2012/07/04
محمد خير - الأخبار
في عالم هواة تقليد أصوات الفنانين، لم يكن ممكناً الاعتراف بنجاح أي مقلّد، ما لم يستطع محاكاة الصوت المميز لكمال الشناوي (1921). الفنان الذي رحل أمس بعد عمر طويل زمنياً وفنياً، لم يقدم أدواراً غير تقليدية، لكنه مع ذلك، صنع لنفسه صورة لا تشبه أحداً. هذا المزيج من الدونجوان الرومانسي والشرير والجاد وخفيف الظل في آن واحد، لم يتوافر سوى عند محمد كمال الشناوي. لم يستطع أيّ من أبناء جيله إلا تقديم جانب واحد أو اثنين من هذا المزيج.
شقاوة أحمد رمزي، وخفة ظل حسن يوسف، وصرامة شكري سرحان، اجتمعت كلّها في الشناوي، فاحتل مرتبة على حده، وظل يعمل حتى لامس التسعين. أمثال الشناوي تفصح حياتهم عن التاريخ العارم والزخم الذي ميّز السينما المصرية، بمجرد معرفة أنّه قدم أكثر من 270 فيلماً، وهو رقم يقارب إنتاج دول بأكملها، لكن الشاب الذي بدأ فناناً تشكيلياً، عرف النجاح في الزمن الذي كانت فيه هوليوود الشرق تنتج أكثر من مئة فيلم في العام. عصر الخمسينيات الذهبي منح الشناوي أرقامه القياسية، لكنه لم يبدأ مجده الفني إلا في الستينيات. قبل ذلك، حقق عام 1950 سابقتين فنيتين: الأولى هي فيلم «بابا عريس» لحسين فوزي. كان ذلك الشريط الملون الأول في السينما المصرية قبل عشرين عاماً على الأقل من انتشار الألوان في هوليوود الشرق. وفي العام نفسه، شارك في «أمير الانتقام» لهنري بركات، لكن تلك سابقة لم يعرف قيمتها سوى بعد 46 عاماً، إذ اختير الفيلم في 1996 من بين أهم مئة فيلم مصري أثناء احتفالات مئوية السينما المصرية.
في 1962، بدأت البصمات الحقيقية للشناوي في «اللص والكلاب»، تحفة كمال الشيخ عن رائعة نجيب محفوظ. قدم الشناوي دور رؤوف علوان المثقف الانتهازي، والمسؤول الحقيقي عن جرائم اللص سعيد مهران (شكري سرحان). بدا الشناوي في الدور الذي يكاد يلخّص أدواره التي لا يخسر فيها أبداً، سواء كان شريراً أو طيباً. هنا كان شريراً بجاذبية لا تقاوم، فتحكّم في مصير ضحاياه المباشرين وغير المباشرين. من المفارقات أن شادية، التي قدمت أمامه عدداً كبيراً من الأدوار، لم تلتق به طوال مشاهد «اللص والكلاب». ربما لأنه لم يكن في الفيلم ذلك الرومانسي الذي أحبته شادية في عشرات الأفلام.
كمال وشادية أحد أشهر الثنائيات، لكن حقائق الأرقام تنبئنا بأن الشريك الأغلب للشناوي كان إسماعيل ياسين في فترة غزارة الخمسينيات. ربما كان لخفة أفلام ياسين «ملك الكوميديا آنذاك» الدور الأبرز في أنّ الخمسينيات منحت الشناوي الشهرة من دون المجد. خبا ياسين وجيله في الستينيات، لكن الشناوي بدأ آنذاك خطواته الفنية الحقيقية. بعد ثلاثة أعوام على «اللص والكلاب»، تولى بطولة تحفة أخرى هي «المستحيل»، أول أفلام حسين كمال، عن قصة لمصطفى محمود. شريط ما زال يدرَّس حتى اليوم في معهد السينما لتميز الكادرات، والأداء العبقري لمدير التصوير عبد العزيز فهمي، وتلاعبه الفائق بظلال الأبيض والأسود. أما الشناوي نفسه، فقدم شخصية «حلمي»، الذي ظلّ يعيش في جلباب أبيه رغم وفاته، عاجزاً عن كسر الإطار الصارم للحياة التي رسمها له الأب. يطوف بين دائرة من النساء، هنّ زوجته أمينة (كريمة مختار) والمحامية فاطمة (سناء جميل)، والمطلّقة ناني (نادية لطفي). الأخيرة هي الأقرب إلى قلبه، وهي التي ظلت مثله تطلب سعادة أو طمأنينة «مستحيلة». كانت مغامرة للشناوي تقديم دور شديد الكآبة لمخرج مبتدئ ومصوّر طامح للتجريب، لكنّ الفيلم احتل مكانته ليصبح الثالث للشناوي في قائمة أهم الأفلام المصرية التي ضمّت أيضاً فيلمين آخرين، هما «الرجل الذي فقد ظله» (1968) لكمال الشيخ عن قصة فتحي غانم. جسّد في الفيلم انتهازياً آخر هو يوسف السيوفي، المتسلق في عالم الصحافة. أما آخر أفلامه في قائمة المئوية فكان عام 1975 مع علي بدرخان، في رائعته «الكرنك»، عن قصة نجيب محفوظ بالعنوان نفسه.، هنا تألق الشناوي في دور مدير الاستخبارات الفاسد خالد صفوان، فقدم في الدور أهم ما ميّز شخصيته الفنية، إذ لا يفقد جاذبيته حتى وهو يشرف على التعذيب وانتزاع الاعترافات الكاذبة.
لم يحرم الشناوي نفسه أي تجربة فنية. خاض الإخراج في «تنابلة السلطان» (1965)، وكتب خمسة أفلام أبرزها «وداع في الفجر» (1956) و«زوجة ليوم واحد» (1963)، وأنتج خمسة أخرى منها «طريق الدموع» (1961) و«نساء الليل» (1973). وقدم أعمالاً تلفزيونية أبرزها «زينب والعرش» و«هند والدكتور نعمان». سنواته السينمائية الأخيرة ركزت على الكوميديا السياسية، من «الإرهاب والكباب» (1992) لشريف عرفة، وصولاً إلى «ظاظا رئيس جمهورية» لعلي عبد الخالق عام 2006.