا لتجربة جديدة هى مسلسل «المنتقم» الذى سيبدأ تصويره قريبا فى 120 حلقة، وحول تجربته يقول عمرو قورة: «المسالة ليست جديدة، وأن كثيرا من المسلسلات التركية التى تبهر الجمهور العربى مأخوذة عن أصول أجنبية، ولكن أضفى عليها الأتراك صبغة خاصة جعلتها قريبة من مجتمعاتنا، ولكن مع زيادة أسعار المسلسلات المدبلجة بدأنا ندخل هذا المجال ونبحث عن أعمال أجنبية على مستوى المسلسلات التى أحبها الجمهور العربى وتابعها مترجمة على الفضائيات.
وأضاف: «وجدنا من الأبحاث العلمية التى أجريناها أن مشكلة الدراما عندنا هى الحبكة، والاعتماد على أسماء النجوم أكثر من الموضوع وباقى عناصر العمل، ومن هنا أخذنا فى التعامل مع الدراما باعتبارها صناعة لها مقومات وشكل، وفتحنا الطريق أمام العمل الجماعى ومشاركة أكثر من مؤلف ومخرج فى العمل الواحد، ليكون الموضوع هو البطل الاساسى، واعتمدنا على فنانين شباب، مع الاهتمام بتوظيف الممثلين فى الأماكن المناسبة لهم».
وأوضح أنه لا يقدم ترجمة حرفية للأعمال الأجنبية، وإنما يتعامل مع التيمة والقصة الأساسية، وأستشهد بمسلسل «الجامعة» الذى تم كتابته بالكامل على غرار مسلسل أمريكى يتناول مشاكل الشباب، وكانت فكرة الجامعة مصرية 100%، وقال إنهم اختاروا الجامعة باعتبارها مكانا لتجمع شباب من مختلف الدول العربية.
وأشار إلى أن استيراد الفورمات لا يقف عند النماذج الغربية والأمريكية والتركية، بل هناك أعمال متميزة تنجح فى دول العالم الثالث ويتم بيع الفورم الخاص بها لدول أخرى، وأشار لمشروع مسلسل جنوب أفريقى تتبناه منظمة الصحة العالمية، لتنشر كيفية العامل مع مرض نقص المناعة «الإيدز» عبر دراما اجتماعية يمكنها الوصول إلى القاعدة العريضة من الجمهور فى مختلف دول العالم.
تامر عبدالحميد: تجربة مفيدة واستمرارها مرهون برأى الجمهور
يرى السيناريست تامر عبدالحميد كاتب مسلسل الست كوم «الباب فى الباب» أن مشاركته فى تمصير هذا العمل يمثل تجربة فنية مفيدة بالنسبة له ككاتب دراما، خاصة أن هذه النوعية من الأعمال تعد جديدة فى مصر، وأن نقلها من الغرب يحتاج إلى معايشة لكيفية صناعتها بهذا الشكل المبهر، وهذا ما تحقق مع شركة سونى، التى نظمت ورش عمل وحرصت على حضور فريق المسلسل المصرى لتصوير حلقات فى أستوديوهات الشركة بأمريكا.
وأشار إلى ورش الكتابة التى شهدت مناقشات قبل كتابة السيناريو وتم خلالها الاتفاق على الأشياء التى يمكن تناولها فى عمل فنى مصرى، وقال إنه أضاف أشياء كثيرة لم تكن موجودة فى العمل الأصلى حتى يضفى على المسلسل روح مصرية.
ورفض تامر عبدالحميد فكرة أن للاستعانة بالفورمات الأجنبية تأثيرا سلبيا على صناعة الدراما، وقال إن الجمهور يشاهد الأعمال الأصلية وينبهر بمستواها الفنى، ومن هنا سيكون صناع النسخ العربية أمام اختبار صعب سيجعلهم يهتمون بكل التفاصيل ويعملون على أتقان ما يقدمونه من المسلسلات..
وأضاف أن الاستعانة بفورمات لمسلسلات أجنبية هو شىء معمول به فى كل دول العالم، مشيرا إلى قيام بعض القنوات دبلجة النسخ التركية من مسلسل الأمريكى Desperate Housewives.
وأكد تامر أن إنتاج نسخة عربية من الأعمال الدرامية الناجحة يعد أقل بكثير فى التكلفة من الاعتماد على المسلسلات التركية والمكسيكية المدبلجة، ولكن يظل الفيصل فى استمرار هذا الاتجاه مرهون بقبول الجمهور المصرى والعربى لتلك الاعمال، وهل يمكنه تتبع حلقات سوب أوبرا تمتد إلى ما أكثر من 100 حلقة؟ أم أن الملل سيتسرب إليه؟.
فداء الشندويلى: لا أنكر أن البعض سيرى التمصير نوعا من الإفلاس
نفى المؤلف فداء الشندويلى أن تكون فكرة مسلسله الطويل «زى الورد» مأخوذة عن فورم أجنبى، وقال إن هذا الشكل من الدراما موجود فى الغرب منذ ستينيات القرن الماضى، وهو شكل متعارف عليه فى كثير من دول العالم مثل اليابان والهند وأمريكا اللاتينية.
