2013/05/29
بسام سفر – تشرين
تستخدم لغة الجسد بشكل لا شعوري، وتعبر عن الجوانب الأكثر حقيقة من ذواتنا، من مشاعرناً وانفعالاتنا وحاجاتنا واتجاهاتنا، وهذه اللغة هي الأكثر صعوبة في كتابتها، لكنها ربما كانت هي الأكثر أهمية في العلاقات الشخصية المتبادلة فيما بيننا،
وهي تكشف عن مهارات فطرية غير محددة في إمكانيات جسمانية وعقلية. وذلك ما نجده في أداء الفنان نضال سيجري الذي يعتمد على لغة الجسد والإشارة خصيصاً في أعماله الدرامية التي شارك فيها الموسم، وهما «بنات العيلة»، من تأليف الكاتبة رانيا بيطار، وإخراج رشا شربتجي، وأيضاً في العمل الدرامي البيئي «الأميمي». من تأليف سليمان عبد العزيز وإخراج تامر اسحاق، إذ نجد المجموعة من أصدقاء عملوا من حكم إبراهيم باشا، وهربوا السلاح وباعوه في السوق السوداء لجماعة الحكم العثماني، ومنهم «سلامة، الأميمي، عباس النوري»، وصديقه الحميم «جواد، إليان، نضال سيجري»، وصديقهم «أبو سردة، سيف الدين سبيعي».
هؤلاء الثلاثة يشكلون المجموعة التي عملت في السرقة، إضافة إلى (حنا، محمد خير الجراح)، الذي سوق السلاح وباعه، ولم يأخذ حصته من عملية البيع، لذلك يلاحق حنا إليان ويبحث عنه حتى يجده في حارة الأميمي، ويعمل حنا عند (أبو شريف، جلال شموط)، في محل للحلويات وعندها يشاهد إليان الذي يعمل في البلدية عامل تنظيفات، ومع عربة يجرها حمار، ويراقبه ويتابعه ليتعرف إلى بيته وأين يسكن وأصدقاءه الذين يتعامل معهم في العمل .
أن ما يجده حنا هو الصداقة العميقة التي تجمع (إليان، جواد) مع (سلامة، الأميمي)، وعندما يعتدي عليه ويضربه في الحارة يتقدم سلامة ليضرب حنا، مدافعاً عن جواد، لكن جماعة الصوباشية يحضرون عند سماعهم هذه ويأخذون حنا إلى السجن. وفي هذه المواجهة يظهر جواد في آلية التعامل الجسدي حيث يتلقى الضرب بجسده الهزيل مهرباً جزءاً منه عبر حماية روحية أكثر منها جسدية، بينما يتدخل سلامة، الأميمي لحماية جسدية واضحة لجواد، ويوضح جواد للجميع عن طريق سلامة، أنه لا يعرف حنا، ولم يتعاط معه، لكن حنا يستطيع أن يثبت له بأنه يعرف الثلاثي ويجرجر أبو سردة الذي يعترف إلى جواد وسلامة، ويعتقلان بالتتابع، لتحظ نهاية الثلاثي.
إن العلاقة المميزة التي جمعت الثلاثي «أبو سردة، سلامة، جواد» تؤكد على عمقها، وينشطر هذا الثلاثي نحو الثنائي «جواد، سلامة» اللذين تربطهما علاقة عميقة، وعندما تطلب زوجة جواد (تولين بكري)، ابنته سلامة لتزوجها إلى ابنها عيسى، يوضح جواد لسلامة أن شريف ابنه وليس ابن أخيه حسبما نقلت له زوجته عن أم شريف، وأن زوجته كانت حامل بتوءم عند ملاحظة كيفية شرح جواد لسلامة مقدار الحوار الجسدي، وآلية التعبير عما يدور في ذهن جواد لتقديمه لسلامة ومقدار الحميمية والتفاعل الحواري بينهما، ونلحظ ذلك في حوار سابق بين الأميمي و جواد في الحمام عبر آلية الحوار التي يقدمها جواد من خلال الاندماج الكامل في إيصال أفكاره، ويتعمق ذلك من متابعة الأميمي بالانسجام التي يقدمها جواد والتفاعل معها.. أما في العمل الدرامي «بنات العيلة» لعب الفنان نضال سيجري شخصية الفنان التشكيلي كمال الذي يرسم جمال الحياة، وهو الحزين من الداخل بسبب وفاة زوجته، وتظهر إنسانية الفنان كمال عندما يسعف ابن (هبة، ديمة الجندي)، في الحديقة المقابلة لبيته، وأيضا لمنزل هبة، وتبحث هبة عن أبنها المصاب الذي يأخذه كمال إلى شقته ومرسمه، وتستدل على الشقة من أجل معرفة ما جرى لابنها، وعندها تدخل إلى شقة كمال لتجد شيئاً من الراحة النفسية والجمال الشكلاني والإنساني عبر تعامل كمال معها، الذي يفهمها بلغة الإشارة ما جرى لابنها وإسعافه الطبي له كطفل أصيب بالحديقة.
إن هذا الفعل الإنساني يعزز من هوى كمال لديها، وهي التي تعاني من إهمال زوجها (عدنان أبو الشامات) نتيجة مشاغله في العمل، والرومانسية التي تتمتع بها هبة ككاتبة سيناريو، ما يفسح المجال واسعاً أمام الفنان كمال لملاقاة مشاعر الرومنسية والحب عند هبة من خلال اهتمامه. بالتفاصيل الحياتية الصغيرة حيث يقدم لها «قطعة شوكولا» كهدية وتعبيراً عن الاهتمام بها. وهذا ما يجد صداه داخل هبة إذ تتعمق الخلافات مع زوجها، وتتواصل مع كمال عبر جهاز «الاي باد» في التعبير عن المشاعر والعواطف التي تنتابها، وينجح كمال في ترسيخ علاقة حب واضحة من خلال هذا الاهتمام، لكن خيارات هبة بعد هذه المحاولة من أجل الحفاظ على ابنها، وسمعتها كامرأة ملتزمة بالعائلة تختار العودة إلى زوجها وبيتها، ومتابعة كتابة السيناريو، وهنا نجد أن الفنان نضال سيجري وجد مساحة واسعة للتعبير عن ذاته وعائلته وعلاقاته الإنسانية، بلغة الإشارة والكتابة وحتى استخدام جهاز «الاي باد»، وهذا يوضح مدى قدرة الفنان نضال سيجري على تعزيز لغة الجسد والإيماء في الأداء التمثيلي الحقيقي الذي يتعلق بالشخصية التي يؤديها، ما يؤكد قدرة الإنسان والفنان في خلق مساحة فعل تمثيلي بغض النظر عن الأداء الصوتي.
إن أداء الفنان نضال سيجري في عمليه الدراميين للموسم الدرامي السابق ينطلق من أن المحاكاة هي الطريقة الإنسانية الأولية التي يكتسبها الإنسان من خلال العديد من جوانب سلوكنا الثقافي، معتمداً لغة الإشارة وقواعد السلوك المهذب وأساليب الملاطفة أو الغزل، وهذا يدلل على مدى تطويره للمحاكاة بشكل واضح سواء في الأميمي أو في بنات العيلة.