2012/07/04
فاتن قبيسي - السفير
ما زالت بعض الفضائيات السورية تنقل مواقف عدد من الفنانين السوريين حيال التحركات الاحتجاجية الأخيرة. وما زالت قناة «سورية دراما» تنقل تحت عنوان «تحية حب من سوريا»، رسائل سريعة من عدد من الفنانين الذين يبدون تأييدهم للقيادة السورية.
بالطبع، لا يدخل ذلك في سياق دعم القيادة فحسب، بل ثمة هدف آخر، يتعلق بإعطاء بعض الفنانين ممن وقعوا على بيان «تحت سقف الوطن»، الذي أثار بلبلة في الوسط الفني، فرصة إضافية لتوضيحه في صورته الحقيقية. وهو ما فعله الفنان جمال سليمان مؤخرا، في برنامج «أخبار الفن»، عبر «سورية دراما».
لم يكن يحتمل ذلك البيان، بطبيعة الحال، كل تلك الحملة الشرسة التي تعرض لها الموقعون عليه. وهم من الفنانين المشهود لهم بنزاهتهم الأخلاقية والوطنية. وأقل ما يمكن أن يقال فيه، إنه بيان متوازن، يراعي من جهة الحركة المطلبية وحق التظاهر مع ضرورة عدم أخذ البلد الى الفوضى، ويدعم من جهة أخرى، وبشكل لا لبس فيه، القيادة السورية.
لا نعلم لماذا ثارت ثائرة بعض الفنانين عبر شاشات التلفزة، ومنهم قصي خولي وزهير عبد الكريم، على موقعي البيان، ولماذا كل هذا التخوين الوطني؟ علماً ان ردود الفعل الهجومية تلك دفعت أصحاب البيان الى إصدار آخر توضيحي، يعلنون فيه نيتهم درء الفتنة، وولاءهم للرئيس بشار الأسد.
لا نعلم إذا كان مطلوباً منهم إصدار بيان، يتجاهل كلياً الحركة المطلبية، أو حتى يهاجمها. فالحصيلة ستكون في هذه الحال، وضع سد منيع بين الفنانين والجمهور، (أو قسم منه)، الذي يفترض أن يحمل الفن قضاياه وينقل همومه. كما سيُتهم الفنانون بأنهم يعيشون في برجهم العاجي، بعيداً عن هموم الناس البسطاء. بل ان البيان عمد، رغم قناعة أصحابه ربما بوجود مساهمة خارجية في تحريك الشارع، الى استيعاب هذا الشارع، من باب الحكمة وتنفيس الاحتقان، مؤكداً في الوقت نفسه على الإدارة الحكيمة للقيادة السورية ولمسيرتها الإصلاحية، كمن يريد أن يلتقي طرفا النزاع في منطقة وسطية.
كما أن تجاهل الحركة المطلبية، كان من الممكن أن يجعل من بيان «اللون الواحد»، نص محاباة للرئيس السوري.
الجميع يعرف أن الرئيس الأسد، الذي يخصص وقتاً للقاء الفنانين بين الحين والآخر، يقدم الدعم لهم وللدراما السورية، التي تفلتت في السنوات الأخيرة الى حد كبير من سطوة الرقابة. والكل يعلم أن ثمة إجماعا بين الفنانين السوريين على تقدير رئيسهم لمبادراته معهم، ولسياسة بلده الممانع في المنطقة إزاء المشروع الإسرائيلي. وهذا هو الأهم. وهذا ما عبر عنه آخرون، عبر بيانات انفرادية، كالمخرج باسل الخطيب والفنان مصطفى خاني وغيرهما. من هنا نسأل: ما حاجة بعض الفنانين الى تحين فرصة مثل هذه لمهاجمة البعض الآخر؟ وجميعهم في خندق واحد؟
وهنا السؤال الأهم: هل يمكن التشكيك بوطنية فنانين كبار، أمثال دريد لحام، وجمال سليمان، وأيمن زيدان، وبسام كوسا؟ وأعمالهم التي يعكس بعضها الهم الوطني والقومي تشكل شواهد على مواقفهم. كما انه من طبيعة الفنان التحريض على الإبداع والتغيير. بل ان دور البطولة الحقيقي الذي يمكن أن يلعبه هو الدعوة للإصلاح.
ثم لماذا تتم المزايدة على موقعي البيان ما دام الرئيس الاسد أقرّ بوجوب الإسراع في الخطوات الإصلاحية، وباشر بها عبر تشكيل لجان لرفع قانون الطوارئ وقانون للأحزاب وقانون للإعلام؟
ولا يخفى على أحد الدور الذي لعبه بعض الإعلام والمواقع الالكترونية في تحريف بيان «تحت سقف الوطن». ومنه قناة «العربية»، التي اجتزأت منه ما يتعلق بدعم الحركة المطلبية، من دون التطرق الى الجانب الآخر منه. حتى بدا بياناً «أحادي الجانب».
في كل الأحوال، حمل البيان أكثر مما يحتمل، واضطر الموقعون عليه الى القيام بمطالعات دفاعية لإثبات الحس الوطني. وقد قام بعضهم، مثل الفنانين باسل خياط، وباسم ياخور والمخرج الليث حجو، بزيارات ميدانية الى اللاذقية، ودرعا ودوما، لامتصاص نقمة الأهالي وتهدئة النفوس، ولتعزية أهالي الشهداء الذين وقعوا ضحية المواجهات.
وتبقى المفارقة هي أن بعض موقعي البيان «المغضوب» عليه، ممن أصابتهم نقمة بعض زملائهم الفنانين، لم ينجوا في الوقت ذاته من شرك «قائمة العار - سوريون ضد الثورة» عبر موقع «فايسبوك».. فمن ينصف هؤلاء؟