وأضاف أن الدراما تتطور مثل أى شىء حيث بدأت بمسلسل 13 حلقة ثم 15 فـ20 و30 حلقة، وبعدها ظهرت مسلسلات الأجزاء مثل ليالى الحلمية، ونحن الآن بصدد إنتاج دراما مفتوحة «سوب أوبرا» بعد أن لاقى هذا الشكل قبولا لدى الجمهور العربى، ولكننا لم نستورد فكرا من تركيا كما ردد البعض على مواقع الانترنت، بينما أشار إلى أن وجود الدراما التركية شجع المنتجين على خوض مثل هذه التجربة.
أبدى الشندويلى رفضه لفكرة تمصير أعمال أجنبية، وقال إن الدراما التليفزيونية يجب أن تكون قريبة من حياة الناس، مشيرا إلى أن تخوف البعض من الاعتماد بشكل كامل على تمصير أعمال درامية، لأن هؤلاء سيرونه شكلا من أشكال الإفلاس، فيما أعرب عن عدم رفضه لظهور مثل هذه الأعمال طالما لم تكن اتجاه جارف فى صناعة الدراما، وأشار للإفلاس الحقيقى والمتمثل فى تحويل الأفلام لمسلسلات. أما المنتج صادق الصباح فيرى أن سوق الدراما فى مصر ليست على ما يرام وأن هناك ترحيبا فى السوق الخارجية بهذا النمط الجديد الذى أفسحت له الطريق الموجات المتلاحقة من المسلسلات التركية، ومن خلال دراسات استقصائية أجرتها شركات متخصصة على سوق الدراما فى مصر، وجد أن سوق العرض التليفزيونى يبتعد عن الشكل الكلاسيكية للمسلسلات، وبدأ يبحث عن شكل جديد للإنتاج الدرامى، ومن هنا رأى كمنتج إمكانية تقديم مسلسل مصرى يواكب التحولات التى تشهدها السوق، وجاءت فكرة تقديم عمل من 60 حلقة، وبمستوى ينافس الأعمال التركية، وكان «زى الورد» الذى يكتبه فداء الشندويلى ويخرجه سعد هنداوى. ورغم أن التجربة لاتزال فى بدايتها إلا أن الصباح يؤكد بأن مؤشرات التسويق مبشرة، وأن السوق الخارجية تتطلع لمثل هذه الأعمال، وذلك لأنهم شاهدوا المسلسلات التركية والمكسيكية والأمريكية المدبلجة، وينتظرون مشاهدة تناول مصرى لهذا الشكل من الدراما، وقال إن مسلسله مصرى 100% وليس له أصل فى الدراما التركية أو غيرها.
وأشار إلى الشق الاقتصادى فى المسألة، مؤكدا أن المسلسلات المصرية بالنسبة للقنوات الفضائية ستكون أقل بكثير فى التكلفة من نظيرتها التركية، حيث وصل سعر الحلقة فى المسلسلات التركية إلى 120 ألف دولار، وأن سعر أى مسلسل عربى يقف عند نصف هذا الرقم.
يسرى الجندى: يبحثون عن فن جديد فى قوالب مستوردة.. استسهال
يعلق الكاتب يسرى الجندى بأنه لا يمكن أن نعتبر مسلسلات الفورمات ظاهرة، وقال إن كل ما نراه حاليا هو نتاج حالة ارتباك تمر بها صناعة الفيديو فى مصر، فبعد الثورة كان الجميع ينتظر ميلاد فن جديد، ولكن المؤشرات تؤكد أن ميلاد هذا الفن لم يأت بعد، وأنه ربما يتأخر بعض الوقت، وذلك بسبب الأخطاء المتتالية التى أدت إلى تأخر تبلور الحالة، ومن هنا يتجه البعض للبحث عن الجديد فى الأفكار المستوردة، وحتى الآن لم نر إبداعا حقيقيا يمكن أن نقول إنه بداية لفن جديد يعبر عن تطلعات المبدعين والجمهور ويمثل إبداعا ما بعد الثورة، فالإبداع الحقيقى قليل جدا ويأخذ نهجا قديما وتقليديا.
فيما ألقى يسرى الجندى التبعية على العامل الاقتصادى والذى يأخذ الانتاج الدرامى فى اتجاهات يرى فيها المنتج السبيل لتحقيق أهدافه، وكيف يحقق المكاسب المادية بأقل التكاليف، وهى الاتجاهات التى تأتى دائما على حساب القيمة.
ويقول: «اللجوء لاستيراد فورمات من الخارج قد يبدو للبعض بأنه نتاج حالة من الإفلاس، ولكنه فى حقيقة الامر هو نوع من الاستسهال، فى ظل حالة من عدم وضوح الرؤية والارتباك وعدم القدرة على تحديد مسار واضح لصناعة الفن، وهو ما يفتح الباب أمام سيطرة المسلسل التركى واستيراد أشكال درامية من الخارج».
واستدرك الجندى قائلا إنه ليس ضد تمصير أعمال درامية سواء كانت تركية أو مكسيكية أو أمريكية وغيرها ولكن بشرط أن تتضمن هذه الأعمال قيمة عليا تجعلها تستحق الترجمة والتداول فى أسواق الدراما العربية، وألا تكون عمليات تمصير الاعمال الدرامية هو الاتجاه السائد فيما تنتجه صناعة الدراما. وأشار إلى أن عمليات تمصير أعمال أجنبية شىء متعارف عليه فى صناعة السينما، وعلى نفس الدرب سار المسرح المصرى لسنوات طويلة حتى خرج جيل من المبدعين المصريين والعرب فى هذا المجال.