2013/05/29
سناء الخوري – السفير
ألوان التلفزيون كانت مختلفة في التسعينيات، وكذلك كانت إيقاعات الإذاعة. من رحم الثقافة الشعبيّة لذلك العقد، استلهم الواد نعناع (باسم بريش) عرضه، «طيّب جداً». عند الحادية عشرة من مساء اليوم، سيقدّم الـ «دي دجاي» حفلةً من أجواء تلك الحقبة غير البعيدة، يستعيد فيها أغنيات كانت ضاربة، منها لسيمون حدشيتي، ونينا وريدا بطرس، ووائل كفوري، ومادونا، وموفّق وحكم الحكيم، وراغب علامة، ومصطفى قمر، وليد توفيق، وصولاً إلى فضل شاكر ونجوى كرم وآخرين. بعض هؤلاء ما زال حاضراً على القنوات التلفزيونيّة والإذاعات، وبعضهم الآخر صار صورةً من زمن آخر، تثير الاستغراب لدى استعادتها، كأنّها آتية من متحف.
مفهوم صناعة الموسيقى الشعبيّة تغيّر بشكل جذري خلال العقدين الماضيين. ارتبطت صورة النجم في التسعينيات، بمعايير أرساها سيمون أسمر، في برامج ترفيهيّة احتكرت «أل بي سي» معظمها. ذابت تلك الصورة وسط غزو الفضائيات، وشركات الإنتاج، وبرامج الهواة. أيقونات كثيرة من عصر الـVHS والكاسيت، لم تصمد مع فورة الرقمي، ولاحقاً مواقع التواصل. نجوم التسعينيات ممن غيّروا أدواتهم وأساليبهم (عمرو دياب، وراغب علامة، ونجوى كرم، وليد توفيق...) خاضوا تحوّلاتهم بما يناسب صورة الألفيّة الجديدة، «ربما صاروا أجمل ويافعين أكثر»، يقول باسم بريش. «آخرون ذهبوا إلى أماكن أخرى، على سبيل المثال، صار فضل شاكر شيخاً، وارتدى ربيع الخولي ثوب الرهبنة».
رغم التحوّلات، تبقى «كيتشات» تلك الحقبة حاضرةً بثقلها في ذاكرة الشاشة، والراديو، ومنها مثلاً قصّة شعر راغب علامة، أو أزياء الليدي مادونا. حلّت هذه الأخيرة ضيفةً على برنامج «حلوة الحياة» على شاشة «أل بي سي» بالأمس، لتعلن أنّها ستبيع فساتينها القديمة، على أن يعود ريعها للأعمال الخيريّة. صارت فساتين مادونا المبهرجة، والمشكوكة باللؤلؤ، من أشكال الزينة الخارجة عن الذوق العام. لكنّها صالحة للبيع في المزاد، كتحف من زمن آخر، وكرمز لشكل بائد من أشكال الاستعراض.
مكان موضة الغرابة التي تجسّدها أزياء مادونا حلّت موضة البوتوكس. أخذت الفساتين الشفافة مكان الفساتين الخضراء والصفراء والورديّة والمنفوخة والمشكوكة. تسيطر على صناعة الصورة اليوم، ثقافة الكليب المثير والعنيف، كأنّها انعكاس للعنف العام، وهرب منه في آن. في التسعينيات، كانت تلك الصناعة خارجة من الحرب، وجائعة للفرح، ما انعكس في أغاني مادونا («الليلة فرحة»)، ونينا وريدا («لولي»). وكانت جائعةً أيضاً للرومانسيّة الساذجة، كما في أغاني راغب علامة الأولى («لو شبابك»، «الهديّة»،...)، وربيع الخولي («يا أهل الهوا»..)، وموفّق وحكم الحكيم («بعدها بالقلب»)، وسيمون حدشيتي («عليم الله»)، ونهاد طربيه/ مايز البيّاع («طيّب جداّ»). كليبات هؤلاء الفنانين، وإطلالتهم التلفزيونيّة، صنعت وعي جيل التسعينيات، «خصوصاً أنّه لم يكن لنا فضاء موسيقي آخر، للاطلاع على تجارب خارج إطار الأغاني الشعبيّة، وأغاني الأعراس، إذ إنّ الشاشات كانت محدودة، وتشكيل ثقافة موسيقية واسعة كان محصوراً بفضاء العاصمة، وصعب المنال بالنسبة لأبناء الأطراف، ومنهم أنا»، يشرح بريش، أو الواد نعناع.
كغيره من أبناء جيل التسعينيات، تعلّق بريش في طفولته أو شبابه الأول بكيتشات زمن «طيّب جداً». لكنّ قمصان موفق وحكم الحكيم الملوّنة، ورقصات راغب علامة القديمة، صارت تقوم مقام النكتة بالنسبة لذلك الجيل اليوم. لكنّ «الموسيقى ما زالت مرتبطة في ذاكرتنا بلحظات من الفرح»، يقول الواد نعناع، ويضيف: «إنّها أغانٍ تدعو إلى الرقص والفرح ولا تحمل الكثير من المعاني أو الهموم أو الرسائل، وهذا جزء من مشروع «مترو المدينة»، بيع الفرح للناس».
سيترافق العرض الموسيقي، مع بثّ حيّ لصور ومشاهد مركّبة من أبرز «كيتشات» سنوات الـ 90، منها «مايكل جاكسون يؤدي رقصة «ثريلر» على أنغام الهوارة لآلان مرعب، أو آرنولد شوارزنيغر يهزّ عضلاته على إيقاع «الليلة حلوة» لمادونا». سيرافق الواد نعناع في إحياء الحفلة، الـ «دي دجاي» جنى صالح. من خلال حفلة «طيّب جداً»، يريد الواد نعناع تذكير جيل التسعينيات بذلك الفرح المجاني الذي يبدو غائباً تماماً عن الأغنية الشعبيّة اليوم، وتعريف الجيل الأصغر على جوّ لم يختبروه من قبل.