2012/07/04
عدنان كنفاني - تشرين
في مقدمة واحد من الكتب المدرسية, قرأت نبذة عن سيرة الشهيد غسان كنفاني, وهالني حجم المغالطات التي جاءت في التقديم, في تاريخ ومكان مولد الشهيد وفي رحلة اللجوء وفي الوصف والسرد وما إلى ذلك, والغريب أن كاتب تلك المقدمة أديب وشاعر كبير أحترمه وأجله, لكنني تساءلت بكثير من الدهشة: كيف ونحن الذين عايشنا فترة حياة الشهيد غسان نأتي بتلك المغالطات.؟
إذا كنا نحن نفعل ذلك كي لا نتكلف كثير عناء في السؤال والبحث والتوثيق, ونحن نعيش أيضاً في مرحلة حياة الشهيد غسان, وغيره, فماذا يمكن أن يحدث بعد سنوات.؟
ألا يقودنا هذا السؤال إلى التشكيك بكثير من سير الرموز عبر تاريخنا.؟
وعلى هذا المسار أجد نفسي مضطراً إلى الدخول في أحداث المسلسل التلفزيوني ( في حضرة الغياب), وبما يخص ما جاء في مقطع عن الشهيد غسان كنفاني, ولا أريد أن أخوض في فنية العمل, ولا في توصيف سيرة وحركة وشكل وأداء الشاعر المرحوم محمود درويش الذي قصد كاتب العمل صديقي الأديب حسن م يوسف, ومخرج العمل الأستاذ المبدع جودت أنزور أن يضعا محمود درويش في دائرة قداسة مطلقة بعيداً عن الطبيعة البشرية, وما أثار من جدل ونقد في بعض الأوساط المعنية والمتخصصة, لكنني, وبما أنني شقيق الشهيد غسان كنفاني, وأعرف عنه, وعن الأحداث التي أدت إلى استشهاده, وحياته وصفاته ما لا يعرفه غيري, وأعتب على الأديب حسن م يوسف, الذي شرفني في بيتي وهو في معرض كتابة المسلسل, وقدمت له معلومات كثيرة حول الشهيد غسان وحياته وحادثة استشهاده لأفاجأ بكثير من المغالطات التي لا أعتبرها فنية بقدر ما هي مغالطات توثيقية بدأت بالشكل العام للشهيد غسان الذي كان أبيض البشرة وأشقر الشعر.! والذي لم يحدث أبداً أن أشعل سيجارة في حصن بيته.! والذي لم يرتد في حياته كلها(بيجاما) على الشكل الذي ظهر فيه بالمسلسل.
ثم السيارة التي جرى تفجيرها كانت من نوع bmw وليست مرسيدس 190.!
ولم تتفجر السيارة فور تشغيل المحرك بل بعد ذلك بقليل إذ كان صاعق التفجير مربوطاً بأنبوب العادم وحتى تصل حرارة المحرك إلى نهاية العادم(الإشكمان) تحتاج إلى وقت, قد يكون ثوان, وقد خرج الشهيد غسان بالسيارة من تحت العمارة, وحدث التفجير في الخلاء, ولو جرى التفجير والسيارة تحت العمارة كانت المصيبة ستكون فاجعة.
ثم من وشى للكاتب أو للمخرج أن الفاعلين رجل وامرأة علماً أن ملف القضية بكامله خالٍ من كل هذه المعلومات.
لميس «ابنة شقيقتي فايزة» التي استشهدت مع خالها غسان كانت في السابعة عشرة من عمرها, ومن مثلت شخصيتها بدت أكبر بكثير وبعيدة جداً عن الشبه, ولم تدخل إلى السيارة, بل كانت تهم بفتح باب السيارة عندما حدث التفجير واستشهدت قطعة واحدة على عكس الشهيد غسان الذي تقطعت أوصاله..!
كي أكون صادقاً أنا لست متابعاً مواظباً على حضور حلقات المسلسل المذكور, لذلك ليس من حقي أن أدخل عليه ناقداً, لكنني تابعت مقطع يخص الشهيد غسان وزوجته «آني» وشقيقتي «فايزة» ولم أجد في كل ذلك ما يشبه غسان لا شكلاً ولا موضوعاً.
يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: هل كان من الصعب أو المستحيل أو الحرج أن يكلف الكاتب أو المخرج نفسه ليسأل «مجاناً» المقربين من الشهيد غسان, أهله وأسرته وأخوته وزوجته وأصدقاءه أو أياً من هؤلاء كي يجنح إلى شفافية التوثيق.؟